خطبة عن : هل لك في بيت في الجنة ( رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ )
مايو 15, 2021خطبة حول (قصة قَارُونَ) مختصرة
مايو 17, 2021الخطبة الأولى ( تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : « تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ ». وروى الامام أَبُو عِيسَى الترمذي في سننه بسند حسنه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ فَيُسِرُّهُ فَإِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ أَعْجَبَهُ ذَلِكَ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لَهُ أَجْرَانِ أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ الْعَلاَنِيَةِ ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الأدب النبوي الكريم ، والذي يحثنا فيه على عمل الصالحات في السر والعلن ، ففي هذا الحديثِ قيلَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أَخبِرْنا بحالِ الرَّجلِ يَعمَلُ العَمَلَ مِنَ الخيرِ ويَحمَدُه أو يُحِبُّه النَّاسُ عليه، أي: يُثنونَ عَلى ذلكَ العَملِ، أو عَلى ذلكَ الخيرِ؛ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: تلكَ، أيِ: المَحمَدةُ، أو المَحبَّةُ، أو الخَصلَةُ، أو المَثوبَةُ؛ عاجلُ بُشرى المُؤمنِ، أي: مُعجَّلُ بِشارتِه، وأمَّا مُؤجَّلُها فباقٍ إلى يومِ آخرَتِه، يَعني: هوَ في عَملِه ذلكَ ليس مُرائيًا فيُعطيَه اللهُ تعالى ثَوابينِ في الدُّنيا، وهوَ حَمدُ النَّاسِ لَه، وفي الآخرَةِ ما أَعدَّ لَه. ففي الحديثِ دليل وشاهد على أنَّ مَن أَخلصَ العَملَ للهِ تَعالى أَطلَقَ اللهُ الأَلسنَةَ بالثَّناءِ عليهِ، وأنَّه مِن جُملةِ أَولياءِ اللهِ عزَّ وجلَّ. وقال العلماء : معناه : هذه البشرى المعجلة له بالخير ، وهي دليل على رضاء الله تعالى عنه ، ومحبته له ، فيحببه إلى الخلق ، ثم يوضع له القبول في الأرض ، قال ابن الجوزي : ( إن الله تعالى إذا تقبل العمل ، أوقع في القلوب قبول العامل ومدحه ، فيكون ما أوقع في القلوب مبشرا بالقبول ، كما أنه –سبحانه- إذا أحب عبدا حببه إلى خلقه ،وقال السيوطي : ( هذه البشرى المعجلة هي دليل البشرى المؤخرة إلى الآخرة )، وقال ابن عثيمين : ( المؤمن يبشر بعمله في الحياة الدنيا بعدة وجوه : أولا : إذا شرح الله صدره للعمل الصالح ، وصار يطمئن إليه ، ويفرح به ، كان هذا دليلا على أن الله تعالى كتبه من السعداء ، لقوله تعالى : ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ [الليل: 5 – 7]، فمن بشرى المؤمن أن يجد راحة في الأعمال الصالحة ، ورضا بها ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ » رواه النسائي وغيره . ثانيا : ومن بشرى المؤمن : أن يثني الناس عليه خيرا ، فإن ثناء الناس عليه بالخير هي شهادة منهم له على أنه من أهل الخير وقال السعدي : ( أما البشارة في الدنيا ، فهي الثناء الحسن ، والمودة في قلوب المؤمنين ، وما يراه العبد من لطف الله به ، وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق ، وصرفه عن مساوئ الأخلاق )
أيها المسلمون
فقوله صلى الله عليه وسلم : « تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ ».فهي عاجل بشرى المؤمن لأنه لم يعمل العمل ابتداء ولا انتهاء من أجل أن يراه الناس ، لكنه لما عمل العمل أطلع الله عليه الناس فحمدوه عليه ، بخلاف من يعمل العمل ليُحمد عليه ، أو من يُحب أن يُحمد بما لم يعمل ، قال الله تعالى : (لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) آل عمران 188، وروى الامام أحمد في مسنده : (عَنْ أَبِى أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ : « إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : فَمَا الإِثْمُ ؟ قَالَ : « إِذَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ ». فالمؤمن تسرّه الحسنة التي عملها ، وإن كان يهمه أن تُقبل منه ، وتُحزنه سيئته ويتمنى أنه لم يُقارفها . وفي سنن ابن ماجه وصححه الألباني : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْ مَلأَ اللَّهُ أُذُنَيْهِ مِنْ ثَنَاءِ النَّاسِ خَيْرًا وَهُوَ يَسْمَعُ وَأَهْلُ النَّارِ مَنْ مَلأَ أُذُنَيْهِ مِنْ ثَنَاءِ النَّاسِ شَرًّا وَهُوَ يَسْمَعُ ».
أيها المسلمون
فالإنسان بطبيعته يحب أن يحمد على خير يفعله ، ويسعد كثيرا بشكر من يشكره على جميله ، وليس في ذلك إحباط لأجر المعروف ، إذا لم يطلب هو ذلك، والمسألة لها طرفان : الطرف الأول : هو الطرف المستفيد ، وهو الآخذ للمعروف ، وواجبه أن يكافئ من قدم إليه معروفا بقدر ما يستطيع ، وفي الحديث ، يقول صلى الله عليه وسلم : (مَنْ أَتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ » فالاعتراف بالمعروف إحسان إلى صاحبه ، وقد أمر الله تعالى رسوله أن يدعو لصاحب الزكاة والصدقة حين قال الله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم } [التوبة 103] ، ووعد الله تعالى بزيادة الخير في مقابلة الشكر إذ قال الله تعالى : { لئن شكرتم لأزيدنكم } [إبراهيم 7] ، وفي الحديث كما في سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ ». أما الطرف الثاني : فهو الطرف المعطى للجميل ، وواجبه أن لا ينبغي بجميله مقابلا ، فإنه إن بغي مقابلا كان تاجرا وبائعا ، ولم يكن صانعا لمعروف ، والأرقى من هذا ، أن لا ينتظر جزاء ولا شكرا لجميلة إلا من الله ، وهكذا كان السلف الصالح حتى نزل فيهم قوله تعالى : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا } (8) ،(9) الإنسان
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وكما قد يبالغ الطرف الأول (المستفيد) في الجحود ، وعدم الشكر ، فقد يبالغ الطرف الثاني( المعطي) في الفرح والإعجاب بقليل ما أعطى ، ويحب أن يحمد بما لم يفعل ، ولكن : إذا أدى كل من الطرفين واجبه ، فهل على أي منهما جناح؟ إن الطرف الثاني (المعطى) يخشى من شكر الآخذ على ما أخذ أن ينقص ذلك من أجر عطائه ، فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أخبرنا عن حكم الرجل الذي يعمل العمل الخير في الغير فيحمده ذلك الغير ويحمده الناس ويحبونه هل ينقص ذلك من أجره؟ فيبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بألا ينقص ذلك من أجره ،وإنما هذا بشرى عاجلة بجزاء محفوظ عند الله ، والبشرى كما هو معلوم غير المبشر به ، فمن بشرك بالنجاح لم ينتقص النجاح
أيها المسلمون
ومما يؤخذ من هذا الحديث النبوي الكريم : أولا : حرص الصحابة على الإخلاص في العمل وصفاء الأجر من الشوائب ، ثانيا : أن شكر الجميل لا يضر المنعم المعطي ولا ينقصه أجره عند الله بل يزيده ، ثالثا : الترغيب في صنع المعروف لينال صاحبه الجزاء من الله والحب من الناس ، رابعا : أن الله تعالى يحب صانع المعروف ويحب الشاكر عليه فحب الناس للمرء هو بوضع الله قبوله في الأرض
الدعاء