خطبة حول معنى قوله تعالى ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ )
يناير 24, 2023خطبة حول قوله تعالى ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)
يناير 31, 2023الخطبة الأولى ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاَقِ وَالأَعْمَالِ وَالأَهْوَاءِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام الترمذي في سننه ، وصححه الألباني في الصحيح الجامع : (عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ عَنْ عَمِّهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاَقِ وَالأَعْمَالِ وَالأَهْوَاءِ » ،وفي رواية : ( اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من منكراتِ الأخلاقِ والأعمالِ والأهواءِ والأدواءِ)
إخوة الإسلام
لقد كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُكثِرُ مِن الدُّعاءِ للهِ تعالى؛ تَضرُّعًا ورجاءً وخوفًا، وكان صلى الله عليه وسلم في دُعائِه يَستَزيدُ مِن الخيراتِ والرَّحماتِ والغُفرانِ، ويَستَعيذُ مِن الشُّرورِ والآثامِ والمنكَراتِ ، وفي هذا الحديثِ -الذي هو بين أيدينا اليوم -إن شاء الله- ، يقولُ قُطْبَةُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: “كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يقولُ :”، أي: في دعائِه: “اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك”، أي: ألجأُ إليك ، وأستجيرُ بكَ، “مِن مُنكَراتِ الأخلاقِ : “، أي: ما يُنكَرُ مِن الأفعالِ الباطنةِ ؛ كالحِقدِ ،والحسَدِ ،والكِبْرِ ،وما شابَه، فالمُنكَرُ: هو ما عُرِفَ قُبْحُه مِن جهةِ الشَّرعِ، فالمعنى : يا اللَّه ، أجرني من الأخلاق السيئة ، التي ينكرها العباد، كالبخل, والجبن, وسوء اللسان من: السب، والشتم، والقذف، والتعدي بالجوارح: بالضرب باليد، أو الرجل؛ فإن الأخلاق المنكرة سببٌ لجلب كل شر، ودفع كل خير ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (والأعمال) : أي أعوذ باللَّه من الأعمال السيئة: كالقتل، والزنى، وشرب الخمر، والسرقة, والبطش, والتعدي, والظلم بغير حق، وغير ذلك ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (والأهواء) : (جمع هوى): وهو هوى النفس, وميلها إلى المستلذات, والانهماك في الشهوات الباطلة, والاستعاذة كذلك من الزيغ والضلالات الفاسدة في الاعتقادات، والشبهات فإن الشر كل الشر أن يكون الهوى يُصيِّر صاحبه باتباعه كالعابد له, فلا شيء في الشر أزيد منه؛ لأنه يضيع الدنيا والدين ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (والأدواء) : (جمع داء، وهو المرض)، والمعنى: أعوذ بك من منكرات الأسقام، والأمراض الخطيرة, مثل الجذام، والبرص، والسل، والسرطان والإيدز، وغير ذلك، فهذه كلها بوائق الدهر, وإنما استعاذ صلى الله عليه وسلم من هذه الأربع المنكرات؛ لأن ابن آدم لا ينفك منها في تقلبه في ليله ونهاره ، وقد قيل: أن هذا الدُّعاء الوارد في هذا الحَديثِ هو مِن بابِ تَعليمِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إيَّاه لأمَّتِه؛ لأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كان معصوما من هذه الأمورِ ، فالنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من المنكرات ، ومعصوم من الخطايا والدنايا، فهو يستعيذ بالله افتقاراً إلى الله ، وتذللاً له عز وجل ، واعترافاً بالعبودية، وفي الوقت ذاته فيه تعليم لنا، فإذا كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ من أمور قد حفظه الله وعصمه منها، فإن ذلك في الحقيقة تعليم لنا نحن أن نحرص على هذه التعوذات ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يخاف علينا من بعده شهوات الغي في بطوننا وفروجنا، ويخاف علينا من مضلات الهوى ، قال ابن حجر العسقلاني: (الأهواء المنكرة هي الاعتقادات الفاسدة المخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة ، والأدواء، هي جمع الداء بمعنى سيئ الأسقام، و«منكرات الأخلاق»، سوء المعاملة مع الخلق، فهي ضد محاسن الأخلاق). وهذا الدعاء هو من جوامع الأدعية، حيث اشتمل على الاستعاذة بالله من منكرات الأخلاق ومن المعاصي والأهواء المضلة، ومن سيئ الأسقام والأمراض، فينبغي للمسلم أن يحرص على هذا الدعاء، ودل على أن الأخلاق تنقسم إلى أخلاق حسنة وأخلاق منكرة، ومطلوب من المسلم أن يسأل الله أن يهديه لأحسن الأخلاق، وأن يصرف عنه سيئها ومنكراتها. والمعاصي كلها من منكرات الأعمال، فمن عصى الله تعالى فقد عمل عملاً منكراً،
أيها المسلمون
ومن أهم الفوائد والاحكام التي يمكن أن نستنبطها من هذا الحديث النبوي الكريم : أولا : فضل هذا الدعاء الوارد في هذا الحديث، وهو من جوامع الأدعية ، حيث أنه اشتمل على الاستعادة بالله من منكرات الأخلاق ،ومن المعاصي ،ومن الأهواء المضلة ،ومن سيء الأسقام والأمراض، فينبغي للمسلم أن يحرص على هذا الدعاء الجامع ، فهو من الأدعية العظيمة الجامعة. ثانيا : دل هذا الحديث على : أن الأخلاق تنقسم إلى أخلاق حسنة ، وأخلاق منكرة، وفي حديث الباب استعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأخلاق المنكرة ، وقد ثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم يسأل الله أن يهديه لأحسن الأخلاق، كما جاء في صحيح مسلم : (عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ قَال(..وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِى لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّى سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّى سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ ..) ،فالأخلاق منها منكره ،ومنها حسنة، ومطلوب من المسلم أن يسأل الله أن يهديه لأحسن الأخلاق ،وأن يصرف عنه سيء الأخلاق ،ويصرف عنه منكرات الأخلاق، فبعض الناس قد تجده يحاول أن يجاهد نفسه على تحسين أخلاقه، ولكنه يغفل عن الدعاء ، فنقول له : ادع الله أن يهديك إلى أحسن الأخلاق، ادع الله أن يجنبك منكرات الأخلاق، فللدعاء شأن عظيم مع ما تبذله من جهد في حرصك على تحسين خلقك. ثالثا : ومما يرشد إليه هذا الحديث : أن المعاصي كلها من منكرات الأعمال، فمن عصى الله تعالى فقد عمل عملا منكرا، ومن الأدعية التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم أن يسأل الله أن يجنبه الوقوع في المعاصي ومنكرات الأعمال. رابعا : ومما يرشد إليه هذا الحديث : أن الأهواء نوعان : منكر ومعروف، فمن كان هواه تبعا لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو من المعروف، وأما من كان هواه مخالفا لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو من الأهواء المنكرة المضلة، وقد يتدرج الهوى المنكر بالإنسان إلى أن يتخذه الإنسان إلها يعبد ، قال الله تعالى : {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان:43] ، وقال الله تعالى : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} [الجاثية:23] ، فانظر كيف جعل الله تعالى الهوى يعبد ، وعبادته تعني طاعته ، والاستجابة لمطالبه ، فكلما هوت نفسه شيئا تابعها عليه ،ولا ينظر كونه حلالا أم حراما، فهذا اتخذ إلهه هواه ، فأي شيء يريد أن يفعله يفعله ، وأي شيء يريد أن يتكلم به يتكلم به ، وكل شيء تهواه نفسه يفعله، فهذا من اتخذ إلهه هواه .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاَقِ وَالأَعْمَالِ وَالأَهْوَاءِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومما يرشد إليه هذا الحديث : أنه لا بأس بالاستعاذة بالله من الأمراض المنكرة، وأن هذا ليس مخالفا للسنة ،ولا منافيا للرضا بالقضاء والقدر، ففي حديث الباب استعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأدواء التي هي الأمراض، وفي سنن أبي داود وصححه الألباني : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ ».، فإذا نزل المرض بالإنسان فلا بأس أن يسأل الله الشفاء ،وهذا نوع من الرفع ،لأن المرض من البلاء الذي يبتلى به الإنسان ، وإذا مرض الإنسان ضاقت نفسه ، وصار لا ينشرح صدره للعبادة ولا للخلق كما كان ينشرح لو كان سليما معافى، فإذا رزق الله تعالى الإنسان صحة ونشاطا وانشراح صدر كان ذلك عونا له على العبادة، ولهذا لا بأس بل ينبغي الاستعاذة بالله تعالى من سيء الأسقام ، ومن منكرات الأدواء ، ولا بأس أن تسميها، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث السابق سمى بعضها ما هو موجود في زمنه ، لو أضاف شخص بعض الأمراض المشهورة اليوم ( مثل السكري والضغط والسرطان وغير ذلك لابأس بها) ، فالاستعاذة بالله تعالى من الأمراض من الأمور التي يغفل عنها كثير من الناس ، فينبغي على المسلم أن يحرص عليها، لأنك إذا وقاك الله تعالى من الأمراض كما ذكرنا تستطيع أن تأتي بالعبادة بانشراح صدر ،وبخشوع ،وتستطيع أن تطلب العلم ،وأن تقوم بالواجبات، بخلاف الإنسان المريض فإنه مشغول بنفسه ، وفي صحيح مسلم (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَادَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ ». قَالَ نَعَمْ كُنْتُ أَقُولُ اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « سُبْحَانَ اللَّهِ لاَ تُطِيقُهُ – أَوْ لاَ تَسْتَطِيعُهُ – أَفَلاَ قُلْتَ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ». قَالَ فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ).وبهذا يتبين أيضا خطأ قول بعض العامة: ” عذاب الدنيا ولا عذاب الآخرة” فهذا خطأ أنكره النبي -عليه الصلاة والسلام- ، قال الله تعالى : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (200) :(202) البقرة
الدعاء