خطبة عن (النظر في عواقب الأمور ومآلاتها)
أغسطس 9, 2023خطبة عن (كيف تنصر دينك؟)
أغسطس 13, 2023الخطبة الأولى ( مَنْ كَانَ مِنْكُمْ تَسُرُّهُ حَسَنَتُهُ وَتَسُوؤُهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد بسند صحيح : (خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَامَ فِي مِثْلِ مَقَامِي هَذَا فَقَالَ «أَحْسِنُوا إِلَى أَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَحْلِفُ أَحَدُهُمْ عَلَى الْيَمِينِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ عَلَيْهَا وَيَشْهَدُ عَلَى الشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَنَالَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ وَلاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ تَسُرُّهُ حَسَنَتُهُ وَتَسُوؤُهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ »، وفي رواية : (ألا ومَن كان منكم تسوؤُه سيِّئتُه وتسُرُّه حسنتُه فهو مؤمنٌ )
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم – إن شاء الله تعالى- مع هذا الأدب النبوي الكريم ، وسوف يكون حديثنا مقتصرا ومحصورا في قوله صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ تَسُرُّهُ حَسَنَتُهُ وَتَسُوؤُهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ »، فمن دلائل الإيمان وعلاماته التي تدل على صدق المؤمن، سروره وفرحه بالطاعات والحسنات، وحزنه وغمه بالمعاصي والسيئات، فإذا فرحت بالحسنة التي تفعلها وسررت بها، وحزنت وتألمت بالسيئة والمعصية التي وقعت فيها ،وندمت من بعد فعلها ،فأنت مؤمن، فبهذا المقياس يستطيع الإنسان أن يقيس به مستوى الإيمان في قلبه، ويحكم بنفسه على نفسه ، ويستطيع من خلال ذلك أن يصحح مساره وطريقه ، فمثلا : إذا صليت الصبح في جماعة ففرحت بتوفيق الله لك بذلك ،وسررت بأداء الصلاة حاضرة مع جماعة المسلمين ،تلك الصلاة المشهودة التي يُحتفى بها في الملكوت الأعلى ،والتي لا يحرص عليها إلا المؤمنون، فذاك علامة الإيمان، وإذا أرشدت ضالاً ،أو دللت حيراناً على الصراط المستقيم ،وكنت سبباً في هدايته وإرشاده ، وفرحت بذلك العمل وسررت به ،فأنت مؤمن، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كما في الصحيحين :(فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ »، وإذا هممت بريبة في خلوة ،والنفس داعية إلى الطغيان ،فجاهدت نفسك ،واستعنت بربك ،واستعصمت بإيمانك ،فأنقذك الله من الرذيلة ،وعصمك من الوقوع في الفاحشة ،وفرحت بذلك وسررت بالخلاص من الوقوع فيما يغضب الله فأنت مؤمن ،وإذا غلبتك نفسك ،وقارفت ذنباً وليس من عادتك انتهاك حرمات الله ،ثم استيقظ ضميرك ،وتذكرت عقاب الله ،وعظمة الله ،فتألمت ،وتبت، واستغفرت ،وندمت على فعلتك ،وعقدت العزم على أن لا تعود مرة أخرى إليها ،وعلمت أن رحمة الله أوسع من ذنوبك ، فإذا فعلت ذلك فأنت مؤمن ، وقد أخرج البيهقي في الشعب بسند جيد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقول: “اللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساؤوا استغفروا” ،وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن مستبشراً بثواب الله ،خائفاً من عقابه ،وهو يؤدي الطاعات ويعمل الحسنات، حين تزل قدمه فيقع في المعاصي والآثام.
أيها المسلمون
ليسأل كل منا نفسه ،اسأل نفسك بصدق ،فسوف تجد عندها الاجابة ،اسأل نفسك بنفسك ، واحكم على نفسك بنفسك ؛هل تسوؤك سيئتك ،وتسرك حسنتك؟ ابحث عن ذلك في حياتك اليومية ،في علاقاتك مع ربك، ومع والديك، مع أسرتك، مع رفاقك، ومع كافة المجتمع، فليسأل الموظف المتسيب عن عمله، والمفرط في حقوق المواطنين : هل يسرك تسيبك هذا أم يسوؤك؟ ،وليسأل الطالب الذي يغش في الامتحان: هل يسرك عملك أم يسوؤك؟ ،وليسأل الزوج نفسه: هل يسرك تبرج امرأتك وبناتك ؟ ،”فإِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ”، ولتسأل الفتاةُ نفسها بصدق: هل يسركِ إصراركِ على لبس الملابس الخليعة؟ ، وليسأل رب الأسرة نفسه: هل يسرك أن تترك أولادك وبناتك يتابعن المواقع الإباحية ، أو القنوات الفضائية الهابطة ؟ وهل يسرك أن تترك أولادك يحفظوا الأغاني ،ولا يحفظون شيئا من كتاب الله؟ ، وليسأل المدخن نفسه: هل يسرك تدخينك أم يسوؤك؟ وليسأل البخيل نفسه: هل يسرك امتناعك عن أداء الزكاة ،ومصير مالك أن يتمتع به ورثتك من بعد موتك، فيكونَ عليك غرمه ولهم غنمه؟ وليسأل المرء الذي يأخذ قروضا بنكية ربوية: هل يسرك قرضك هذا أم يسوؤك؟ ، “فإِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ”، وليسأل التاجر نفسه: هل يسرك غشك للناس وعدم نصحك لهم؟ ،وليسأل نفسه كل واحد يضع في جواله النغمات الموسيقية الماجنة الهابطة التي تثير الغرائز والشهوات ،هل يسرك عملك هذا أم يسوؤك؟ وأنت أيها المصلي اسأل نفسك: هل يسرك دخولك كل جمعة بعد دخول الإمام ،فلا يكتب اسمك في صحف الملائكة؟ ،وليسأل نفسه الذي يتأخر دائما عن صلاة الجماعة: هل يسوؤك تأخرك أم يسرك؟ ، “فإِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ”، وليسأل المسلمون أنفسهم: هل يسركم ما يفعل بالمسلمين في بلاد العالم وأنتم في لهو وغفلة عما يكاد لكم ؟ ،هذه كلها أسئلة تحتاج إلى صدق مع النفس، وسوف تجيب حينها على نفسك بنفسك .
أيها المسلمون
فالمؤمنون يتفاوتون في درجات إيمانهم تفاوتاً عظيماً، ولم يكمل إيمان واحدٍ منهم إلا إيمان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأكملهم إيماناً هو نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا التفاوت الحاصل في الإيمان يكون بحسب ما في قلوبهم من قوة اليقين في الله ، والتصديق به ،وحبه ،ورجائه ،وخشيته ،والتوكل عليه ، والتسليم لحكمه ،والرضا بقضائه وقدره ونحو ذلك، وبحسب قيامهم بما أوجب الله عليهم من الأعمال الصالحة، وابتعادهم عما حرم الله عليهم من الأعمال الطالحة ، وفي هذا الحديث المتقدم ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم علامة من علامات قياس درجة الإيمان ، ولكن هناك علامات أخرى يعرف بها المسلم مدى قوة إيمانه ، وأذكر لكم منها : أولا : تقديم ما يحبه الله ورسوله على ما تحبه نفسه وهواه.، ثانيا : بذل النفس والمال والغالي والرخيص من أجل الله تعالى. ، ثالثا : حب من يحب الله ورسوله، وعداوة من يبغض الله ورسوله ويكفر بهما.، رابعا : الرضا بالقضاء والقدر وعدم وجود الضيق أو الحرج عند نزول البلاء.، خامسا : المسارعة والمسابقة إلى فعل الخيرات والكف عن المعاصي والمنكرات.، سادسا : الطمأنينة والانشراح عند ذكر الله تعالى، قال الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28] ،وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ*الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ*أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) [الأنفال،2-4].، سابعا : اليقين في الله والاعتصام به، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحجرات:15].
أيها المسلمون
إن حكمة الله تعالى لا تقتضي أن كل من قال ” إنه مؤمن ” أو ادعى لنفسه الإيمان ، أن يكون بحق مؤمنا ، ولكن من سنن الله في خلقه أنه لابد أن يختبر ،ليعلم إن كان صادقا أو كاذبا في إيمانه ،ولا بد أن يصاب بالفتن والمحن ،ليتميز الصادق من الكاذب ،والمحق من المبطل ، فسنته سبحانه وتعالى أن يبتليهم بالسراء والضراء ،والعسر واليسر ،والمنشط والمكره ، والغنى والفقر ،وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان ،ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن ، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة ،والشهوات المعارضة للإرادة ، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل ،ويدفعها بما معه من الحق ، وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب ،الصارفة عما أمر اللّه به ورسوله ،فيعمل بمقتضى الإيمان ،ويجاهد شهوته ،دل ذلك على صدق إيمانه وصحته ،أما من عصفت بقلبه الفتن عند ورودها ،ولم يستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ،وهي كلمة التوحيد ولوازمها ،وجعل قلبه يتنقل بكل واد ،وإنما أمره في الحيرة والتردد ،وحاله حال المذبذبين المتحيرين ،فتارة مع هؤلاء ،وتارة مع هؤلاء ،وتارة لا إلى هؤلاء ،ولا إلى هؤلاء ، فهو ذو قلب محجوب ،لا يتخلله الوعظ ،ولا يثبت على الصراط ؛ فمن كانت هذه حاله فليت أمه لم تلده ، فهو على خطر عظيم ،فليبادر كل عبد يخاف على نفسه : أن يعود إلى الله ،وإلى الإيمان به وبرسوله ،وإلى اليقين بموعوده ،وإلى التصديق بكتابه ،وإلى الكفر بالطاغوت وأوليائه ،وإلى موالاة أولياء الرحمن صفوة خلقه ،ومعاداة أولياء الشيطان .روى مسلم ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا ،أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا ،يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا ) ،وروى الإمام أحمد (عَنْ كُرْزٍ الْخُزَاعِيِّ رضي الله عنه قَالَ :سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هل للإسلام من منتهى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (نعم أيما أهل بيت من العرب والعجم أراد الله بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام ، ثم تقع الفتن كأنها الظلل) ،فحال المؤمنين هو حال المصدقين الموقنين ،الذين يقولون سمعنا وأطعنا ،لا تزيدهم الفتن إلا إيمانا ويقينا ، فكيف بدواعي الإيمان من الكلم الطيب والعمل الصالح ؟، قال الله تعالى : ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ) التوبة /124 ، 125، وقال الله تعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ) الإسراء/82 ،وقال الله تعالى : (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) الأحزاب / 22 ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَنْ كَانَ مِنْكُمْ تَسُرُّهُ حَسَنَتُهُ وَتَسُوؤُهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فحال المؤمن : فهو على خير حال ، في كل حال ،يزداد بالطاعة إيمانا ،ولا تضره فتنة ما اختلف الليل والنهار ،روى مسلم (عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ : عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ،وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ )، قال النووي :” قَالَ صَاحِب التَّحْرِير : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الرَّجُل إِذَا تَبِعَ هَوَاهُ وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِي دَخَلَ قَلْبه بِكُلِّ مَعْصِيَة يَتَعَاطَاهَا ظُلْمَة , وَإِذَا صَارَ كَذَلِكَ اُفْتُتِنَ وَزَالَ عَنْهُ نُور الْإِسْلَام . وَالْقَلْب مِثْل الْكُوز فَإِذَا اِنْكَبَّ اِنْصَبَّ مَا فِيهِ ، وَلَمْ يَدْخُلهُ شَيْء بَعْد ذَلِكَ ” ،فالعبد ما دام يسمع ويطيع لمولاه ، ويوالي فيه ، ويعادي فيه ، ولا شيء أحب إليه من طاعة سيده ومولاه ، ولا أكره لديه من عصيانه والبعد عن صراطه ، ولا تزيده الفتن إلا تعلقا به إيمانا ويقينا ، فهو المؤمن حقا ،وأما من انشغل بالهوى عن الهدى ، وآثر محبة عدوه على طاعة ربه ،وكلما وردت فتنة عصفت بقلبه ،ثم لا يزال في الشك والحيرة ،قليل الحظ من اليقين : فذاك مدخول الإيمان .
الدعاء