خطبة عن قوله تعالى ( أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ)
يناير 29, 2022خطبة حول قوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ)
فبراير 5, 2022الخطبة الأولى ( جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ .. وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما : (عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ » ،وفي رواية الترمذي :« إِنَّ فِي الْجَنَّةِ جَنَّتَيْنِ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ فِضَّةٍ وَجَنَّتَيْنِ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ ذَهَبٍ وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث النبوي الكريم ، والذي يمكن لنا أن نستنبط منه ثلاث فوائد وهي : أن لأهل الجنة جنان من ذهب وفضة ، وأنهم ينظرون إلى ربهم ، وإثبات صفة الكبرياء لله تعالى .ففي قوله صلى الله عليه وسلم : (جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا) ، فيه بيان أن من نعيم المؤمنين في الآخرة جنتين مصنوعتين من الذهب ، بكل ما فيهما، وهما خاصتان بالمقربين ، الذين فعلوا الفرائض والسنن ، وتركوا المحرمات والمكروهات، وجنتان مصنوعتان من الفضة ، بكل ما فيهما ، وهما خاصتان بأهل اليمين ، الذين فعلوا الفرائض ، وتركوا المحرمات ، ولم يحرصوا على أداء السنن ، واجتناب المكروهات ، وقد فضل الله الجنتين الأوليين على الأخريين في كل شيء ، فلكل طائفة منزلة ودرجة في النعيم بحسب أعمالهم في الدنيا ، وفضل الله واسع ، ومع هذا النعيم العظيم ، إلا أن اللذة الكاملة، والأنس التام ، وسعادة الروح ، والفرح والسرور ، في النظر إلى الرحمن ، ولن يعط المؤمن شيئا أحب إليه من النظر لوجهه الكريم ،كما أن أهل الطاعات درجات ، فإن الجنة أيضاً درجات , وفيها من النعيم المقيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، قال الله تعالى: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُدْهَامَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [ الرحمن 62-65]،وعن ابن عباس ( رضي الله عنهما )، في قوله تعالى : (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) هود7، قال : كان عرش الله على الماء، ثم اتخذ لنفسه جنة، ثم اتخذ دونها جنة أخرى، ثم أطبقهما بلؤلؤة واحدة. قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } وهي التي لا تعلم، أو قال: وهما التي لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون . قال: وهى التي لا تعلم الخلائق ما فيهما، أو ما فيها، يأتيهم كلّ يوم منها أو منهما تحفة.
أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم : (وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ ) ، ففي هذا بيان لمسألة عظيمة ، هي من أشرف المسائل في باب الصفات ، وهي رؤية المؤمنين لله تبارك وتعالى في الآخرة ، فقد ثبت ذلك في القرآن ، والسنة الصحيحة، والإجماع ، قال الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (22) ،(23) القيامة ،وقال تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) يونس 26،. وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة هنا بالنظر إلى وجه الله الكريم ،وقوله تعالى: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ) (15) ،(16) المطففين ،وعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا. وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا. وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ. فِي جَنَّةِ عَدْنٍ” متفق عليه .وعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ يَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئاً أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبِيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ. فَمَا أُعْطُوا شَيْئاً أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ”. وفي رواية: ثُمَّ تَلاَ هذِهِ الآيَةَ: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ﴾ رواه مسلم. فرؤية الله تعالى في الجنة ثابتة باتفاق أهل السنة والجماعة ، وأن المؤمنين يرون ربهم في الجنة، والجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة ، ورؤية الله في الجنة أعظم نعيم. قال الإمام أحمد:” ومن لم يقل بالرؤية فهو جهمي، وقال مرة: هو زنديق، وقال أيضاً: وقد بلغه عن رجل قال: إن الله لا يُرى في الآخرة؟ فغضب غضباً شديداً وقال: من قال إن الله لا يُرى في الآخرة فهو كافر، أو فقد كفر عليه لعنة الله وغضبه كائناً من كان من الناس، أليس يقول الله عز وجل: ﴿ وُجُوْهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾، وقال: ﴿ كّلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوْبُونَ ﴾
أيها المسلمون
ومن أسباب رؤية الله تعالى في الجنة : 1- أن يسأل العبدُ ربَّه النظرَ إلى وجهه الكريم ، فكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في سنن النسائي وغيره : (وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ». 2- المحافظة على صلاة الفجر والعصر ، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم : (أن جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ « أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لاَ تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ». يَعْنِى الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ .. وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم : (وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ ) ففي الحديث إثبات رداء الكبرياء لله عز وجل لعظمته وجلاله وجماله وكمال قدرته على ما يليق به سبحانه ، ولا نكيفه ولا نؤوله كعادة أهل البدع ، أما المخلوق الفقير العاجز ، فلا يصلح له الكبر ولا يليق به ، ولذلك ورد الزجر والوعيد لمن نازع الله في هذه الصفة. لأن الكبرياء من صفات الله تعالى، ولا يجوز للعباد أن يتصفوا بها؛ فقد توعد الله المتكبر بجهنم؛ كما قال تعالى: (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الـمُتَكَبِّرِينَ) ، وفي سنن أبي داود وغيره : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ». هكذا وصف الله تعالى بأن العَظَمَة إزاره ،والكبرياء رداؤه؛ كسائر صفاته؛ تثبت على ما يليق به، ويجب أن يؤمن بها على ما أفاده النص؛ دون تحريف ولا تعطيل). قال الخطابي – رحمه الله تعالى- في شرحه لـ (سنن أبي داود) : معنى الحديث: أن الكبرياء والعظمة صفتان لله سبحانه، اختص بهما لا يشركه أحد فيهما، ولا ينبغي لمخلوق أن يتعاطاهما؛ لأن صفة المخلوق التواضع والتذلل، وضرب الرداء والإزار مثلا في ذلك. يقول- والله أعلم- كما لا يشرك الإنسان في ردائه وإزاره أحد، فكذلك لا يشركني في الكبرياء والعظمة مخلوق.
الدعاء