خطبة عن ( الحِكْمَةُ ضالَّةُ المؤمنِ )
فبراير 21, 2023خطبة حول حديث (بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مَسْخٌ وَخَسْفٌ وَقَذْفٌ)
فبراير 23, 2023الخطبة الأولى ( سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه: (عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ «سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ». فَمَكَثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ. فَقَالَ لِي «يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ».
إخوة الإسلام
إن من أعظم نعم الله تعالى على عباده نعمة العافية، فكل متاع لا عافية فيه فهو بلاء، وكل حرمان مع العافية فهو نعيم، فالعافية أطيب ما في الدنيا، ومعنى العافية: رفع البلاء، ورفع الأذى، والوقاية مما لا تحمد عواقبه، والشفاء من كل داءٍ، ويقال للصحة: عافية.
والعافية ما كانت في شيء إلا زانته، وما نزعت من شيء إلا شانته؛ فهي جماع الخير كله، فإذا سأل العبد ربه العافية، فقد سأله العفو والمغفرة، والجنة، وينبغي سؤال الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة، فقد روى أَنَس بن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ قَالَ: (سَلْ رَبَّكَ الْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) ثُمَّ أَتَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَتَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ: (فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَأُعْطِيتَهَا فِي الآخِرَةِ فَقَدْ أَفْلَحْتَ) رواه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد. فمَنْ أُعطِيَ العافيةَ في الدنيا والآخرة؛ فقد كَمُلَ نصيبُه من الخير؛ فعن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيق – رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ؛ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ» رواه أحمد والترمذي.
وفي العافية: السلامةُ من العُيوبِ والآفات، وتأمينُ اللهِ لعبده من كلِّ نِقمةٍ ومِحنة، بصرف السُّوء عنه، ووقايتِه من البلايا والأسقام، وحِفْظِه من الشرور والآثام. وأنْ يرزقه الصبرَ، والرِّضا، والاحتساب عند نزول الآفات. والعافية في الدِّين: طلب الوقاية من كلِّ أمرٍ يشين الدِّين، أو يُخِلُّ به؛ كالشرك، والمعاصي، والابتداع، وتركِ ما يجب، والتَّساهلِ في الطاعات. والعافية في الدُّنيا: طلب الوقايةِ من شرورها، ومصائبِها، وكلِّ ما يضر العبدَ من مصيبةٍ، أو بلاءٍ، أو ضَرَّاء. والعافية في الآخرة: طلب الوقايةِ من أهوال الآخرة، وشدائدها، وما فيها من أنواع العقوبات. والعافية في الأهل: وِقايتُهم من الفِتن، وحمايتُهم من البلايا والمِحن، والأمراضِ والأسقام. والعافية في المال: السَّلامة من الآفات التي تَحْدُثُ فيه، وحِفْظُه مِمَّا يُتلِفه؛ من غرقٍ، أو حريقٍ، أو سرقةٍ، ونحو ذلك. وكان أبو بكر الصديق يقول: “لأن أعافى فأشكر، أحب إلي من أن أبتلى فأصبر” فيبين الصديق (رضي الله عنه) رؤية الإسلام الواضحة تجاه قضية السراء والضراء، والبلاء والابتلاء، ليكشف للدنيا كلها وسطية الاسلام، ومنهجه المتوازن، فهذا الإنسان الضعيف الذي قد تخدعه بعض لحظات الصفاء، فيتمنى لو طهره الله من الذنوب في الدنيا، فيعجل له البلاء والعقوبة، وهيهات أن يكون تمني البلاء مما يرضاه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، بل باب التوبة والعافية خير وأبقى، هذا فضلاً على أن المرء لا يعلم مآل أمره إذا تمنى البلاء هل يصبر أو يضعف، بل إن تمنى البلاء فيه من صورة الإعجاب بالنفس، والاتكال على القوة، والوثوق بها، وترك الاستعانة بالله تعالى، يقول ابن الجوزي: “السعيد من ذل لله وسأل العافية، فإنه لا يوهب العافية على الإطلاق، إذ لابد من بلاء، ولا يزال العاقل يسأل العافية ليتغلب على جمهور أحواله، فيقرب الصبر على يسير البلاء، وفي الجملة ينبغي للإنسان أن يعلم أنه لا سبيل لمحبوباته خالصة، ففي كل جرعة غصص، وفي كل لقمة شجأ، وعلى الحقيقة ما الصبر إلا على الأقدار، وقل أن تجري الأقدار إلا على خلاف مراد النفس، فالعاقل من دارى نفسه في الصبر بوعد الأجر، وتسهيل الأمر، ليذهب زمان البلاء سالما من شكوى، ثم يستغيث بالله تعالى سائلا العافية، فأما المتجلد فما عرف الله قط” ، وقال الشوكاني – رحمه الله -: (فَلْينْظِر الْعَاقِلُ مِقْدَارَ هَذِه الْكَلِمَة الَّتِي اختارَها رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمِّهِ من دون الْكَلِم، ولْيُؤمِنْ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلم، واخْتُصِرَتْ لَهُ الحِكَمُ. فَإِنَّ مَنْ أُعْطِيَ الْعَافِيَةَ؛ فَازَ بِمَا يرجوه وَيُحِبُّهُ قَلْباً وقالباً، ودِيناً وَدُنْيا، وَوُقِيَ مَا يَخافُه فِي الدَّارَيْنِ عِلْماً يَقِيناً). وكان عبد الأعلى التيمى يقول: “أكثروا من سؤال الله العافية، فإن المبتلى وإن اشتد بلاؤه، ليس بأحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء، وما المبتلون اليوم إلا من أهل العافية بالأمس، وما المبتلون بعد اليوم إلا من أهل العافية اليوم، ولو كان البلاء يجر إلى خير ما كنا من رجال البلاء، إنه رُب بلاء قد أجهد في الدنيا وأخزى في الآخرة، فما يؤمن من أطال المقام على معصية الله أن يكون قد بقى له في بقية عمره من البلاء ما يجهده في الدنيا ويفضحه في الآخرة”.
أيها المسلمون
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله العافية في أمره كله، في دنياه وآخرته، فقد روى مسلم في صحيحه: (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما – قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ، فَالْتَمَسْتُهُ، فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: “اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ”. وفي سنن أبي داود وغيره: (أن ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِى وَحِينَ يُصْبِحُ « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي »، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَادَ رَجُلاً قَدْ جُهِدَ حَتَّى صَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ فَقَالَ لَهُ «أَمَا كُنْتَ تَدْعُو أَمَا كُنْتَ تَسْأَلُ رَبَّكَ الْعَافِيَةَ». قَالَ كُنْتُ أَقُولُ اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّكَ لاَ تُطِيقُهُ – أَوْ لاَ تَسْتَطِيعُهُ أَفَلاَ كُنْتَ تَقُولُ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بسؤال الله العافية منذ أول يوم في إسلامهم، فعن أبي مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلاةَ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي) رواه مسلم. وأتاه رجل يريد أن يتعلم كيف يدعو ربه، فأمره بسؤال العافية حيث روى طارق بن أشيم صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّي؟ قَالَ: (قُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي) وَيَجْمَعُ أَصَابِعَهُ إِلاَّ الإِبْهَامَ (فَإِنَّ هَؤُلاءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ) رواه مسلم. وفي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ بَابُ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ وَمَا سُئِلَ اللَّهُ شَيْئًا يَعْنِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ الْعَافِيَةَ». وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ ». وروى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْمُعَافَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) رواه ابن ماجه. ولما علمت عائشة رضي الله عنها أفضلية سؤال الله العافية قالت: لو علمت أي ليلة ليلة القدر لكان أكثر دعائي فيها أن أسأل الله العفو والعافية) (السلسلة الصحيحة).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي هذا الحديثِ النبوي الذي بين أيدينا اليوم، وتصدرت به هذه الخطبة: يقولُ العبَّاسُ بنُ عبدِ المطَّلِبِ رضِيَ اللهُ عَنه: قلتُ: “يا رسولَ اللهِ، علِّمني شيئًا أسأَلُه اللهَ”، أي: علِّمني كيف أسأَلُ اللهَ، وماذا أطلُبُ منه، وماذا أدعو به، “قال”، أي: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للعبَّاسِ: “سَلِ اللهَ العافيةَ”، أي: اطلُبْ مِن اللهِ العافيةَ، والعافيةُ هي السَّلامةُ والمعافاةُ مِن كلِّ شرٍّ ومرضٍ وبلاءٍ، والمعنى المصاحِبُ لذلك: واحْذَروا سُؤالَ البلاءِ؛ “فإنَّ أحَدًا لم يُعطَ بعدَ اليقينِ خيرًا مِن العافيةِ، فمكَثتُ أيَّامًا ثمَّ جئتُ”، أي: فظَلِلتُ أيَّامًا بعدَ طلَبي هذا ثمَّ جئتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّةً أخرى، “فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، علِّمني شيئًا أسأَلُه اللهَ”، أي: علِّمْني كيف أسألُ اللهَ، وماذا أطلُبُ منه، وماذا أدعو به، “فقال لي”، أي: فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للعبَّاسِ: “يا عبَّاسُ، يا عمَّ رسولِ اللهِ”، وهذا مِن بابِ تَودُّدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لعَمِّه العبَّاسِ رضِيَ اللهُ عَنه، “سَلِ اللهَ العافيَةَ في الدُّنيا والآخِرَةِ”، أي: اطلُبْ مِن اللهِ العافيةَ في الدُّنيا والعافيةَ في الآخرةِ؛ فإنَّ العافيةَ هي النَّجاةُ والفلاحُ في الدُّنيا والآخرةِ، وتَكْرارُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نفْسَ الإجابةِ للعبَّاسِ حين سأَله للمرَّةِ الثَّانيةِ يدُلُّ على أنَّ العافيةَ هي خيرُ ما يَسأَلُ العبدُ ربَّه، وأنَّ الدُّعاءَ بالعافيةِ لا يُساويه شيءٌ مِن الأدعيَةِ ولا يَقومُ مَقامَه شيءٌ مِن الكلامِ الَّذي يُدْعى به ذو الجلالِ والإكرامِ،
أيها المسلمون
في سنن أبي داود وغيره: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ » وفي رواية: (قَالُوا: فَمَا نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ). ومن الملاحظ أنه رغم علو مكانة الجهاد في الإسلام وعظم أجرها عند الله عز وجل، إلا أننا أمرنا ألا نتمناه، ولا نتمنى مواجهة الأعداء، لأن العافية والسلامة لا يعدلها شيء؛ فنحن مأمورون أن نسأل الله العافية، فقد روى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ يَنْتَظِرُ حَتَّى إِذَا مَالَتْ الشَّمْسُ قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا) متفق عليه. أما من تمنى الشهادة في سبيل الله فليسألها فقط ولا يتمنى خوض المعارك ولقاء العدو، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) رواه مسلم. ودعا رجل صاحبه على طعام فمدح الضيف الطعام قائلاً: (إنه طعام طيب فرد عليه قالاً: إنك لم تطيبه ولا الخباز ولكن طيبته العافية. وهذا صحيح فلو كان مريضاً لما أحس بلذة ذلك الطعام). وهذا أمر قد يغيب عن كثير من الناس حينما يأكلون ويشربون ولا يحمدون الله على أن أذاقهم لذة الطعام والمنام وحرمها غيرهم. فلا يعرف طعم العافية إلا من حرمها، ولذلك قالوا: (أن العافية تاج على رؤوس الأصحاء). بل قال بعضهم أن العافية هي المُلك الخفي. فالعافية والصحة يغفل عنها كثير من الناس وتراهم لا يشكرونها ولا يستغلونها في طاعة الله وقد قال صلى الله عليه وسلم (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) رواه البخاري. فينبغي أن لا نغفل عن أهمية الإكثار من سؤال الله العافية في الدنيا والآخرة
الدعاء