خطبة عن قوله تعالى (إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا)
فبراير 16, 2019خطبة عن قوله تعالى (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
فبراير 23, 2019الخطبة الأولى ( مَا كَانَ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَقَدْ كَانَ لَهُ حَوَارِيُّونَ يَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِ وَيَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ ». وفيه أيضا 🙁 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَا كَانَ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَقَدْ كَانَ لَهُ حَوَارِيُّونَ يَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِ وَيَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الهدي النبوي الشريف ، والذي يأمرنا فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بالأخذ بسنته ، والسير على طريقته ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويحذرنا من مخالفة أمره ، ومجانبة سنته ، واتباع البدع والمنكرات ، والتخاذل والتهاون في دعوة الناس إلى الخير ، ونهيهم عن المعاصي والموبقات ، ومن المعلوم أن تبليغ رسالة الله ، هي من أعظم المسؤوليات وأشدها صعوبة، لأنها تحتاج إلى صبر عظيم ،وتحمل كبير ، فإنه لا شك أن أعداء الله من الجن والإنس يُعادون مثل هذه الدعوات الطيبة المباركة، فيُكذّبون الأنبياء والرسل ،ويكيدون لهم ،ولربما قتلوهم، قال الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112]، وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87]. ومن رحمة الله سبحانه وتعالى برسله ،أن سخر لهم أصحابا وحواريين يؤمنون بهم، ويؤيدونهم ،وينصرونهم ضد الأعداء والقتلة والمجرمين، ففي مسند أحمد : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ ». وقد كان الصّحابة رضي الله عنهم من جملة هؤلاء الحواريين، فقد آمنوا بالرّسول صلى الله عليه وسلم ،ونصروه ،وعزّروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، فلقوا في ذلك البلاء الكبير، والعذاب المرير ،من طرف كفار قريش، فهذا عمار بن ياسر رضي الله عنه ،عذب وقتل أبوه وأمّه، وهذا بلال رضي الله عنه ،عذب ووضع الصخر فوق صدره ليكفر، فأبى إلا توحيد الله سبحانه ونبذ الشرك، وقد قُوطع الصحابة من قريش ،وحوصروا ،فما وجدوا بعدها أكلا سوى أوراق الشجر؛ ولم تكتفي قريش بذلك ، بل قاتلوهم وطردوهم من بلادهم ،وأخرجوهم من ديارهم، قال الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.. [الحج: 39-40].
أيها المسلمون
فسنة الله في خلقه ، أنه سبحانه وتعالى ، يبعث الرسول في قومه، فينتشر نوره بينهم، وتسري حرارة الدعوة في دمائهم، وتستقر تعاليمه في عقائدهم، فيتمسكون بها ويحافظون عليها، ثم يمضي الرسول ويمضي عصره فيضعف النور، وتهدأ الحرارة، وتتزعزع التعاليم في النفوس، ويقل التمسك بها، وتختل المحافظة عليها، وكلما مضى عصر زاد الضعف، وكثر التهاون، ولهذا كان خير القرون هو القرن الذي عاصره النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ففي الصحيحين : (عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ – رضى الله عنهما – قَالَ ،قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « خَيْرُكُمْ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ » . قَالَ عِمْرَانُ لاَ أَدْرِى أَذَكَرَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بَعْدُ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً . قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَشْهَدُونَ ، وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يَفُونَ ،وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ»، وهكذا يضعف النور رويدا رويدا حتى يأتي آخر الزمان ، بقوم غير القوم، يأتي بقوم بعيدين عن التعاليم بقدر بعد الزمان، صورهم غير حقائقهم، وأسماؤهم لا تتفق ومسمياتهم، فهم في صور العقلاء ، وحقائقهم كالأنعام، يدعون بالمسلمين ولا إسلام ، ويقولون ما لا يفعلون ، ولا يفعلون ما يقولون، بل يفعلون نقيض أوامر الشريعة، فيأتون بالمنكرات، ويتركون الواجبات. فتلك سنة الله في خلقه، فكلما بعد المؤثر ،قل الأثر ،حتى ينمحي أو يكاد، ما لم يتعهده بالتغذية والتقوية أقوام ، وكل تيار مندفع ، يقل اندفاعه كلما بعد عن مصدر الدفع، ما لم يساعد بين الحين والحين بقوة دافعة أخرى، وتلك القوة الدافعة الأخرى في أديان الله تتمثل في العلماء والصالحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
والحديث الشريف بعد أن صور أثر الزمان في انحلال الناس وظلماتهم ، ركز على من يأخذ بيدهم، وعلى المصابيح الجانبية التي تضيء لهم، وعلى الدفعات الإضافية التي تدفعهم، فمن جاهد المنكرات ،وغيرها بيده فهو مؤمن إيمانا كاملا، ومن جاهدها وأنكرها بلسانه فهو مؤمن دون الأول، ومن جاهدها وأنكرها بقلبه فهو مؤمن دون الثاني، ومن لم يفعل شيئا من ذلك، ووقف من المنكرات موقف المتفرج غير العابئ فليس بمؤمن، وليس في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، ففاعل المنكر والراضي به سواء، ففي سنن أبي داود وغيره : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهِ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ». ثُمَّ قَالَ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) إِلَى قَوْلِهِ (فَاسِقُونَ) ثُمَّ قَالَ « كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَىِ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَا كَانَ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَقَدْ كَانَ لَهُ حَوَارِيُّونَ يَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِ وَيَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
هكذا فهناك الكثير من الاحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على وجوب إنكار المنكر، بحسب القدرة عليه ،وأما إنكاره بالقلب فلابد منه ،فمن لم ينكر قلبه المنكر ،دل على ذهاب الإيمان من قلبه ، قال الامام علي رضي الله عنه (إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد : الجهاد بأيديكم ،ثم الجهاد بألسنتكم ،ثم الجهاد بقلوبكم ،فمن لم يعرف قلبه المعروف ،وينكر قلبه المنكر ،نكس، فجعل أعلاه أسفله ،وسمع ابن مسعود رجلًا يقول : هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر ،فقال ابن مسعود : هلك من لم يعرف بقلبه المعروف ،والمنكر ، يشير بذلك إلى أن معرفة المعروف ،والمنكر بالقلب ،فرض لا يسقط عن أحد ، فمن لم يعرفه هلك ، وأما الإنكار باللسان واليد ، فإنما يجب بحسب الطاقة. وقال ابن مسعود : يوشك من عاش منكم أن يري منكرا لا يستطيع له غير أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره ،وفي سنن أبي داود : (عَنِ الْعُرْسِ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا ». وَقَالَ مَرَّةً « أَنْكَرَهَا ». « كَمَنْ غَابَ عَنْهَا وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا ». فمن شهد الخطيئة فكرهها في قلبه ،كان كمن لم يشهدها إذا عجز عن إنكارها بلسانه ويده، ومن غاب عنها فرضيها ،كان كمن شهدها وقدر على إنكارها ولم ينكرها ،لأن الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات ،ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب ،وهو فرض على كل مسلم ، لا يسقط عن أحد في كل حال من الأحوال. قال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : آمر السلطان بالمعروف وأنهاه عن المنكر؟ قال إن خفت أن يقتلك فلا ، ثم عدت ، فقال لي مثل ذلك ، ثم عدت ،فقال لي مثل ذلك ،وقال إن كنت لابد فاعلا : ففيما بينك وبينه ، وقال طاووس : أتي رجل ابن عباس فقال : ألا أقوم إلى هذا السلطان فآمره وأنهاه ،قال لا تكن له فتنة قال أفرأيت إن أمرني بمعصية الله قال ذلك الذي تريد فكن حينئذ رجلًا ،وقوله ﷺ في الذي ينكر بقلبه وذلك أضعف الإيمان : يدل على أن الأمر بالمعروف ،والنهي عن المنكر من خصال الإيمان ،ويدل على أن من قدر على خصلة من خصال الإيمان وفعلها كان أفضل ممن تركها عجزًا
أيها المسلمون
ويمكن لنا أن نستخلص بعض ما يرشد إليه الحديث ، ومنها : أولا : مدى حيطة الصحابة في أخذ الأحاديث وإنكارهم ما لا يقبلون، والتثبت والاستشهاد على صحة ما يرون. ثانيا : أن سنة الله في خلقه ضعف الإيمان كلما تقدمت القرون. ثالثا : أن الإيمان يزيد ويتكامل، ويضعف حتى حبة الخردل.
الدعاء