خطبة عن (وقفات مع الحاج)
يونيو 23, 2023خطبة عن بر الوالدين (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)
يوليو 1, 2023الخطبة الأولى ( كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين ،واللفظ للبخاري : (عَنْ عِمْرَانَ قَالَ :قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فِيمَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ؟ قَالَ :« كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ » ،وفي رواية مسلم : (قِيلَ :يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعُلِمَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ :فَقَالَ « نَعَمْ ». قَالَ : قِيلَ فَفِيمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ؟ قَالَ :« كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ »، وفي رواية لأحمد : أن (أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : يَا رَسُولَ اللَّهِ :أَنَعْمَلُ عَلَى مَا فُرِغَ مِنْهُ؟ أَوْ عَلَى أَمْرٍ مُؤْتَنَفٍ؟، قَالَ :« بَلْ عَلَى أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ ». قَالَ :قُلْتُ فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : « كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ».
إخوة الإسلام
إن الله تبارك وتعالى لم يخلقنا في هذه الدنيا عبثا ،بل جعل من خلقنا هدفا وغاية ،فقال الله تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (56) الذاريات ، وقال الله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) الملك 2، فغاية وجود الانسان هو عبادة الله ، وإحسان العمل ،ومن ثم الجزاء الأوفى يكون يوم القيامة ،فقال الله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) (39): (41) النجم ، وقال الله تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (72) التوبة ،فعمل العامل سبب لنيل رحمة الله – عز وجل – فلا يتكل المرء على القدر وينسى عمله ،ولا يعتمد على عمله وينسى رحمة ربه ،وقد جاء في صحيح البخاري: (عَنْ عَلِىٍّ – رضى الله عنه – قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِي جَنَازَةٍ فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ فَقَالَ :« مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ » . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ قَالَ :« اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ » . ثُمَّ قَرَأَ ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) الآيَةَ ،
فالعمل والسعي مطلوب منا ،فهذه الدنيا هي دار ابتلاء وعمل ،والسعيد من يسره الله للحسنى ،ووفقه الله للعمل الصالح ،فلتعمل الجوارح بالأسباب ، ولتتعلق القلوب برب الأسباب ،واعلموا أن رحمة الله قريب من المحسنين ،ولا تتكلوا على القدر والكتاب، فالكتاب غيب عنا ،ولكن من وفقه الله تعالى لعمل الخير فهذه بشرى له على أنه من أهل الخير، ومن عمل سوى ذلك فهذا إنذار له، «اعملوا فكل ميسر لما خُلق له»، فإذا رأيت نفسك تنقاد للصلاة وللزكاة ولفعل الخيرات ،فاعلم واستبشر أنك من أهل السعادة، لأن الله قال :{فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى*وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:5-7]، وإن رأيت نفسك تنشرح بفعل السيئات والعياذ بالله، وتضيق ذرعا بفعل الطاعات، فأحذر ،وأنقذ نفسك ،وتب إلى الله عز وجل ،حتى ييسر الله لك، فاللهُ تعالى خلَق الخَلْقَ ،وهدَى الناسَ إلى مَعرِفَةِ الخيرِ والشرِّ، وأرسَل الرُّسُلَ مبشِّرين ومُنذِرين، وموضِّحين الحقَّ، وجَعَل الحِسابَ والجزاءُ في الآخِرَةِ دونَ ظُلمٍ لأحدٍ، وهو سبحانه يَعلمُ أزلًا أصحابَ الجَنَّةِ وأصحابَ النَّارِ، واعلم أنك إذا أقبلت على الله أقبل الله عليك، مهما أذنبت ، قال الله تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
وفي هذا الحديث دليل على أن ضلال من ضل ،إنما هو السبب ، وإلا فإن الله تعالى لن يمنع فضله من طلب فضله، ولكن من استغنى عن ربه ، فهو الذي جنى على نفسه ،واذا أردت أن يتبين لك هذا ظاهرا ، فاقرأ قول الله تعالى : (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) الصف (5) ، فلم يزغ الله قلوبهم حتى زاغوا، وقال الله تعالى : (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) المائدة 13،
وفي بعض الروايات للحديث :(والأعمالُ بالخواتيمِ): وهذا يعني أن الإنسان لا يَغْتَرُّ بِعَمَلِهِ ،وإنْ كَانَ أَصْلَحَ الصالحينَ، بلْ يَخَافُ من سوءِ العاقبةِ، ولا يَحْكُمُ على أحدٍ بأَنَّهُ من أهلِ النارِ بِمُوجَبِ أفعالِهِ؛ لِأَنَّهُ لا يَدْرِي بماذا يُخْتَمُ لَهُ، ففي الصحيحين : (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ « إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ،ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ ،فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ وَشَقِىٌّ أَوْ سَعِيدٌ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ ،فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ ،وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ،حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ » ،(والأعمالُ بالخواتيمِ) : فالإنسانُ يخافُ من سوءِ الخاتمةِ، ولا يَحْكُمُ على أحدٍ بسوءِ الخاتمةِ؛ لِأَنَّهُ لا يَدْرِي بِمَا يُخْتَمُ لهُ. فالتوبةُ تَجُبُّ ما قَبْلَهَا، قال الله تعالى: { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (الأَنْفَال: 38). فالأعمالُ بالخواتيمِ، ولكنْ من لُطْفِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بعبادِهِ أنَّ مَن عاشَ على الخيرِ فإِنَّهُ يُخْتَمُ لَهُ بالخيرِ، وَمَنْ عاشَ على الشرِّ فإِنَّهُ يُخْتَمُ لَهُ بالشرِّ، فالإنسانُ يَعْمَلُ الأسبابَ ،ويُحْسِنُ الظنَّ باللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وكل إنسان يأتي إلى هذا الكون معه رسالته الخاصة به، فهي رسالة مقصودة له ،وهو مقصود لها، فلا يمكن أن يحل مكانه أحد، ولا يمكن أن يؤديها مكانه أحد كما يؤديها صاحبها ، فتذكر دائما ، (كلٌّ ميسّرٌ لما خلق له)، وتأمل في كلمة (ميسّرٌ) ، فالله تعالى يسر لك كل أسباب الهداية ، والعمل الصالح ، وأودع فيك كل المقومات التي تحتاجها لأن تؤدي رسالتك، فلا تبحث في غير هدى الله، ولا تحاول أن تقلد الآخرين ، ولا تتكلف، ولا تتصنع، فأنت خلقت فريداً، لتؤدي دورك الفريد، فأنت، وبكل ما فيك، بشخصيتك، وظروفك، وهواياتك، واهتماماتك، ،أنت بكل تكوينك، وجدت في هذه الدار لتسد ذلك الفراغ الذي ينتظرك، وجدت لتضفي ذلك الأثر، وجدت لتنسجم مع المنظومة الكونية المبدعة ، فابحث عن ذاتك، عن شغفك، عن حلمك، عن متعتك، عن حبك، ابحث عما أنت (ميسّرٌ له) ،وستجد رسالتك هناك، فأنت بطبيعتك تحب أداء نوع من الأعمال، وتستمتع في بعض الهوايات، وتميل إلى عدد من المجالات، وتهوى نوعاً خاصاً من الأشخاص، ما الذي جعلك تنجذب إلى كل تلك الأشياء؟ هنا يكمن السر؛ اعمل، فأنت ميسّرٌ لذلك! ،حقا : « كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ».
الدعاء