خطبة عن حُبُّ الْمَالِ وَطُولُ الْعُمُرِ ( يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ حُبُّ الْمَالِ وَطُولُ الْعُمُرِ)
سبتمبر 25, 2021خطبة عن ( من رضي بالْخَطِيئَة ) مختصرة
سبتمبر 25, 2021الخطبة الأولى ( وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام مسلم في صحيحه : (عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقْرَأُ (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قَالَ : « يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي – قَالَ – : وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ». وفي رواية له : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاَثٌ مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ ».
إخوة الإسلام
في هَذا الحَديثِ النبوي الكريم ، يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (يَقولُ العَبدُ: مَالي مالي)، ثُمَّ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الَّذي يَحصُلُ له مِن مالِه ثَلاثُ مَنافعَ، لكنَّ مَنفعَةً واحدةً منها هي المنفعةُ الباقيةُ، وأنَّ غيرَها مِن المنافِع فانٍ؛ أمَّا المنفَعةُ الأُولَى هِي قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (ما أَكَلَ) واستَعْمَلَه مِن جِنسِ المَأكولاتِ والمَشْروباتِ (فأَفْنى)، أي: فأَعْدَمَهما، والمنفَعَةُ الثَّانيةُ وهي ما لَبِسَ منَ الثِّيابِ (فَأَبْلى)، أَي: فأَخْلَقَها، وأَمَّا المَنفعةُ الثَّالثةُ الباقيةُ وَهِيَ قَولُه: (أو أَعْطَى للهِ تَعالى فَاقْتَنَى)، أي: أَعطى اللهُ تَعالى وتَصدَّقَ به فَادَّخرَ ثَوابَه وجَعلَه ذَخيرةً للعُقْبَى ،(وَما سِوَى ذلكَ) أي: وما عَدا ما ذَكَر مِن سائِرِ أَنواعِ المالِ مِنَ المواشي والعَقارِ والخَدمِ والنُّقودِ والجَواهرِ ونَحوِ ذَلكَ. (فَهو)، أيِ: العَبدُ (ذاهبٌ) عَنه (وتارِكُه للنَّاسِ) وَهُمُ الوَرثةُ أو غَيرُهم، بِلا فائدةٍ راجِعةٍ إِليه، مَع أنَّ مُطالبةَ المُحاسبَةِ والمُعاقَبَةِ عَليه. فالإنسان ينبغي له أن يكون زهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة، وأن الله إذا رزقه مالًا فليجعله عونًا على طاعة الله، وليجعل الدنيا في يده لا في قلبه، حتى يربح بالدنيا والآخرة ،قال تعالى : ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ العصر: 1-3
أيها المسلمون
وأما كون المؤمن يتكسَّب ليستر عورته، أو ليأكل حاجته، أو ليتصدق ويُحْسِن إلى الناس؛ فلا بأس أن يحرص على ما ينفعه، ولكن لا يشغله ذلك عن الآخرة، فالتجارة والعمل لا يشغله عن الآخرة، وقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ..) ،ولما سُئل صلى الله عليه وسلم : أيُّ الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، (فعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ : أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ ؟ قَالَ : عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ } رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ ، فلا مانع للإنسان أن يتَّجر، ولا مانع أن يزرع، ولا مانع أن يعمل الأعمال الأخرى من: نجارةٍ، أو حدادةٍ، أو غير ذلك، ليستعين بها على طاعة ربه، ولا تشغله عن الآخرة. ومَن جمع بينهما فلا حرج عليه، كما جمع الصَّحابةُ: كعبد الرحمن بن عوف، والصديق، وعمر، وغيرهم، جمعوا بين الدين والدنيا، فهم من أهل الأموال، ومن أهل الاستقامة والصلاح، بل من العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عنهم وأرضاهم. والمقصود من هذا : أن المؤمن يعدّ للآخرة، ولا يُشغل بما يصدّه عن الآخرة، بل يكون عنده الجدّ في طاعة الله، والعمل بطاعة الله، والحذر مما يشغله عن الآخرة، ولا بأس أن يعمل ، ولكن عليه أن يتحرَّى الحقَّ والصدقَ وعدم الغش، فإذا فعل ذلك فقد جمع بين الأمرين: جمع بين خيري الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : « يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاَثٌ مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى ،أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ ». فمال العبد في الحقيقة هو ما قدمه لنفسه ، ليكون له ذخراً بعد موته، وليس ماله ما جمع فاقتسمه الورثة بعده، فالذي يخلفه الإنسان من المال ، وإن كان منسوباً إليه؛ فإنه بانتقاله إلى وارثه يكون منسوباً للوارث ، وفي صحيح البخاري : (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ . قَالَ « فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ » . قال ابن حجر: “«فإن ماله: ما قدم» أي: هو الذي يضاف إليه في الحياة وبعد الموت، بخلاف المال الذي يخلفه. وقال ابن بطال وغيره: فيه التحريض على تقديم ما يمكن تقديمه من المال في وجوه القربة والبر؛ لينتفع به في الآخرة، فإن كل شيء يخلفه المورث يصير ملكاً للوارث، فإن عمل فيه بطاعة الله اختص بثواب ذلك، وكان ذلك الذي تعب في جمعه ومنعه، وإن عمل فيه بمعصية الله فذاك أبعد لمالكه الأول من الانتفاع به؛ إن سلم من تبعته. ولا يتعارض ذلك مع ما جاء في الصحيحين : قوله صلى الله عليه وسلم (لسَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ … ( إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ ) ،فما تدخره لمن بعدك فينتفع به فليس في الحقيقة يعتبر مالاً لك، وما قدمته بين يدي الله من الصدقات والأوقاف التي أردت بها وجه الله هو المال الحقيقي لك، فهو الذي ينفعك يوم القيامة. قال رجل للحسن: إني أكره الموت! ، فقال الحسن: “ذاك أنك أخرت مالك! ولو قدمته لسرك أن تلحق به” ، وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على غرس هذا الأمر وتقريره في نفوس صحابته رضي الله عنهم، بإخبارهم بأن من مات وترك مالاً للورثة لم ينتفع به بعد موته؛ إلا ما كان صدقة جارية، فذلك هو مال العبد الحقيقي ، ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد وعى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك جيداً؛ فزهدوا بالدنيا، وأكثروا من الصدقة ، فحياة العبد دار امتحانه وموضع سعيه، وبموته ينقطع عمله ويتوقـف كسبه؛ فلا ينقـص مـن حسناته ولا يزاد إلا بأعمال محددة جلاها الشارع وأوضحتها النصوص الشرعية. ومن أجلِّ الأعمال التي تزيد الحسنات وأبرزها: الصدقة الجارية، الباقية بعد موت العبد؛ سواء ما كان منها في سبيل نصرة الدين، أو في تخفيف معاناة المعوزين، أو غير ذلك من أبواب البر، فلو لم يكن في الصدقة من فضل إلا هذا لكان فيه كفاية لمن عقل وأراد النجاة. فيا من إذا مات انقطع عمله، وفاته أمله، وحق ندمه، وتوالى همه! احرص على ما ينفعك، وأكثر صدقتك التي يجري أجرها لك بعد موتك؛ فإن ذلك قرض منك لك مدخر عند ربك فأفضل وسيلة لاستثمار الأموال هي: الصدقة الجارية، الباقية بعد أن توزع الأموال للورثة، وبعد أن ينقطع العمل بانقطاع الحياة، وهذه الوسائل والسبل سلكها من سبقونا فعادت عليهم الأرباح في الدنيا: سكينة في النفس، وطمأنينة في القلب، وبركة في العمر والرزق والبدن والزوجة والولد، ورحمة ومحبة في قلوب الخلق، وعادت منافعها عليهم في الآخرة : ثواباً موصولاً لا ينقطع، فانتفع بالصدقة الجارية جميع الناس أحياءً وأمواتاً ، قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ؛ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون} [المنافقون:10-11].
الدعاء