خطبة حول المنافقين وحديث (أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمُ اللِّسَانِ)
يوليو 15, 2023خطبة عن (الهجرة) مختصرة
يوليو 19, 2023الخطبة الأولى ( يَدُ اللَّهِ مَلأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ – وَقَالَ – يَدُ اللَّهِ مَلأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ – وَقَالَ – أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع هذا الحديث القدسي ، والذي يتبين لنا من خلاله كرم الخالق سبحانه وتعالى ،وجوده وعطاؤه وسخاؤه وفضله على خلقه ، وإذا كان الله سبحانه وتعالى كريما جوادا ، فهو يحب أهل الكرم والجود والسخاء والانفاق في سبيله ، فيقول الله تعالى في محكم آياته : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (261) ،(262) البقرة ، وقال الله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (265) البقرة ، وقال الله تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) البقرة 267، وفي السنة المطهرة الكثير والكثير من الأحاديث التي تحث المسلمين على الانفاق في سبيل الله ، والتخلق بخلق الكرم تقربا إلى الله تعالى ، ومن ذلك : ما رواه الامام مسلم في صحيحه : (قَالَ شَدَّادٌ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ وَلاَ تُلاَمُ عَلَى كَفَافٍ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ».، وفي الموطإ للإمام مالك (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ مِسْكِينًا سَأَلَهَا وَهِىَ صَائِمَةٌ وَلَيْسَ فِي بَيْتِهَا إِلاَّ رَغِيفٌ فَقَالَتْ لِمَوْلاَةٍ لَهَا أَعْطِيهِ إِيَّاهُ. فَقَالَتْ لَيْسَ لَكِ مَا تُفْطِرِينَ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ أَعْطِيهِ إِيَّاهُ قَالَتْ فَفَعَلْتُ – قَالَتْ – فَلَمَّا أَمْسَيْنَا أَهْدَى لَنَا أَهْلُ بَيْتٍ – أَوْ إِنْسَانٌ – مَا كَانَ يُهْدِى لَنَا شَاةً وَكَفَنَهَا فَدَعَتْنِى عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ كُلِى مِنْ هَذَا هَذَا خَيْرٌ مِنْ قُرْصِكِ).، وروى الامام أحمد في مسنده : (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلاَّ بُعِثَ بِجَنَبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الأَرْضِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى وَلاَ آبَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلاَّ بُعِثَ بِجَنَبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الأَرْضِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً وَأَعْطِ مُمْسِكاً مَالاً تَلَفاً »
أيها المسلمون
أما عن الحديث القدسي الذي تصدرت به هذه الخطبة اليوم ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ) ، والمعنى يبنه الحديث الذي روي في الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا » ، فمن أنفق من ماله في سبيل الله ، أنفق الله عليه وأخلفه خيرا مما أنفق ، وزاده من فضله ، فقد قال الله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (245) البقرة ، وقال الله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (11) الحديد،
وأما قوله في الحديث القدسي : (يَدُ اللَّهِ مَلأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) ، فقوله : (يَدُ اللَّهِ مَلأَى ) ، قَالَ الإمَامُ ابن تيمية في العقيدة الواسطية: (من الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريفٍ ولا تعطيل، ومن غير تكييفٍ ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا يُنفُون عنه ما وصف به نفسه، ولا يُحَرِّفون الكلم عن مواضعه، ولا يُلحِدون في أسماء الله وآياته، ولا يُكَيِّفُون ولا يُمَثِّلون صفاته بصفات خلقه، لأنه سبحانه لا سميَّ له، ولا كُفُوَ له، ولا نِدَّ له، ولا يُقَاس بخلقه سبحانه وتعالى، فإنه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً من خلقه، ثم رسله صادقون مصدوقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون، ولهذا قال: ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ) فسَبَّح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلَّم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب، وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمىَّ به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين). ،
والمعنى المقصود من قوله ((يَدُ اللَّهِ مَلأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) أيْ: يد الله تعالى شديدة الامتِلاء بالخَير، كثيرة النعم ، واسعة الفضل ، كثيرة العطايا ، وقيل : خص اليمين ؛ لأنها مظنة العطاء ، أو إشارة إلى يمن العطاء وبركته ، فمن تلقاه بالقبول والرضا بورك له في قليله حتى فاق على كثير ليس كذلك على ما هو مشاهد ، وورد في الحديث : ( وكلتا يديه يمين ) أي : مباركة قوية قادرة لا مزية لإحداهما على الأخرى ، وقوله : (لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ) ، أي لا تنقصها النفقة ، ولا تنفذ خزائنه من كثرة العطايا ، (سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) أي: كثيرةُ العطاءِ في كل وقت وحين ، فهي دائمة الصب في الليل والنهار ، وفيه قوله (سَحَّاءُ ) إشارة إلى أنها المعطية عن ظهر غنى ؛ لأن الماء إذا انصب من فوق انصب بسهولة ، وإلى جزالة عطاياه ؛ لأن السح يستعمل فيما بلغ وارتفع عن القطر حد السيلان ، وإلى أنه لا مانع لإعطائه لأن الماء إذا أخذ في الانصباب لم يستطع أحد أن يرده ،
وأما قوله : (أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ) ، فالمعنى : أخبروني ماذا أنفق منذ خلق السماوات والأرض ، ومن يستطيع إحصاءها؟ ، والجواب : لا أحد ، فهذا الانفاق رغم كثرته فإنه لم ينقص مما في خزائنه شيئا ، فإن قال قائل : معلوم أنه لا يغيض مما في يده ،لأنه ينفق مما في يده على ما في ملكه ،فالكل لم يخرج عن ملكه فكيف يتصور النقص ؟ ، قال العلماء :هذا مثل المراد أنه لو قدر أنه ينفق خارج ملكه ،لم يكن ذلك ناقصاً مما عنده ، كما جاء في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم : (يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ) ، فإذا غمست المخيط في البحر ثم نزعته ما الذي ينقص من البحر؟ ، لا شيء ، فهذا من باب التمثيل ، ليبين لنا سعة رحمته ، وعطائه وجوده وكرمه ، قال الله تعالى : (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) المائدة 64،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يَدُ اللَّهِ مَلأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما قوله في الحديث : (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) ، قالوا : هذا ماء غير الماء الأول الذي كان قبل خلق السماوات والأرض ،هذا ماء آخر بين السماء السابعة والعرش ، هو ماء عظيم عليه العرش ، وفي سنن ابن ماجه : (عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِى رَزِينٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ قَالَ « كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ ثُمَّ خَلَقَ الْعَرْشَ عَلَى الْمَاءِ ».وفي سنن البيهقي : « كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ »،
وأما قوله في الحديث : (وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ ) ،فالمعنى : بإحدى اليدين العطاء ، والأخرى فيها العدل ، فهو بعدله وقهره يخفض ويرفع ، يخفض أقواما ويرفع آخرين ، يرفع أهل الإيمان والعمل الصالح ، من الانفاق والبر والاحسان وغيرها من صالح الأعمال ، ويخفض ويذل أهل الكفر والفسوق والضلال والنفاق ، وقيل : معنى قوله : (وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ) أي: بقدرته وتصرفه ميزان الأعمال ، والأرزاق (يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ ) أي : ينقص النصيب ، والرزق باعتبار ما كان يمنحه قبل ذلك ، ويزيد بالنظر إليه . بمقتضى قدره الذي هو تفصيل لقضائه الأول ، أو يخفض ويرفع ميزان أعمال العباد المرتفعة إليه يقللها لمن يشاء ، ويكثرها لمن يشاء كمن بيده الميزان ؛ يخفض تارة ، ويرفع أخرى ،وقيل : المراد به العدل يعني ينقص العدل في الأرض تارة بغلبة الجور وأهله ، ويرفعه تارة بغلبة العدل وأهله .
الدعاء