خطبة حول صوم يَوْم الِاثْنَيْنِ وحديث ( ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ )
ديسمبر 3, 2022خطبة عن حديث (ناسٌ صالِحُونَ قَلِيلٌ في ناسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ)
ديسمبر 4, 2022الخطبة الأولى ( اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه : (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأَبِى : « يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا ». قَالَ أَبِى سَبْعَةً سِتًّا فِي الأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ. قَالَ «فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ». قَالَ الَّذِى فِي السَّمَاءِ . قَالَ « يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ ». قَالَ فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي. فَقَالَ « قُلِ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي ». قَالَ الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، و حسنه ابن حجر العسقلاني في تخريج مشكاة المصابيح
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الأدب النبوي ، والذي يرشدنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى توحيد الله تعالى وعبادته ، والدعاء بتزكية النفس ،والاستعاذة من شرور النفس ،أما عن توحيد الله تعالى ،فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الألوهية لله وحده ،بأن يشهدوا أن لا له إلا الله، ولا يعبدوا إلا إياه، ولا يتوكلوا إلا عليه تعالى، ولا يوالوا إلا له، ولا يعادوا إلا فيه، ولا يعملوا إلا لأجله، وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية” ، وكل عمل لا يرتبط بالتوحيد فلا وزن له، قال الله تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} (18) [إبراهيم]. ، والتوحيد يشمل: توحيد الربوبية: وهو اعتقاد أن الله سبحانه وتعالى خالق العباد ورازقهم ومحييهم ومميتهم، وهو إفراد الله تعالى بأفعاله : كالخلق والرزق والإحياء والإماتة، وتوحيد الألوهية: وهو إفراد الله تعالى بالعبادة، وهو توحيد الله تبارك وتعالى بأفعال العباد : كالدعاء والنذر والنحر والرجاء والخوف والتوكل والرغبة والرهبة والإنابة، وتوحيد الأسماء والصفات: وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ،وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، وتوحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة هي من أجلّ النعم وأفضلها على الإطلاق، وفضائله وثمراته لا تعد ولا تحد، ففضائل التوحيد تجمع خيري الدنيا والآخرة ،فالتوحيد شجرة تنمو في قلب المؤمن ،فيسبق فرعها ، ويزداد نموها ،ويزدان جمالها ،كلما سبقت بالطاعة المقربة إلى الله عزّ وجلّ، فتزاد بذلك محبة العبد لربه، ويزداد خوفه منه ورجاؤه له ويقوى توكله عليه.
أيها المسلمون
أما عن قوله صلى الله عليه وسلم : (قُلِ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي ) فالمعنى : اللهم وَفِّقْنِي إِلَى الرُّشْدِ ،وَهُوَ الِاهْتِدَاءُ إِلَى الصَّلَاحِ ،وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي : أَيْ أَجِرْنِي وَاحْفَظْنِي مِنْ شَرِّهَا ، فَإِنَّهَا مَنْبَعُ الْفَسَادِ ، وَهَذَا الْدعاء هو مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ النَّبَوِيَّةِ ، لِأَنَّ طَلَبَ إِلْهَامِ الرُّشْدِ يَكُونُ بِهِ السَّلَامَةُ مِنْ كُلِّ ضَلَالٍ ، وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرِّ النَّفْسِ يَكُونُ بِهَا السَّلَامَةُ مِنْ غَالِبِ مَعَاصِي اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، فَإِنَّ أَكْثَرَهَا مِنْ جِهَةِ النفس الأمارة بالسوء ، والرشد: خلاف الغي، وهو يستعمل استعمال الهداية، ومن الرشد طاعة اللَّه ورسوله، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: (مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ ) رواه البيهقي وغيره ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي ) ، فتزكية النفس هي مشروع الحياة : قال الله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) [الأعلى 14]، وقال : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس 9، 10]. فلابد للمرء في رحلة الحياة أن يدرك أنه في حالة مكابدة، وكدح، ومجاهدة، للرقي بنفسه إلى مراقي الكمال، والتزكية ليست حلقة نقاش، ولا دورة مكثفة، يجتازها المرء في مدة محددة، ثم يتخرج منها بامتياز، محصناً من كل آفة، كلا، بل هي مشروع مستمر، وعمل دؤوب، يرمق جانب البناء والارتقاء، ويلحظ جانب الصيانة والإصلاح ، وثمرتها الهداية، في الدنيا، والآخرة. قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت 69]. ،وزكاة النفس بتوفيق الرب، وكسب العبد : قال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) [النساء 49]. ،فمعالجة النفس، وتهذيبها، وحملها على مراقي الكمال، لا يحصل بمجرد الأماني العذاب ،ولا يتحقق بالاعتماد على الذات، والاعتداد بالمواهب والقدرات، بل لا بد فيه من ركنين : أحدهما : الاستعانة بالله، وسؤاله زكاة النفس، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه : (اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا) رواه مسلم، والثاني : المجاهدة، وبذل الوسع، واستفراغ الجهد ، وتلك من سنن الله الكونية ؛ فإن الله ربط الأسباب بمسبباتها، وعلق التغيير بالمجهود البشري، فقال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد 11]، ولكل نفس وسع، وطاقة، تتفاوت من شخص لآخر، بل إن النفس الواحدة تتفاوت في وسعها، وطاقتها حيال الأمور المختلفة، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يقيِّم أبا ذر ، رضي الله عنه في موقف معين، حين قال له: أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا ذَرّ! إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ، وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) رواه مسلم، لكنه صلى الله عليه وسلم يسجل له شهادة قوة، وتميز، في مقام آخر، فعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ وَلَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ) رواه أحمد، وابن ماجة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والنفس تعتل كما يعتل البدن، وتداوى كما يداوى البدن : فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً) رواه البخاري. فكما أن العين يصيبها الرمد، والأذن يلحقها الصمم، واليد تكل، وتشل، والرأس يصيبه الصداع، فالنفس كذلك، يعتريها اضطراب، وكثير من الناس، حين تعتل نفوسهم يفزعون إلى الأسباب الغيبية؛ من عين، وسحر، وما أشبه، والعين حق، والسحر حق، لكن لا يستقيم أن تعلل بهما جميع الظاهرات البشرية، فكلما أمكن تفسير الأشياء تفسيراً ظاهرياً، مدركاً، لزم المصير إليه، ولم يسغ التعلق بأوهام وظنون، فالعلل النفسية تداوى بأضدادها؛ فالحزن والاكتئاب، بإدخال الفرح والسرور، ولو تكلفاً، واليأس والإحباط، بالفأل، والأمل، والكبر، والعجب، بالتواضع والإخبات، وهكذا. ولهذا نجد في القرآن الكريم هذه المناهي التربوية : (لَا تَحْزَنْ) [التوبة/40]، (فَلَا تَبْتَئِسْ) [يوسف/69]، (لَا تَكُ فِي ضَيْقٍ) [النحل/127]، (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ) [يوسف/87]
الدعاء