خطبة حول قوله تعالى ( وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ )
نوفمبر 19, 2022خطبة حول قوله تعالى (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ)
نوفمبر 19, 2022الخطبة الأولى ( تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : (أَنَّ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً » قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ . فَقَالَ « الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ » ، وفي رواية للترمذي : (فَقَالَتِ امْرَأَةٌ أَيُبْصِرُ أَوْ يَرَى بَعْضُنَا عَوْرَةَ بَعْضٍ قَالَ « يَا فُلاَنَةُ (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) ».
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث النبوي الكريم ، والذي يقول فيه رسول الله ﷺ : « تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً »، فمعنى حفاة : أي: غير منتعلين، وعراة: ليس عليهم ما يسترهم من الثياب، وغُرْلاً: يعني غير مختونين، والنبي ﷺ في رواية أخرى لما ذكر هذا ، قرأ الآية : (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ) [الأنبياء:104]، أي: أن الإنسان يرجع مرة ثانية كما خلقه الله تعالى من غير تبديل ولا تغيير، فما ذهب من أجزائه وأبعاضه يرجع إليه ثانية، فلو أن أحداً من الناس قطع منه عضو من الأعضاء ،فإنه يرجع يوم القيامة وهو مكتمل الأعضاء ، وبعض أهل العلم يقول: إن الحكمة من خلقه بهذه الصفة -يعني الغُرْلة- ثم بعد ذلك يكون من الفطرة إزالة ذلك: أن يستشعر الإنسان أنه في هذه الدنيا ليس في دار البقاء، إنما هو شيء مؤقت ، ثم بعد ذلك سيرجع كما كان بهذه الخلقة في يوم القيامة، فيكون قد خرج إلى الدنيا ووُجد فيها كما يكون حاله حينما يرجع بعد ذلك بعد موته -والله تعالى أعلم، فيرجع الناس يوم القيامة هكذا من غير ثياب، ولا أثاث، ولا رياش، ولا أموال، إنما يأتون كما خرجوا من بطون أمهاتهم تماماً ، وعائشة – رضي الله تعالى عنها – وهي العفيفة الشريفة الحيية ، فالذي ذهب إلى نفسها أولاً هو ما يتعلق بالحياء والستر والحشمة، فقالت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ) ؟، فالمرأة المسلمة يُهمها الحجاب والستر، وهي مفطورة ومجبولة على الحياء، فالذي أشغلها حينما ذكر النبي ﷺ ذلك هو ما يتعلق بالستر، كيف يكون الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟، فأين هذا الحياء وهذا السؤال المباشر من أولئك النساء العاريات مع الرجال على شواطئ البحار؟، وفي المسابح في الفنادق وفي غيرها ؟، وليس على الواحدة إلا ما يستر السوءتين فقط؟، فهؤلاء قد رحل منهم الحياء تماماً وتلاشى، فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر الذي أهمها فقال: يا عائشة :« الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ » بمعنى أن الإنسان يكون في غاية الخوف والاشتغال بنفسه، والبحث عما يخلص رقبته عند الله – تبارك وتعالى- ولا يفكر في شيء آخر، قال الله تعالى: ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ) [عبس:34-35]، وقال الله تعالى : (كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) [المعارج:43]، وقال الله تعالى : (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) [المعارج:44] ، فهذا حال أعداء الله تعالى عند القيام من القبور، وهذا الموقف الرهيب ،وهذا الموقف العظيم يشغل قلوبهم عن النظر إلى أي شيء آخر، فلا يشعر الإنسان بهؤلاء الذين بجواره من الرجال أو النساء، هل هم عراة، أو هم غير عراة؟ فهو لا ينظر إلى هذا، فالذي أهمه هو كيف يتخلص من هذا الموقف المفزع، ولا شك أن الناس في هذه الدنيا في أوقات الفزع الهائل أنهم يذهلون عن كل شيء، فالناس في يوم القيامة في ذهول، وخوف، وهلع، الكل منشغل بنفسه ، بل من شدَّته تذهل المرضع عن رضيعها، والحامل عن جنينها فيما لو قُدِّر أن هناك حمل وإرضاع، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ الحج 1،2، فإذا كان الولدان الصغار تشيب عوارضهم من الخوف، والهلع، وهم لم يرتكبوا جرمًا، فما بالك بغيرهم من الناس؟ قال الله تعالى: ﴿ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ﴾ [المزمل:17]، فإذا حُشر الناس ، وكانوا في ذلك الجمع والحشر، أصبحوا في هَمٌّ، وغَمٌّ، وكرب، وتدنو الشمس من الناس مقدار ميل، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث سليم بن عامر عن المقداد رضي الله عنهم مرفوعًا: ” تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ” قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَ اللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؛ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ؟ أَمْ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ؟” ، نعم ، سيحشر الله الخلق جميعاً فلا يتخلف منهم مَلِك، ولا متكبر، ولا حاكم، ولا زعيم، ولا طاغية، وكلهم موقوف بين يدي الله عز وجل في ذلك اليوم العصيب ، وفي ذلك اليوم الرهيب ، قال الله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا ءَاتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا *لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا *وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ) مريم 95:93،
أيها المسلمون
وفي ذلك اليوم الرهيب يقوم الخلق في هذا الموقف قياماً طويلاً طويلاً، ويشتد الكرب عليهم حتى يتمنى بعضهم أن يحشر إلى النار ولا يقف في مثل هذا الموقف المهيب الرهيب ، ظاناً منهم أن النار لن تكون أشد عذاباً مما هو فيه من هم وكرب، والزحام حينذاك يخنق الأنفاس، والشمس فوق الرؤوس بمقدار ميل، والناس غرقى في عرقهم كل بحسب عمله ، ويزيد الموقف الرهيب غماً فوق الغم وكرباً فوق الكرب بإتيان جهنم والعياذ بالله ، قال الله تعالى: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى *يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي *فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ *وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ) الفجر 23: 26، وفي صحيح مسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا » ، فإذا ما رأت جهنم الخلائق زفرت وزمجرت غضباً منها لغضب الله، فحينئذ تجثوا جميع الأمم على الركب، قال الله تعالى: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الجاثية 28، وفى هذه اللحظة تطير قلوب المؤمنين شوقاً إلى الجنة، وتطير قلوب المجرمين فزعاً، وهلعاً، وهرباً من النار، ويعض صنف كثير من الناس في أرض المحشر على أنامله تحسراً على ما قدم في هذه الحياة الدنيا قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا *يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ للإِنْسَانِ خَذُولا ) الفرقان 27: 29،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفى هذا الموقف المهيب العصيب يوم القيامة ،ينادى الله عز وجل على أناس ليظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله من هم هؤلاء السعداء؟ ،فقد روى البخـاري ومسـلم: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ »
أيها المسلمون
ومما يرشد إليه هذا الحديث : أن فيه بيان لشأنَ الموقفِ والحَشرِ بعدَ البَعثِ من الموتِ وما فيه منَ الأهوالِ وما يَأخذُ اهتِمامَ النَّاسِ وأبصارَهُم عن النَّظرِ إلى العَوراتِ، كما قال اللهُ تَعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2]. وفي الحديثِ: إثباتُ البَعثِ بعدَ الموتِ والحَشرِ للخَلْقِ يومَ القِيامةِ. وفيه: حَثُّ الإنسانِ على العَملِ بما يُنجِّيه يومَ القِيامةِ. وفيه: بيانُ شدَّةِ هولِ يَومِ القيامةِ بما يُذهِلُ النَّاسَ.
الدعاء