خطبة عن (كيف تكون وليا لله؟)
يناير 16, 2023خطبة عن (اللعب المباح واللعب المحظور)
يناير 17, 2023الخطبة الأولى ( اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَأَنْتَ نَصِيرِي وَبِكَ أُقَاتِلُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه بسند حسنه: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا غَزَا قَالَ : «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَأَنْتَ نَصِيرِي وَبِكَ أُقَاتِلُ »، وفي رواية أبي داود : «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقَاتِلُ ».
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الأدب النبوي الكريم ، والذي يعلمنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء الغزو ولقاء العدو ،واللجوء إلى الله تعالى عند كل ضيق وكرب وشدة ، فالله سبحانه وتعالى هو أمان الخائفين، وهو أنيس المستوحشين، وجابر قلوب المفزوعين، ورابط نفوس الوجلين، وعندما تمرُّ بالعبد لحظات عصيبة، أو مواقف رهيبة، يُلزم فيها بلقاء من يخاف بطشه، ويخشى نقمته، وتنقطع عنه أسباب النجاة الدنيوية، ولا يبقى له إلا الحبل الممدود إلى السماء، بالدعاء والرجاء، فهو يدعو القريب المجيب، الذي بيده مقاليد السماء والأرض، وأمره بين الكاف والنون، فهو الذي يجير ولا يجار عليه، فمن له غير الله، يكيد له، ويدفع عنه، ويصد عند كيد الكائدين، ويرد عنه مكر الماكرين، وينجيه من عدوه، ويحميه مما يخافه، فإلى الله المفزع، وفيه المطمع، وبين يديه المآب والمرجع ، إنه الله ولا أحد سواه.. فعلِّق القلب بالرب، لتأوي إلى ركن شديد
وفي هذا الحديث الذي هو بين أيدينا اليوم ،علَّمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم أمَّتَه التَّوجُّهَ إلى اللهِ في كلِّ الأحوالِ، فيقولُ أنَسُ بنُ مالكٍ رَضِي اللهُ عنه: “كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم إذا غَزا”، أي: إذا خرَج للغَزْوِ، وهو مَوضِعُ شِدَّةٍ وكَرْبٍ، ولا مُفرِّجَ للكُرباتِ إلَّا اللهُ- دَعا اللهَ عزَّ وجلَّ و”قال: اللَّهمَّ أنتَ عَضُدي”، أي: قُوَّتي ومُعتمَدي الَّذي أعتَمِدُ عليه، “ونَصِيري”، أي: المُعينُ والمُغيثُ بالنَّصرِ، “بك أَحُولُ”، أي: بك أَدفَعُ الضَّررَ، وكيْدَ العدُوِّ، “وبك أَصولُ”، أي: وبِكَ أحمِلُ على العدُوِّ وأستَأصِلُه، “وبك أُقاتِلُ”، أي: أَقْدِرُ على قِتالِ أعدائِك، وهذا كلُّه مِن تسليمِ الأمرِ للهِ؛ فمِنْه الحولُ والقوَّةُ.
ومن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عند لقاء العدو :« اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكتاب ومُجرِيَ السَّحابِ ، وهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمهُم وانْصُرنَا علَيهِم » متفقٌ عليه . ، وعَن أبي مُوسى ، رضي اللَّه عنْهُ ، أنَّ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كانَ إذا خَاف قوماً قال : اللَّهُمَّ إنَّا نَجعَلُكَ في نُحُورِهِم ، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرورِهِم » رواه أبو داود بإسناد صحيحٍ .
أيها المسلمون
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علمنا الدعاء عند لقاء العدو ،فهذا لا يتنافى مع إعداد العدة ، وتجهيز الجيوش ،فقد قال الله تعالى : {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، أي: وَأَعِدُّوا لأعدائكم كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة والآلات ونحو ذلك مما يعين على قتال هم.، ومع إعداد العدة ، فلا يظن المسلم أن العدة والكثرة والأسلحة هي التي تنصره ، ولكن لابد أن يؤمن بأن النصر من عند الله ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (123) :(126) آل عمران ،
فالنصر ليس بكثرة عَدَدٍ ولا عُدَدٍ، وإِنَّما هو بيد الله الواحد القهار، الذي يخذل مَنْ يريد خذلانهم مهما بلغوا مِنْ الكثرة والقوة. وفي هذا تنبيه لنا ألَّا نعتمد على الأسباب مهما بلغت، فما هي إلا طمأنينة للقلوب وتَثْبِيت لها على الخير والحق، أَمَّا النصر الحقيقي الذي لا معارض له فهو من عند الله، ولهذا أدب الله عز وجل صحابة نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم- وهم خيار الخلق – حين أُعْجِبَ بعضهم بكثرتهم في غزوة حنين حتى قال قائلهم: «لَنْ نُغْلَبَ اليوم عَنْ قِلَّةٍ»، فَوُكِلُوا إِلَى هذه الكلمة، فَكَانت الْهَزِيمَة فِي الِابْتِدَاءِ، وفرّ معظم المسلمين من الميدان، واشتدت عليهم الأزمة حتى ضاقت عليهم الأرض – على رحبها وسعتها -، ثم ولوا منهزمين، إِلَّا رسول الله؛ فإِنَّه ثبت ولم يَفِرّ، وصمد ولم يتخاذل، بل كان يدعو ربه بدعائه الخاشع قائلاً: «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَأَنْتَ نَصِيرِي بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أقاتل».. فلما زال الْعُجْبُ عن الصحابة وعرفوا ضعفهم، أنزل الله السكينة عليهم، وأنزل جنوداً من عنده يثبتونهم ويبشرونهم حتى تحقق النصر، فمن أسباب النصر على الأعداء قوّة التوكل على الله، وكمال الثقة به، وقوّة التوجّه إليه والطلب منه. وهذه الأمور تقوى جدّاً من الضعفاء العاجزين الذين ألجأتهم الضرورة إلى أن يعلموا حقّ العلم أنّ كفايتهم ورزقهم ونصرهم من عند الله، وأنّهم في غاية العجز، فتنكسر بذلك قلوبهم، وتتوجّه إلى الله ثقة به وطمعاً في فضله وبرّه ورجاء لما في يديه الكريمتين ، فيُنْزِل الله لهم من نصره ورزقه ما لا يدركه القادرون، بل ييسّر للقادرين بسببهم من أسباب النصر والرزق ما لم يخطر لهم ببال، ولا دار لهم يوماً في خيال ، والسر في ذلك أَنَّ لِلَّهِ جنود السماوات والأرض، جميعها في ملكه، وتحت تدبيره وقهره، وهي لفرط كثرتها لا يعلم حقيقتها وعددها وقدرتها إلا هو سبحانه، فهو وحده الذي يكشف عما يريد الكشف عنه من أمرها، في الوقت الذي يريد وبالطريقة والهيئة التي يريدها، لذا فهي غيب كما قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر: 31].، وقد يَعْجَبُ الإنسان حين يعلم أَنَّ مِنْ هذه الجنود: الضعفاء والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، ففي مسند الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَبْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ».، ومعنى إِنَّما تنصرون وترزقون بضعفائكم: أي إِنَّما تُمَكَّنون من الانتفاع بما أخرجنا لكم وتعانون على عدوكم ويدفع عنكم البلاء والأذى بسبب وجود ضعفائكم بين أظهركم، أو بسبب رعايتكم لهم أو ببركة دعائهم، وذلك لأنهم أشد إخلاصاً في الدعاء وأكثر خضوعاً في العبادة لجلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا، ومن هنا استدل بعض العلماء على استحباب إخراج الشيوخ والصبيان في صلاة الاستسقاء؛ فالضعيف إذا رأى عجزه وعدم قوته تبرّأ عن الحول والقوة بإخلاص، ورقّ قلبه واستكان لربه وتضرع إليه، فيستجيب الله دعاءه ويحقق له رجاءه، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، بخلاف القوي فإنه يظن أنه إنما يغلب الرجال بقوته، فيكله الله إلى نفسه على قدر عجبه، ويكون ذلك سَبَباً للخذلان.
أيها المسلمون
وعلى المسلم أن يجمع بين التوكل على الله تعالى ، واليقين فيه ، وبين الأخذ بالأسباب: فقد يظن البعض أَنَّ هناك تعارضاً بين النصوص التي تمدح المؤمن القوي وتأمره بالأخذ بالقوة والاستعداد للأعداء ، وبين طلب النصر بالدعاء وشفاعة الضعفاء ، وعند التأمّل نجد أَنَّه لا تعارض، إذ المراد أَنَّه متى تمكّن المسلم من الأخذ بأسباب القوة المادية وتيسَّرت له، فعليه أنْ يسارع ولا يفرط ولا يقصر، وقد ورد الجمع بين الأمرين في قول الله عز وجل لنبيه: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: ٩٩].، والمعنى: استمر في جميع الأوقات على التقرب إلى الله بأنواع العبادات البدنية والمالية والقلبية، حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك، كما جمع النبي الكريم بين الأمرين في قوله: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلى اللَّه مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بالله ولا تَعْجَز.».، فقوله صلى الله عليه وسلم : «احْرِصْ على ما ينفعك» أمر بكل سبب ديني ودنيوي، بل أمر بالجد والاجتهاد فيه والحرص عليه، نية وهمة، فعلاً وتدبيراً ، وقوله صلى الله عليه وسلم : «واستعن بالله» أمر بالاعتماد التام على الله في جلب المصالح ودفع المضار، مع الثقة التامة بتحقيق ذلك ،أَمَّا إِذا لم يتمكَّن المسلم من الجمع بين الأمرين – كأن حبسه المرض في نفسه أو غيره -، فعليه خفض الجناح ورقة القلب والانكسار بمشاهدة جلال الجبار.،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَأَنْتَ نَصِيرِي وَبِكَ أُقَاتِلُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فقلب العبد وجوارحه في حالة استنفار تام في ذات الله؛ فالجوارح تستفرغ الوسع في الأسباب حتى يحس صاحبها من نفسه أنَّه لا مزيد، والقلب يستجلب رضا الله وعونه وثقته ورجاءه والطمع فيه، فإِنْ حدث وقعدت به الأسباب فليتحرك بقلبه إلى الله، فإِنَّ الله منجز له ما وعد، وليس هذا فحسب، بل ربما تَفَجَّرَتْ ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
أيها المسلمون
ومن الفوائد التي يمكن أن نستخلصها من الحديثِ الذي تصدرت به هذه الخطبة : الاستعانةُ باللهِ في الكُرُباتِ والالتِجاءُ إليه وقْتَ الكَرْبِ. وأن النصر كلّه من عند الله، فعلى العبد أن يتوكل على الله، ولا يركن لنفسه طرفة عين؛ فذاك الخذلان والخسران. وهذا الدعاء فيه كل مقومات الإيمان بالله والتوكل عليه. وعلى المسلم أن يقاتل بالله ولله ، ولتكون كلمة الله هي العليا. وينبغي على المسلم الاقتداء بالنبي –صلى الله عليه وسلم– في اللجوء إلى الله ودعاءه وقت الشدة. ولا حول ولا قوة للعبد إلا بربه؛ لأن القوة لله جميعًا.
الدعاء