خطبة حول ( ما استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم )
ديسمبر 10, 2022خطبة حول التسبيح، وقوله تعالى ( وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا )
ديسمبر 10, 2022الخطبة الأولى ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ) (73) النمل ، وقال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) (243) البقرة ،
إخوة الإسلام
إن فضل الله تعالى على خلقه عظيم ،ونعمه سبحانه وتعالى عليهم لا تعد ولا تحصى ، وأرزاقه لا تنقطع ، ومع ذلك كله فأكثرهم لا يشكرون , ومعظمهم لا يصبرون ,لقد غلبهم الجهل بالخالق ، والجهل بأنفسهم , فخفضوا من تعظيمهم للخالق ،وما قدروا الله حق قدره , وزادوا من تعظيم أنفسهم ، فأعطوها فوق قدرها ,فالشكور هو من أعطى لله حقه ،وعظم الله وقدره حق قدره , وعرف من نفسه حقيقتها ،فألجمها عن الكبر والاستعلاء , خاصة مع العلم اليقيني بأن الله تعالى يعلم ما تكن الصدور، وتخفي الضمائر , وعنده علم الغيب ، لا تخفى عليه خافية ،
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ) (73) النمل ،فقد جاء في التفسير الميسر أن المعنى : وإنَّ ربك لذو فضل على الناس؛ بتركه معاجلتهم بالعقوبة على معصيتهم إياه ،وكفرهم به، ولكن أكثرهم لا يشكرون له على ذلك، فيؤمنوا به ويخلصوا له العبادة ، وفي الوسيط لطنطاوي يقول : المعنى : وإن ربك – أيها الرسول الكريم – لذو فضل عظيم ، وإنعام كبير على الناس ، ومن مظاهر ذلك : أنه لم يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وعصيانهم ، ولكن أكثر هؤلاء الناس لا يشكرونه – سبحانه – على فضله وإنعامه ، والتعبير ” بأكثر ” للإشعار بأن هناك قلة مؤمنة من الناس ، ملازمة لشكر الله – تعالى – في السراء والضراء ، والعسر واليسر ، وقال السعدي في تفسيره : ينبه عباده على سعة جوده وكثرة أفضاله ويحثهم على شكرها، ومع هذا فأكثر الناس قد أعرضوا عن الشكر واشتغلوا بالنعم عن المنعم.
أيها المسلمون
إن من نعم الله تعالى وإفضاله على العبد أن يلهمه الشكر والثناء على نعم الله تعالى ؛ ففي ذلك صلاح له ، وطريق خير وفلاح، وبه يتحقق للإنسان المسلم زيادة النعم من جهة ، وتقييد النعم من جهة ثانية، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، والشكر من الأخلاق الكريمة التي أتصف بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد كان نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) هو سيد الشاكرين، فكان يقوم الليل حتى تتورم قدماه، ففي الصحيحين : (عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ أَتَكَلَّفُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ: ” أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا “، وقال الله تعالى عن نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 120-21]. ،ووصف الله عز وجل نبيه نوحًا عليه السلام بأنه كان عبداً شكوراً، فقال الله تعالى:﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3]، وقال الله تعالى عن نبيه سليمان عليه السلام: ﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40]. ،ويجب على المسلم أن يشكر ربه على نعمه الكثيرة ، والتي لا تعد ولا تحصى، ولا يكفر بنعم الله إلا جاحد ، قال الله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]. ،ويقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172]. وقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشكر الله تعالى على فضله وجوده ونعمه ، ففي سنن أبي داود : (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: ” يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فَقَالَ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ “، والإنسان الذي حُرم الشكر فقد حرم خيراً كثيراً،
أيها المسلمون
وقد جاء في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تبين لنا أن أكثر الناس لا يشكرون الله تعالى على نعمه وفضله وجوده وكرمه ، ومنها : قوله تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 243]. ،وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ * وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف: 9-10]. ،وقوله تعالى: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16- 17]. ، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [يونس: 60]. ، وقوله تعالى: ﴿ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [يوسف: 38].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والمتأمل والمتدبر لهذه الآيات التي بين الله تعالى فيها : (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ) : يتبين له الآتي : أولاً : أهمية الحرص على شكر الله تعالى على نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، والعاقل الفطن هو الذي يعرف نعم الله تعالى عليه ويشكره عليها ، أما العاصي والغافل فقد يتخذ هذه النعم في مزيد من المعاصي والذنوب والعياذ بالله. ثانياً : وصف الكثرة من الناس بأنهم لا يشكرون هو في نفس الوقت مدح للقلة على شكرهم لله تعالى، وهو أيضاً فضل ومنة من الله سبحانه عليهم بأن استحقوا مدح الله عز وجل لهم، ثالثاً : يجب وجوباً لازماً على كل أحد إخلاص التوحيد لله تعالى شكراً على فضله وإحسانه ونعمه العديدة التي لا تعد ولا تحصى، رابعاً : الكثير من الناس يغفل عن نعم الله تعالى التي يرفل بها في كل لحظة وحين، ولذلك يجب على الإنسان أن يتذكر دائماً وأبداً وفي كل حين نعم الله تعالى عليه لأن تذكر هذه النعم دافع قوي لشكر المنعم سبحانه وتعالى. خامسا : معرفة شدة عداوة إبليس للإنسان، والحرص كل الحرص على اتخاذ كافة السبل والطرق لإغوائه وإبعاده عن شكر الله تعالى، قال عز وجل: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16- 17]. ،ولا شك أن هذا تنبيه من الله تعالى للإنسان للتوقي والحذر من إبليس ووسائله التي يصد بها الناس عن الصراط المستقيم، ومن هذا التنبيه شكر الله تعالى على نعمه وآلائه. سادسا : الحذر الشديد من مغبة الكذب والافتراء على الله تعالى؛ فعاقبة ذلك بدون شك وخيمة للغاية، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [يونس: 60].
الدعاء