خطبة عن (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ)
يوليو 17, 2022خطبة عن (التسويف والتفريط: الأسباب والمظاهر والنتائج والعلاج)
يوليو 17, 2022الخطبة الأولى ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِ .. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لاَ تَزَالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ وَلاَ يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلاَءُ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأَرْزِ لاَ تَهْتَزُّ حَتَّى تَسْتَحْصِدَ ». ، وروى البخاري في صحيحه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ تُفَيِّئُهَا الرِّيحُ مَرَّةً ، وَتَعْدِلُهَا مَرَّةً ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالأَرْزَةِ لاَ تَزَالُ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً »
إخوة الإسلام
من الملاحظ أن الناس تستخدم الأمثال منذ القدم ، وذلك كوسيلة لتقريب المراد فهمه، وتوصيله للأذهان، وفي المثل نقرب المجرد بالمحسوس ، والغائب بالحاضر، وكان صلى الله عليه وسلم يستعين على توضيح المعاني التي يريد بيانها بضرب المثل، مما يشاهده الناس بأبصارهم، ويتذوقونه بألسنتهم، ويقع تحت حواسهم ، وفي متناول أيديهم، وفي هذه الطريقة تيسير للفهم والتعلم، واستيفاء سريع لإيضاح ما يعلمه أو يحذر منه، كما أكثر الله سبحانه وتعالى من ضرب الأمثال في كتابه العزيز ، وهذا الحديثُ النبوي الكريم الذي بين أيدينا اليوم ، يَشتملُ على تشبيهٍ رائع من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، حيث أُوتي جوامعَ الكَلِمِ، فشبَّهَ المؤمنَ بالخَامَةِ مِن الزَّرعِ، وهي الغُصنةُ الغَضَّةُ الطَّريَّةُ منه، تُميلُها الرِّيحُ مرَّةً وتَعدِلُها أُخرى، وشبَّهَ المنافقَ بالأَرْزَةِ، وهو شجرٌ معروفٌ، يُقالُ له: الأَرْزَنُ، وهو الشَّجر الذي يُعمَّرُ طويلًا، ويكون انْجِعَافُهَا – أي: انقِلاعُها – مرَّةً واحدة، ووجهُ التَّشبيهِ ،أنَّ المؤمن من حيث إنَّه إن جاءه أمرُ الله انصاع له ، ورضِي به؛ فإنْ جاءه خيرٌ فرِح به وشكَر، وإنْ وقَع به مكروهٌ صبَر ورجا فيه الأجرَ، فإذا اندفَع عنه اعتدَل شاكرًا، والنَّاسُ في ذلك على أقسام؛ منهم مَن يَنظُرُ إلى أجْر البلاء فيَهُونُ عليه البلاءُ، ومنهم مَن يرى أنَّ هذا مِن تصرُّفِ المالك في مِلكِه فيُسلِّمُ ولا يَعترض، ووجهُ التَّشبيهِ عند المنافق: أنَّ المنافقَ لا يَتفقَّدُه اللهُ باختباره، بل يجعلُ له التَّيسيرَ في الدُّنيا ،ليتعسَّرَ عليه الحالُ في يوم المعاد، حتى إذا أراد الله إهلاكَه قصَمَهُ ،فيكون موته أشَدَّ عذابًا عليه ، وأكثَرَ ألَمًا في خروج نفْسِه.
فمَعْنَى الْحَدِيث : أَنَّ الْمُؤْمِن كَثِير الْآلَام فِي بَدَنه أَوْ أَهْله أَوْ مَاله, وَذَلِكَ مُكَفِّر لِسَيِّئَاتِهِ, وَرَافِع لِدَرَجَاتِهِ, وَأَمَّا الْكَافِر فَقَلِيلهَا, وَإِنْ وَقَعَ بِهِ شَيْء لَمْ يُكَفِّر شَيْئًا مِنْ سَيِّئَاته, بَلْ يَأْتِي بِهَا يَوْم الْقِيَامَة كَامِلَةً ، وقال ابن القيم:(هذا المثل ضرب للمؤمن وما يلقاه من عواصف البلاء والأوجاع والأوجال وغيرها فلا يزال بين عافية وبلاء، ومحنة ومنحة، وصحة وسقم، وأمن وخوف، وغير ذلك، فيقع مرة ويقوم أخرى، ويميل تارة ويعتدل أخرى، فيكفر عنه بالبلاء ويمحص به ويخلص من كدره، والكافر كله خبث ولا يصلح إلا للوقود فليس في إصابته في الدنيا بأنواع البلاء من الحكمة والرحمة ما في إصابة المؤمن فهذه حال المؤمن في الابتلاء) ، فالعبد المؤمن كل ما يصيبه من نصب ولا وصب ، ولا هم ولا حزن ،حتى الشوكة يشاكها ،إلا كفر الله بها من خطاياه ،ورفع له بها من درجاته ، وقد روى الامام أحمد في مسنده : (أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ شَيْبَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- طَرَقَهُ وَجَعٌ فَجَعَلَ يَشْتَكِى وَيَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَوْ صَنَعَ هَذَا بَعْضُنَا لَوَجَدْتَ عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الصَّالِحِينَ يُشَدَّدُ عَلَيْهِمْ وَإِنَّهُ لاَ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ نَكْبَةٌ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلاَّ حُطَّتْ بِهِ عَنْهُ خَطِيئَةٌ وَرُفِعَ بِهَا دَرَجَةً »، وهكذا فقد فتح الله تعالى للمسلم أبواب تكفير السيئات ، ورفع الدرجات ،فكان حال المسلم خيرا كله ،ففي صحيح مسلم : (عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ».فالمؤمن حيث جاءه أمر الله انطاع له، أما الكافر والفاجر ،وكذا المنافق ،فقد يمدهم الله بالنعم الكثيرة مدا ،ولكنه كما قال جل شأنه : ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (178) آل عمران، ونجد كثيرا لا يتفقد الله الكافر باختباره ،بل يهيئ له التيسير في الدنيا ،ليتعسر عليه الحال في المعاد ،حتى إذا أراد إهلاكه قصمه ،فيكون موته أشد عذابا عليه .
أيها المسلمون
والمتأمل والمتدبر لهذا الحديث النبوي الشريف ، يجد فيه مشاهد عظيمة من عالم النبات، والبيئة المحيطة به، فعندما تهب الريح عاصفة شديدة ،نجد النباتات الحولية ،الضعيفة الساق ، قد تمايلت جميعها مع اتجاه الريح ، ثم تهدأ الريح فجأة، فتستقيم النباتات جميعها دفعة واحدة وتعتدل، وقد تغير الريح اتجاهها فتميل النباتات معها في اتجاهها ، فتنحني وتميل، ثم ترتفع وتستقيم إلى أن تهدأ الريح فتعود سيرتها الأولى وتستمر في نموها وإزهارها وإثمارها. وفي المقابل ، وفي نفس المكان ، وبنفس الريح نجد الشجرة القوية المعمرة سنوات عدة أتتها الرياح العاصفة القوية، فضغطت عليها الريح بشدة ،ثم اقتلعتها من الأرض ،وألقت بها ممددة مقلوعة من جذورها، ثم تهدأ الريح ،وتدب الحياة في المكان، ولكن هذه الشجرة لا تقدر على العودة سيرتها الأولى ولا يجد الناس بدا من إزالتها من المكان ، ولهذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن بالخامة (النباتية) الرقيقة، فلم يؤثر في إيمانه ضراء أو نازلة، ممتثلا لله – عز وجل – واضعا نصب عينيه قوله تعالى: “قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا” (التوبة/51). وقوله تعالى ” الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ” (البقرة/156) ، فالمؤمن الحق هو الذي إذا مرت به المحنة تجده غير ساخط ، ولا معترض ، مفوضا أمره إلى الله عز وجل ، سائلا إياه العون والمدد، ولكن المنافق (والكافر) على خلاف ذلك، فهو يعتقد أن المحن من سوء الحظ، وأنها ظلم له، وليس ابتلاء من الله عز وجل، لذا فهو حينما يبتلى في نفسه أو في ماله أو أهله نجده يسخط ،ويجأر بالشكوى ،كأنه يعترض على رب العباد ويقول : لماذا اخترتني من دون عبادك بكذا وكذا؟ فهكذا عند الامتحان والابتلاء ينكشف أمره ،فنجده يخرج من المحن محروما من نعمتي الإيمان والتسليم لله،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِ .. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومما يرشد إليه الحديث ، وينبه إليه ، أنه قد يغتر البعض بحال الكافر والمنافق الغني ،وصاحب الوجاهة والسلطة ،كالشجرة الممتدة الفروع والسيقان والأوراق ،ولا يدري أنه ضعيف مع أول محنة ،ينكشف ضعفه وقلة مناعته، والبعض يستهين بالمؤمن لأنه كالنبتة الصغيرة ،فيظنه ضعيفا ،ولكن عند الشدائد تجده قويا مؤمنا صابرا محتسبا، وقد مدح الله تعالى الشجرة القوية التي تتلازم قوتها مع الإيمان بالله فقال تعالى: ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء{24} تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ{25} وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ{26} يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ{27} ” (ابراهيم24 -27).، فلا تغرنكم المظاهر المادية مع الكافرين والمنافقين ، ولكن انظروا إلى عواقب الأمور والموقف بين يدي رب العالمين،
أيها المسلمون
ومن الفوائد التي يرشد إليها هذا الحديث : أن الله تعالى يبتلى عبده المؤمن بالمصائب والنكبات وأنواع من البلاء؛ حتى يكفر من سيئاته وخطاياه. وأنه على المؤمن أن يصبر على ما يصيبه من البلاء، ويعلم أن العاقبة حميدة بإذن الله لمن صبر واحتسب. وفي الحديث تسلية للمؤمن عما يصيبه من محن وابتلاءات في هذه الحياة، فينبغي على العبد أن يستسلم لقضاء الله وقدره, وأن يعلم أن كل ما يصيبه في الدنيا ففيه الخير له؛ فإن أصابته سراء فشكر كان خيرا له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له . وفيه أيضا أن الكافر يبقى لا يصيبه البلاء، حتى يهلكه الله، وهذا في الغالب، وإلا فإن هناك من الكفرة من تصيبه البلايا والمحن.
الدعاء