خطبة حول حديث ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ)
ديسمبر 31, 2022خطبة عن (إنها السننُ، إنها السننُ )
ديسمبر 31, 2022الخطبة الأولى ( اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِى عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ».
إخوة الإسلام
الدعاء من أهم أسلحة المؤمن؛ به يرفعُ الله البلاء، وبه يُنصر المسلم على الأعداء، وبه يفرّج عنه كربات الدنيا والبرزخِ ويومِ القيامة، ولذلك فقد حرص القرآن الكريم أن يُعلّمنا شيئًا من هذه الدعوات الطيّبات ، كما في خواتيم سورة البقرة ،وفي غيرها من السّور الكريمات ، وأيضًا ذكر لنا القرآنُ الكريمُ أدعيةَ بعض الأنبياء المكرَّمين ، لنقتدي بهم في دعائهم (عليهم السلام) ، كما حرص الصحابةُ المطهَّرين رضوان الله عليهم أجمعين على نقل دعوات النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي آتاه ربُّه عزّ وجلّ جوامعَ الكلم في الدعاء وغير الدعاء، فهو – صلى الله عليه وسلم- لم يترك خيّرًا قط إلَّا وبيّنه لنا – حتى نقتديَ به (صلى الله عليه) وننتفع بما علّمنا ،
وفي هذا الحديث الذي بين أيدينا اليوم ، تقول أم المؤمنين عائشة ( رضي الله عنها ) : (فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ ،فَالْتَمَسْتُهُ ،فَوَقَعَتْ يَدِى عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ ،وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ ،وَهُوَ يَقُولُ : « اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ) ، فأم المؤمنين افتقدت النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة، فلم تجده على فراشه؛ فذهبت تبحث عنه ،وكانت تظن -رضي الله عنها- أنه قد ذهب إلى بعض نسائه، ثم وجدته -صلى الله عليه وسلم- وهو راكع أو ساجد، يقول: “اللَّهُمَّ إني أَعُوذ بِرِضَاك من سَخَطِك” أي: ألتجئ إلى هذه من هذه، والشيء إنما يُداوى بضده، فالسَخَط ضده الرضا، فيستعيذ برضا الله – تعالى- من سَخَطه، فهو صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله عز وجل بالأعمال الصالحة عن الأعمال السيئة؛ لأن الأعمالَ السيئة تُوجِب الغضبِ والسَّخَطَ ، والأعمالَ الصالحةَ تُوجِب الرَّضَا، وفي هذا دليل على أنه يجوز بل يشرع التعوذ بصفات الله من صفات الله ، والتعوذ بالله من الله، فهو يتعوذ برضاه من سخطه: فقوله صلى الله عليه وسلم : (أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ) فهذا من باب التعوذ بالصفة من الصفة، قال الإمام أبو سليمان الخطابي – رحمه الله تعالى – : ( في هذا معنى لطيف ؛ وذلك أنه استعاذ بالله تعالى ،وسأله أن يجيره برضاه من سخطه ، وبمعافاته من عقوبته ، والرضاء والسخط ضدان متقابلان ، وكذلك المعافاة والعقوبة ، فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له وهو الله – سبحانه وتعالى – استعاذ به منه لا غير ، ومعناه الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من حق عبادته والثناء عليه) ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ) ، فالمعنى : أستعيذ بمعافاتك من الذنوبِ وآثارِها وعقوباتـِها ، وهذا يتضمنُ سؤالَ المغفرةِ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ ) أي : استعيذ بالله مِن الله -عز وجل- وذلك؛ لأنه لا مَنْجَى ولا مَلْجَأ من الله إلا إليه، فلا أحد ينجيك من عذاب الله إلا الله -عز وجل-.وهذا أشمل وأعمُّ أنه يتعوّذ بالله من الله عز وجل؛ (وبك منك) يعني: بقوتك وقدرتك على عذابي وعقوبتي بعدلك وعفوك وفضلك وإحسانك، فيتوسل من صفات العدل وصفات العقوبة ، بصفات العفو والإحسان والجود والكرم، وكلها صفات لله جل وعلا. ، فالإنسان يتعوذ برضاه من غضبه وبعفوه من عقوبته، وبحلمه وصبره وإحسانه من عقوبته لعبده وحرمانه لفضله.. إلى غير ذلك مما قد يقع للعبد بسبب ذنوبه وسيئاته.، فهو تعوذ بصفاته من صفاته، وهو تعوذ بالله جل وعلا، والتعوذ بصفاته تعوذ به سبحانه وتعالى، ومثل ذلك: ما رواه مسلم في صحيحه : (عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةِ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِذَا نَزَلَ أَحَدُكُمْ مَنْزِلاً فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ. فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ ». ف (كَلِمَاتِ اللَّهِ) هي صفة من صفاته ، يتعوذ بها من شر ما خلق سبحانه وتعالى. ، وهكذا التعوذ بعزة الله ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِى الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِى تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ. ثَلاَثًا. وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ ».، وهذا كله من باب التعوذ بصفات الله من صفات الله، فيتعوذ بعزته وقدرته من شر ما يجد ويحاذر من آلام وأمراض، ويتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق من جن وإنس ، قال المناوي رحمه الله: ” (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ) أي برحمتك من عقوبتك ؛ فإن ما يستعاذ منه صادر عن مشيئته وخلقه ، بإذنه وقضائه ؛ فهو الذي سبب الأسباب التي يستفاد به منها ، خلقا وكونا ، وهو الذي يُعيذ منها ، ويدفع شرها خلقا وكونا ” “فيض القدير شرح الجامع الصغير” ، وقال ابن القيم رحمه الله : ” (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ) : فاستعاذ بصفة الرضا من صفة الغضب ، وبفعل العافية من فعل العقوبة ، واستعاذ به منه باعتبارين ؛ وكأن في استعاذته منه جمعاً لما فصله في الجملتين قبله ؛ فإن الاستعاذة به منه ترجع إلى معنى الكلام قبلها ، مع تضمنها فائدة شريفة ، وهي كمال التوحيد ، وأن الذي يستعيذ به العائذ ، ويهرب منه : إنما هو فعل الله ومشيئته وقدره ؛ فهو وحده المنفرد بالحكم ؛ فإذا أراد بعبده سوءا لم يعذه منه إلا هو ، فهو الذي يريد به ما يسوؤه ، وهو الذي يريد دفعه عنه ، فصار سبحانه مستعاذاً به منه باعتبار الإرادتين : يقول الله تعالى : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يونس (107) ؛ فهو الذي يمس بالضر ، وهو الذي يكشفه ، لا إله إلا هو ، فالمهرب منه إليه ، والفرار منه إليه ، والملجأ منه إليه ، كما أن الاستعاذة منه ؛ فإنه لا رب غيره ولا مدبر للعبد سواه ، فهو الذي يحركه ويقلبه ويصرفه كيف يشاء ” “طريق الهجرتين وباب السعادتين”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقوله صلى الله عليه وسلم : (لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ) (لَا أُحْصِي ثَنَاء عَلَيْك) أَيْ لَا أُطِيقهُ وَلَا آتِي عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : أي لَا أُحِيط بِهِ ، وَقَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى : مَعْنَاهُ لَا أُحْصِي نِعْمَتك، وَإِحْسَانك، وَالثَّنَاء بِهَا عَلَيْك وَإِنْ اِجْتَهَدْتُ فِي الثَّنَاء عَلَيْك ، فأنا يا رب مهما أثنيت عليك، فلا أستطيع أن أثني عليك بما تستحقه ،مهما بَالَغت في الثناء عليك، بل أنا قَاصرٌ عن أن يبلغ ثنائي قَدْر استحقاقك. “أنت كما أَثْنَيْتَ على نفسك” يعني أثني عليك ثناء كما أثنيت على نفسك ، فلا يمكن لأحد أن يحصي ثناء على الله كما أثنى الله على نفسه ، فَفي قَوْل العبد : ( أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسك ) اِعْتِرَاف بِالْعَجْزِ عَنْ تَفْصِيل الثَّنَاء ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِر عَلَى بُلُوغ حَقِيقَته ،فَوَكَّلَ ذَلِكَ إِلَى اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى الْمُحِيط بِكُلِّ شَيْء جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا ، وَكَمَا أَنَّهُ لَا نِهَايَة لِصِفَاتِهِ ،فإنه لَا نِهَايَة لِلثَّنَاءِ عَلَيْهِ جلّ وعلا؛ فكُلّ ثَنَاءٍ أُثْنِيَ بِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَثُرَ وَطَالَ وَبُولِغَ فِيهِ فَقَدَرُ اللَّه أَعْظَم ، وَسُلْطَانه أَعَزّ، وَصِفَاته أَكْبَر وَأَكْثَر ، وَفَضْله وَإِحْسَانه أَوْسَع وَأَسْبَغ .
الدعاء