خطبة عن حديث (احْتَلِبُوا هَذَا اللَّبَنَ بَيْنَنَا ( اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي)
مايو 7, 2022خطبة عن (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ)
مايو 7, 2022الخطبة الأولى ( لَنْ يَشْبَعَ الْمُؤْمِنُ مِنْ خَيْرٍ يَسْمَعُهُ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الْجَنَّةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ: (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَنْ يَشْبَعَ الْمُؤْمِنُ مِنْ خَيْرٍ يَسْمَعُهُ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الْجَنَّةُ ».
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث النبوي ، والذي يحث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته على الثّباتِ في عَملِ الخَير ومُداومَته، وفي الحديث أيضا الحَثُّ على أَمرِ البِرّ والتّقوى إلى آخِر الحَياةِ ، فإنَّ المؤمنَ يَرى في الآخِرةِ نَفعَ الطّاعاتِ ،ويتَمنَّى أنْ لو عَمِلَ مِنَ الحَسنَاتِ أَكثَر مما عمِلَ، فقد روى الطبراني في كتابِ الدّعَوات أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ : “مَا اجتَمعَ قَومٌ ثم تَفَرّقُوا مِن غَيرِ أنْ يَذكُروا اللهَ ثم افتَرقُوا مِن غَيرِ أن يُصَلُّوا على النّبي إلا كانَ في قُلوبهِم حَسرةٌ يَومَ القِيامةِ وإنْ دَخَلُوا الجنَّة” ، فمن أرادَ اللهُ بهِ عُلُوَّ الهِمّةِ يَزدَادُ رَغبَةً في عَملِ البرِّ والحَسنات، ومَهمَا كانَ جَادًّا في ذلكَ يتَمَنى أنْ يَزيدَ على ذلكَ ،وأَوْلى ما يتَمَنى المؤمنُ منَ الازديادِ في شَيءٍ طلَب الازديادِ منَ العِلمِ قال اللهُ تعالى: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (114) طه ، فلم يَردْ في القرءانِ أَمرُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم بطلَبِ الازدِيادِ مِن شَيءٍ إلا مِنَ العِلم، وذلكَ لأنّ العِلمَ أَسَاسُ الإيمانِ، والعِلمُ باللهِ ورسُولِه وأمُورِ دِينهِ هو الذي فَرضَه اللهُ ، وعلى الانسان أنْ يتَعلّمَهُ ،أمّا ما سِوى عِلمِ الدِّين فإنما يُفتَرضُ مِنهُ مَا فيه مَصلَحةٌ للمَعِيشَةِ ، فهوَ فَرضُ كِفَاية، إذَا تَعلَّمَه بَعضُ المسلمينَ سَقَطَ الحَرجُ عن غَيرِهم، فالمؤمن لا يتوقف عن تحصيل كل ما يقربه إلى الله تعالى من سائر الطاعات ،بل يستمر في ذلك إلى أن يموت ،فيدخل الجنة بما اكتسب في حياته من العمل الصالح، ومن أشرفها تحصيل العلم الشرعي. وعن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعَان: مَنْهُوم في العلم لا يَشبع منه ومَنْهُوم في الدنيا لا يَشبع منها” صححه الشيخ الألباني في مشكاة المصابيح
أيها المسلمون
لقد ربط الإسلام بين الدين والعلم برباط وثيق لا ينفصم، حتى جعل العلم فريضة على جميع المسلمين ، كلٌ بحسبه ، وفي سنن ابن ماجه : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ ». فالجهل ممنوع في ديننا، مذموم ومرفوض في شريعتنا ، فليس شيء من ديننا أفضلَ من طلب العلم، والاستزادة منه، بعد قيام المسلم بأداء الفرائض والواجبات ، فقد روى الترمذي في سننه بسند حسنه : (أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلاَّ ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالاَهُ وَعَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا ». يقول الشعبي رحمه الله : « لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ليسمع كلمة حكمة: ما رأيت أن سفره ضاع ». ويقول سفيان الثوري رحمه الله : « ما من عمل أفضلُ من طلب العلم إذا صحَّت النية». ويقول الزهري رحمه الله : «ما عُبد الله بشيء أفضل من طلب العلم». ويقول الإمام الشافعي رحمه الله : «طلب العلم أفضل من صلاة النافلة». فلا يصح بحالٍ أن يقبع جمع كبير من أبناء المسلمين في الجهل حتى بالقراءة والكتابة ، في الوقت الذي وصل فيه مماليك المسلمين وعبيدهم إلى أعلى درجات العلم والمعرفة في الزمن الأول ، لقد استوعب العلم في القرون الثلاثة الأولى الأمة بأكملها ، حتى لم يعد في الأمة جاهل أو أمي، لقد كان العلم للجميع دون استثناء ، وانطلق الناس في طلب العلم ومحو الأمية من مبدأ وجوب التعلُّم الذي فرضه الإسلام عليهم ، وانطلق العلماء في تعليم الناس وتربيتهم من مبدأ وجوب التعليم، والنهي عن كتمان العلم عن طلابه ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (159) ،(160) البقرة ،وفي مسند أحمد وغيره : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » لقد انطلق علماء الإسلام، لاسيما في القرون الأولى المفضَّلة: ليستوعبوا الحياة كلَّها بالعلم، من المهد إلى اللحد، ومن المحبرة إلى المقبرة، حتى خرج إلى الدنيا نوادر الدهر من أمثال الأئمة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد رحمهم الله ورضي عنهم.لقد خرج هؤلاء العلماء وأمثالهم كثير كأغرب وأعجب ما صنعه الإسلام من العقول البشرية. لقد خرَّج الإسلام عجائب الدنيا من أمثال: البخاري ، والطبري ، والخطيب البغدادي ، وابن حزم ، والغزالي ، وابن الجوزي ، والنووي ، وابن قدامة، وابن تيمية ، والذهبي ، والسيوطي وغيرهم كثير. إن السِّر الذي خرَّج هؤلاء بين أيدينا، لا يزال غضاً طرياً صالحاً، إنه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون
وطالب العلم يتطلب شروطاً أربعة لابد منها : الشرط الأول : الإخلاص ، بأن يكون طلب العلم لوجه الله تعالى، لا رياء ولا سمعة، ولا مباهاة، ولا جدال ، وفي سنن الترمذي بسند حسنه : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا لِغَيْرِ اللَّهِ أَوْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ». وفي سنن ابن ماجه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». يَعْنِى رِيحَهَا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لَنْ يَشْبَعَ الْمُؤْمِنُ مِنْ خَيْرٍ يَسْمَعُهُ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الْجَنَّةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما الشرط الثاني من شروط طلب العلم : فهو إفراغ الوسع في طلب العلم، فليس عند طالب العلم شيء أغلى من العلم، لا الوقت، ولا المال، ولا الصحة. ولقد كان السلف لا يبخلون بشيء في طلب العلم؛ فقد فارقوا الأوطان، وهجروا الأهل والأصحاب، واختاروا الفقر على الغنى، والتعب على الراحة من أجل الحصول على العلم، فبلَّغهم الله مرادهم، فكانوا أئمة الدنيا بلا منازع. وأما الشرط الثالث: فهو تجنب المعاصي؛ فإنه لا مستقر للعلم في قلب قد مليء بحب الشهوات، وغرق في المنكرات ، وحُشي بالفتن. يقول بشر بن الحارث رحمه الله: « إن أردت أن تلقَّن العلم فلا تعص » وقال القاسم بن عبد الرحمن رحمه الله: « إني لأحسب الرجل ينسى العلم بالخطيئة يعملها ». يقول الامام الشافعي :
شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي
وَأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلْمَ نُورٌ ونورُ الله لا يهدى لعاصي
وأما الشرط الرابع: فهو العمل بالعلم، : إن ثمرة العلم العمل، ولا خير في علم لا يتبعه عمل، إنها الربط بين النظرية والتطبيق، وما فائدة النظرية بلا تطبيق؟ وفي سنن الدارمي : (عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : الْعِلْمُ عِلْمَانِ : فَعِلْمٌ فِي الْقَلْبِ فَذَلِكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ ، وَعِلْمٌ عَلَى اللِّسَانِ فَذَلِكَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى ابْنِ آدَمَ. وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه : « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا » ، ويقـول أبو الدرداء رضي الله عنه : « لا تكـون عالماً حتى تكون بالعلم عاملاً ».
الدعاء