خطبة حول الشهادة وحديث (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ)
مايو 6, 2023خطبة عن (التوحيد الخالص)
مايو 7, 2023الخطبة الأولى ( وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (4) الرعد
إخوة الإسلام
مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله العزيز ،نعيش معها لحظات طيبة – إن شاء الله- ، نتدبر معانيها ،ونفهم مراميها ،ونقطف من ثمارها ،ونرتشف من رحيقها المختوم ،وقد جاء في تفسير الامام الطبري في تفسيرها فقال : وفي الأرض قطع منها متقاربات متدانيات، يقرب بعضها من بعض بالجوار, وتختلف بالتفاضل مع تجاورها وقرب بعضها من بعض, فمنها قِطْعة سَبَخَةٌ لا تنبت شيئًا في جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع ، فقال ابن عباس: (الأرض تنبت حُلوًا, والأرض تنبت حامضًا, وهي متجاورة تسقى بماءٍ واحد) ،وقال الحسن : هذا مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني آدم ، ويقول : كانت الأرض طينة واحدة في يد الرحمن عز وجل ، فسطحها ،فصارت قطعا متجاورة ،فينزل عليها المطر من السماء ،فتخرج هذه زهرتها ، وشجرها وثمرها ونباتها ،وتخرج هذه سبخها وملحها وخبيثها ،وكل يسقى بماء واحد ، كذلك الناس خلقوا من آدم عليه السلام فينزل من السماء تذكرة فترق قلوب فتخشع ،وتقسو قلوب فتلهو ،ففي قوله تعالى :{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي: لقوم لهم عقول ، تهديهم إلى ما ينفعهم، وتقودهم إلى ما يرشدهم ، ويعقلون عن الله وصاياه وأوامره ونواهيه وأما أهل الإعراض، وأهل البلادة فهم في ظلماتهم يعمهون، وفي غيهم يترددون، لا يهتدون إلى ربهم سبيلا ، ولا يعون له قيلا.
أيها المسلمون
إن من أعظم الأسباب التي تحرك الإيمان ،وتثبته في نفوس البشر ، النظر في عظيم صنع الله عز وجل، والتأمل في بديع صنع الله في السماء والأرض، وهذه الآية الكريمة تلفتنا إلى النظر في الأرض التي نعيش عليها ، فالأرض يجاور بعضها بعضاً، مع أن هذه طيبة تنبت ما ينفع الناس وهذه سبخة مالحة لا تنبت شيئاً، ويدخل في هذه الآية اختلاف ألوان بقاع الأرض، فهذه تربة حمراء، وهذه بيضاء، وهذه صفراء، وهذه سوداء، وهذه محجرة، وهذه سهلة، وهذه سميكة، وهذه رقيقة، والكل متجاورات، فهذا كله مما يدل على الفاعل المختار لا إله إلا هو ، فهذا الاختلاف في أجناس الثمرات والزروع في أشكالها وألوانها وطعومها وروائحها وأوراقها وأزهارها، فهذا في غاية الحلاوة، وهذا في غاية الحموضة، وذا في غاية المرارة، وهذا أصفر، وهذا أحمر، وهذا أبيض، وكذلك الأزهار مع أنها كلها تستمد من طبيعة واحدة وهو الماء، مع هذا الاختلاف الكثير الذي لا ينحصر ولا ينضبط، ففي ذلك آيات لمن كان واعياً، وهذا من أعظم الدلالات على الفاعل المختار الذي بقدرته فاوت بين الأشياء وخلقها على ما يريد، ولهذا قال الله تعالى: {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} ، وكذلك البشر خلقوا من آدم، فينزل عليهم من السماء تذكرة فترق قلوب فتخشع وتخضع، وتقسو قلوب فتلهو وتسهو وتجفو، قال الحسن – رضي الله عنه – واللهِ ما جالس القرآنَ أحدٌ إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان، قال الله تعالى :{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } (82) الإسراء
أيها المسلمون
ويقول الشيخ :(علي الصلابي): عندما يتناول القرآن الكريم مشهد الطبيعة ،ويتغنى بجمال الزرع، فهو يعتمد المشهد الجمالي وسيلة، ويتناوله لغرض من الأغراض ،تلتقي كلها حول العقيدة، ففي ذلك دلالة على الألوهية، والوحدانية، وبرهان على البعث، وتذكير بنعم الله تعالى على الإنسان، وبيان لعلاقة الطبيعة بالله الخالق ،وهي علاقة العبودية بالألوهية، ومع ذلك فالهدف والغاية لا ينفيان أن يكون ذلك المشهد هو الحقيقة؛ الحقيقة الكونية، والحقيقة العلمية، والحقيقة الجمالية، فلا تهمل جوانب لإبراز جانب، كل هذا يعرضه القرآن بالأسلوب الجمالي البديع، وكأن الصياغة القرآنية لم يكن همها إلا الإعجاز البياني، وبهذا كان الإعجاز القرآني إعجازاً في كل الاتجاهات. قال تعالى: ﴿وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (الرعد: 4) ،ومن هذه المشاهد الأرضية ، نجد الكثير من الناس يمرون عليها فلا تثير فيهم رغبة التطلع إليها، إلا أن ترجع النفس إلى حيوية الفطرة والاتصال بالكون الذي هي قطعة منه انفصلت عنه لتتأمله ثم تندمج فيه “وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ” متعددة الشيات، وإلا ما تبين أنها “قِطَعٌ”، فلو كانت متماثلة لكانت قطعة، منها الطيب الخصب ومنها السبخ النكد، ومنها المقفر الجدب، ومنها الصخر الصلد، وكل واحد من هذه وتلك ألوان وأنواع ودرجات ،ومنها العامر والغامر، ومنها المزروع الحي ،والمهمل الميت، ومنها الريان والعطشان، ومنها ومنها، وهي كلها في الأرض متجاورات، هذه اللمسة العريضة الأولى في التخطيط التفصيلي، ثم تتبعها تفصيلات: “وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ” “وَزَرْعٌ” ، “وَنَخِيلٌ” ، تمثل ثلاثة أنواع من النبات، الكرم المتسلق، والنخل السامق، والزرع من بقول وأزهار وما أشبه مما يحقق تلوين المنظر،وملء فراغ اللوحة الطبيعية، والتمثيل لمختلف أشكال النبات ذلك النخيل، “صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ”، منه ما هو عود واحد ومنها ما هو عودان أو أكثر في أصل واحد، وكله “يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ” والتربة واحدة، ولكن الثمار مختلفات الطعوم، و “َنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ” فمن غير الخالق المدبر يفعل هذا وذاك؟ ، هذا النص القرآني يشير إلى حقيقة علمية وهي تكاثر النباتات بالأشطاء، وهي عبارة عن سيقان إضافية تنمو من براعم قاعدية عند المنطقة بين الجذر والساق، كما هو الحال في نباتات القمح والشعير ،من منا لا يذق الطعوم مختلفات في نبت البقعة الواحدة، فكم منا التفت هذه اللفتة التي وجه القرآن إليها العقول والقلوب؟ إنه بمثل هذا يبقى القرآن جديداً أبداً، لأنه يجدد أحاسيس البشر بالمناظر والمشاهد في الكون والنفس، وهي لا تنفد ولا يستقصيها إنسان في عمره المحدود ، ولا تستقصيها البشرية في أجلها الموعود “إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ”. ، ومرة ثالثة نقف أمام التقابلات الفنية في اللوحة بين القطع المتجاورات المختلفات، والنخل صنوان وغير صنوان والطعوم مختلفات والزرع والنخيل والأعناب، تلك الجولة الهائلة في آفاق الكون الفسيحة، يعود منها السباق ليعجب من قوم هذه الآيات كلها في الآفاق لا توقظ قلوبهم ولا تنبه عقولهم، ولا يلوح لهم وراءها تدبير المدبر وقدرة الخالق، كأن عقولهم مغلولة وكأن قلوبهم مقيدة، فلا تنطلق للتأمل في تلك الآيات،
أيها المسلمون
ومن المعلوم أن الزارع يزرع الأرض ويغرس الأشجار، فنأكل من ثمارها ونستظل بظلها، كما أن الفلاح يحرث الأرض ويبذر الحب وهو متوكل على ربه، فإذا بالحبة تنمو بقدرة الله سبحانه وتعالى فتصبح شجرة لها جذور، وساق، وسنابل، من الذي جعل الحبة حبات؟ إنه الله رب الأرض والسماوات ، فديننا الإسلامي الحنيف يحثّ المسلمين على عمارة الأرض وغرس الأشجار حتى عند قيام الساعة، كما جاء في الحديث الشريف أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال: «إِنْ قَامَت السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ «نخلة صغيرة أو شتلة»، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ»، (أخرجه أحمد). فنحن مطالبون بضرورة المحافظة على الأرض وزراعتها لأنها ثروة عظيمة ، لذلك يجب علينا ألاَّ نَدَعَ مساحة جرداء من دون زراعة، كما يجب علينا المحافظة على الأشجار والحدائق العامة وعدم الاعتداء عليها بقطعها وقلعها، فهي عنوان حضارة الأمم.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولقد حثَّنا النبي- صلى الله عليه وسلم على زراعة الأشجار من زيتون وأعناب ونخيل وغيرها، والأحاديث النبوية تجعل غرس الشجر من أعظم الأعمال الصالحة، لما رُوي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ»، (أخرجه مسلم). ومن المعلوم أن غرس النخل من الأعمال الصالحة التي تنفع صاحبها بعد موته، كما جاء في الحديث عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْماً، أَوْ كَرَى نَهَراً، أَوْ حَفَرَ بِئْراً، أَوْ غَرَسَ نَخْلاً، أَوْ بَنَى مَسْجِداً، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ»،(أخرجه البيهقي). ، فالأمم الراقية هي الأمم التي تستغل أرضها بالزراعة والتشجير ، فلا تدع شبراً واحداً غير مستغل، فالزراعة دعامة الاقتصاد الوطني، فمنها نأكل الخبز والطعام، ونلبس الملابس، ونشرب العصائر، ونستخرج الزيوت، ونقضي الأوقات السعيدة في الحدائق والغابات…. إلخ من الفوائد الكثيرة. لذلك يجب على المسلمين أن يشكروا الله سبحانه وتعالي على ما أولاهم من فضله وخيره، تقديراً لهذه الخيرات المحيطة بنا، واعترافاً بمِنَنِه، وطلباً للمزيد من برّه وخيره، فقد وعد سبحانه وتعالى الشاكرين على شكرهم، حيث قال سبحانه وتعالي: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، « إبراهيم: 7»، وقوله تعالي: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ* لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ)، « الواقعة: 68- 70». ،فعلينا أن نستثمر طاقاتنا ومنها الأرض، لأن الأرض من أهم عناصر الرقي والتقدم والحضارة، وليكن شعارنا: نزرع ولا نقطع، نزرع ولا نقلع.
الدعاء