خطبة عن قوله تعالى ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ )
ديسمبر 22, 2022خطبة حول قوله تعالى ( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ )
ديسمبر 24, 2022الخطبة الأولى ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ : عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ :« اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ».
إخوة الإسلام
الله سبحانه وتعالى يحب أن يدعى ،ويحب أن يسأل العبد ربه جل وعلا تضرعا وخفية، وخوفا وطمعا ، يرجو رحمة ربه ،ويخشى عقابه، وذلك لأن في الدعاء اعترافا من العبد بأن الله سبحانه وتعالى سميع قريب ، مجيب للدعاء، فهو سبحانه وتعالى غني كريم ،يحب أن يُدعى ،ويحب أن يُسأل ،ويحب أن يجود على عباده ، ولهذا كان الدعاء له شأن عظيم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب جوامع الدعاء ، ومن ذلك ما جاء في هذا الحديث : :« اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ». فمن رزق الهدى والتقى، والعفاف والغنى، نال السعادتين، وحصل له كل مطلوب، ونجا من كل مرهوب، وهذا الحديث من جوامع الدعاء ، وهذا الدعاء العظيم، شامل لأربعة مطالب عظيمة، وجليلة، لا غنى عنها لأي عبد سائر إلى اللَّه عز وجل ، لما فيها من أهم مطالب الدنيا والآخرة. فبدأ صلى الله عليه وسلم بسؤال الله تعالى : (الْهُدَى ) وهو أعظم مطلوب للعباد، ولا غنى للعبد عنه في هذه الدار؛ لأن معنى الهدى: هو طلب الهداية، وهي كلمة شاملة ،تتناول كل ما ينبغي أن يُهتدى إليه ،من أمر الدنيا والآخرة ، من حسن الاعتقاد، وصلاح الأعمال، والأقوال، والأخلاق ، والهدى نوعان :هدى علم ، وهدى عمل ، وبعض العلماء يقول : هدى دلالة ، وهدى توفيق ، فإذا سأل الإنسان ربه الهدى ،فهو يسأل الأمرين ، يسأل الله أن يعلمه ،وأن يوفقه للعمل ، وهذا داخل في قوله تعالى في سورة الفاتحة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) الفاتحة (6) ، يعني دلنا على الخير، ووفقنا إلى القيام به ، لأن الناس ينقسمون إلى أربعة أقسام في هذا الباب : قسم علمه الله ووفقه للعمل ، وهذا أكمل الأقسام ، وقسم حرم العلم والعمل ، وقسم أوتي العلم وحرم العمل ، وقسم أوتي العمل لكن بدون علم فضل كثيرا ، فخير الأقسام الذي أوتي العلم والعمل ،وهذا داخل في دعاء الإنسان : (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى)، فالهدى إذا ذُكر وحده يشمل العلم والتوفيق للحق، أما إذا قُرن معه ما يدل على التوفيق للحق ،فإنه يُفَسَّر بمعنى العلم، لأن الأصل في اللغة العربية أن العطف يقتضي المغايرة، فيكون الهدى له معنى، وما بعده مما يدل على التوفيق له معنى آخر. وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَالتُّقَى): أي التقوى: وهو اسم جامع لفعل ما أمر اللَّه به، وترك ما نهى عنه، ،قال الطيبي: (أطلق الهدى والتقى؛ ليتناول كل ما ينبغي أن يهتدي إليه من أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق، وكل ما يجب أن يتقي منه من الشرك، والمعاصي، ورذائل الأخلاق، وطلب العفاف) فالتقي من التوقي : وهو أن تجعل بينك وبين عقوبة اللَّه تعالى وقاية, ويكون ذلك بفعل الطاعات، واجتناب المحرمات ، فلا يقيك من عذاب الله إلا فعل أوامره ، واجتناب نواهيه، فسأل النبي ﷺ ربه التقى أي: أن يُوَفِّقَه إلى تقوى الله، لأن الله-عز وجل -هو الذي بيده مقاليد كل شيء، فإذا وُكل العبد إلى نفسه ضاع ،ولم يحصل على شيء، فإذا وفَّقَه الله عز وجل، ورزقه التُّقى، صار مستقيما على تقوى الله عز وجل. ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم : (وَالْعَفَافَ ) ، وهو التنزُّه عما لا يُباح, والصيانة عن مطامع الدنيا، فيشمل العفاف بكل أنواعه : (العفاف عن الزنا كله بأنواعه: زنى النظر، وزنى اللمس، وزنى الاستماع، وزنى الفرج) ، لأن الزنا من الفواحش ، قال الله تعالى : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} الاسراء (32) ، والزنا مفسد للأخلاق، ومفسد للأنساب ،ومفسد للقلوب ،ومفسد للأديان ، والعفاف يشمل أيضا : التعفف عن الكسب الحرام ، والرزق الحرام، فالعفاف: أن يعف عن كل ما حرَّم الله عليه ، فيما يتعلق بجميع المحارم التي حرمها الله عز وجل، فالمراد بالدعاء : أن يَمُنَّ الله عليه بالعفاف والعفة عن كل ما حرم الله عليه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَالْغِنَى ) فالمقصود به غنى النفس ، بأن يستغني العبد عن الناس، وعمّا في أيديهم، فيستغني العبد بما أعطاه اللَّه، سواء أُعطي قليلاً أو كثيراً، وهذه الصفة يحبها اللَّه عز وجل ،وذلك لعظم شأنها، وشدة احتياج الخلائق لها، والقناعة كنز لا ينفد ،وكثير من الناس يعطيه الله تعالى ما يكفيه ، ومع هذا يكون في قلبه الشح ، فتجده دائما في فقر ، فإذا سألت الله الغنى ، فهو سؤال أن يغنيك الله تعالى عما في أيدي الناس بالقناعة ،والمال الذي تستغني به عن غيره جل وعلا ،والإنسان إذا وفّقه الله ،ومنَّ عليه بالاستغناء عن الخَلْقِ، صار عزيز النفس غير ذليل، لأن الحاجة إلى الخلق ذُلٌ ومَهَانة، والحاجة إلى الله تعالى عِزٌّ وعبادة، فهو عليه الصلاة والسلام يسأل الله عز وجل الغنى عن الخلق، فينبغي لنا أن نقتدي بالرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الدعاء
أيها المسلمون
قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه اللَّه – عن هذا الحديث: (هذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها، وهو يتضمن سؤال خير الدين وخير الدنيا، فإن الهدى هو: العلم النافع، والتقى: العمل الصالح، وترك ما نهى عنه اللَّه ورسوله، وبذلك يصلح الدين، فإن الدين علوم نافعة ومعارف صادقة فهو (الهُدَى)، وقيام بطاعة اللَّه ورسوله، فهو (التقى), والعفاف، والغنى يتضمّن العفاف عن الخلق، وعدم تعليق القلب بهم، والغنى باللَّه وبرزقه، والقناعة بما فيه، وحصول ما يطمئن به القلب من الكفاية، وبذلك تتم سعادة الحياة الدنيا، والراحة القلبية، وهي الحياة الطيبة، فمن رُزِقَ الهُدى، والتقى، والعفاف، والغنى نال السعادتين، وحصل على كل مطلوب، ونجا من كل مرهوب . وهذا الدعاء المبارك هو من جوامع الكلم التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم ، والتي تجمع فيها قلة الألفاظ والمباني، وكثرة المعاني، وسعة مدلولاتها، ومقاصدها في الدارين ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : :« اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى » ، ففي هذا الدعاء دليل أيضا على إبطال من تعلَّقوا بغير الله في جلب المنافع ، أو دفع المضار، كما يفعل بعض الجهال ، قال الله تعالى لنبيه ﷺ : ﴿ قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ﴾ الأنعام: 50 ، وقال الله تعالى: ﴿ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ الأعراف: 188، وقال تعالى : ﴿ قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ الجـن: 21، 22 ، فالإنسان يجب أن يعلم أن البشر مهما أوتوا من الوجاهة عند الله عز وجل، ومن المنزلة والمرتبة عند الله، فإنهم ليسوا بمستحقين أن يُدْعَوا من دون الله، بل إنهم – أعني من لهم جاهٌ عند الله من الأنبياء والصالحين – يتبرَّؤون تبرَّؤًا تاما ممن يدعونهم من دون الله عز وجل. قال عيسى عليه الصلاة والسلام لما قال له الله: ﴿ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ﴾ المائدة: 116، فليس من حق عيسى ولا غيره أن يقول للناس اتخذوني إلهًا من دون الله: ﴿ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ(116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ﴾ المائدة: 116، 117 ،فمن يسأل غير الله تعالى ، فإن هذا العمل سَفَهٌ في العقل، وضلالٌ في الدِّين ، وقد روى الترمذي في سننه بسند صحيح : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ « يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ».
الدعاء