خطبة حول معنى الحديث ( إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ )
أكتوبر 3, 2020خطبة عن الحديث (أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ(الصَّلاَةُ عَلَى مِيقَاتِهَا، ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، والْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
أكتوبر 10, 2020الخطبة الأولى ( لاَ يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى ابن ماجه في سننه وحسنه الألباني : (أن أَبَا عِنَبَةَ الْخَوْلاَنِيَّ وَكَانَ قَدْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع هذا الأدب النبوي الكريم ،والذي يبشرنا فيه صلى الله عليه وسلم بحفظ الله تعالى لدينه وأمة نبيه ،إنها بشارة من بشائر نصر هذه الأمة، وهي أن الله يوجد من أهل هذا الدين من يستعملهم في طاعته، فلا ينقطع عطاء الخير، ويبقى مدد هذه الأمة باقياً لا ينضب، فغراس الخير موجودة في الأمة حتى قيام الساعة، يتجدد فيها كل فترة عبر ما قدره الله من وجود المجدد للدين على رأس كل قرن، كما في سنن أبي داود : (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا » ، وعبر الطائفة الظاهرة على الحق، والتي لا يضرها خلاف من خالفها حتى يأتي أمر الله تعالى وهي على ذلك، ففي سنن ابن ماجه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى قَوَّامَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا ». ،فالعطاء إذن متتابع ،والخير متلاحق، رغم ما أصاب الأمة ويصيبها من وهن وضعف وفرقة ،إنه مراد الله تعالى في استمرار الخير في الأمة، وليبقى الخير ثابتاً فيها لا يقتلع، انظر إلى قوله في الحديث المتقدم : (لاَ يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا) ، فالغرس ثابت في الأرض لا يفارقها، وهو عامل من عوامل حفظها والعناية بها، وكذا غرس البررة الخيرين، فهو ثابت في الناس ،في عقولهم وقلوبهم وفطرتهم ،مهما حاول أهل الباطل طمسه أو اقتلاعه وإخراجه من قلوب الناس، فأنى لهم ذلك، لأن هذا الغرس قد غرسه الله تعالى، وقد تكفل بحفظه ورعايته حتى تظهر ثمرته، ويستوي على سوقه، ليعم الخير الأرض كلها، ويقتلع منها الظلم والظالمين في كل مكان، فالغرس هنا يذكر بقدم الحق وثباته في حياة الناس، وعدم قدرة أهل الباطل في كل وقت وحين وبقعة على اقتلاعه، ولن يكون لهم ذلك بعون الله تعالى، لأن الله تعالى قد تكفل بحفظه، ويعين على حمله، وما تكفل الله بحفظه لن يضيع بإذنه تعالى ،
وهذا الحديث النبوي يبشر صلى الله عليه وسلم الأمة بأن الخير لا ينقطع فيها أبدا ،وأن هذا الدين الذي أرسله الله لنا قد حفظه سبحانه وتعالى من التغيير والتبديل والتحريف، فبالرغم من محاولات الكافرين وسعيهم لتحريف هذا الدين، إلا أنهم فشلوا، وثبت فشلهم على مدار القرون الطوال، ولم يبق لهم سوى أن يبعدوا المسلمين عن دينهم، فأوجدوا في الأمة مضللين ،كل عملهم إضلال الأمة، وتشويه دينها، وإبعادها عنه ،ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يخبرنا في هذا الحديث أن الله لا يترك هذه الأمة الكريمة من غير أناسٍ يحافظون على دينها وثروتها العقائدية ،ولا يترك هذه الأمة من غير حامٍ أو منجٍ لها مما قد تتعرض له من انحراف وانحدار فكري، فسخر منها عاملين ، أفراداً وجماعات، همهم العمل لهذا الدين الحنيف، ولهذا بقي الإسلام على ما هو عليه منذ أن أرسله الله حتى يومنا هذا، بقي نقيًا؛ لأن له عاملين مخلصين، يجددون الدين، ويعيدون الأمل لهذه الأمة، إنهم جماعة متعددة من أنواع المؤمنين، ما بين شجاع وبصير بالحرب، وفقيه ومحدث ومفسر، وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزاهد وعابد ،ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد، بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد ،وافتراقهم في أقطار الأرض، وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلُ أُمَّتِى مَثَلُ الْمَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ »، فالخير باقٍ في هذه الأمة كما كان في أولها، والدين محتاج إلى أول الأمة لإبلاغه، ومحتاج إلى آخرها كذلك ووسطها في الاستمرار عليه، قال شيخ الإسلام رحمه الله: والتاريخ شاهد ببقاء الخير في هذه الأمة وحفظ الدين لها، فما مات عالم إلا وخلفه آخر ولو بعد حين، وما استشهد مجاهد إلا وخلفه غيره،
أيها المسلمون
إن المتتبع للمراحل التي مرت بها الأمة الإسلامية يتبين له جليا حفظ الله تعالى لها ،فحينما انتقل رسول الله ﷺ إلى الرفيق الأعلى ،ارتد عامة العرب عن الإسلام، فجيش أبو بكر الجيوش ،وبعث السرايا حتى رجع المرتدون إلى الإسلام وثبتوا عليه، ولما مال بعض الحكام الأوائل إلى الدنيا وشهواتها ،بعث الله عمر بن عبد العزيز على رأس المائة ،فامتلأت الأرض عدلاً بعدما كان فيها ظلم كثير، وحفظ الله دينه بذلك الخليفة الراشد، ثم حدث ما حدث من تسلط المبتدعة على أهل الإسلام، وقيام المعتزلة بفتنة خلق القرآن، فأظهر الله أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، فذب عن الدين وجدد السنة، وثبت على الحق وثبَّت المسلمين عليه، وهكذا حتى انقلعت هذه الفتنة وزالت عن المسلمين، وهكذا تتراكم بعد ذلك البدع والخرافات من بدع الفلسفة وأهل الكلام، وغلاة الصوفية وغيرهم، حتى صارت السنة غريبة بين الناس، فبعث الله من المجددين من نافح عن الدين ،وأعلى لواء السنة، ومنهم شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى، ناظر أهل البدع ،ونافح عن منهج أهل السنة، ولم ينقطع في المناظرة، وقام بأمر الجهاد، وأمر بالمعروف ،ونهى عن المنكر ،ولما جاءت الحملات الصليبية على بلاد المسلمين من كل حدب وصوب، واحتلوا مدن الشام أكثر من مائتي سنة، وسقطت القدس في أيديهم مدة ثنتين وتسعين سنة، وقتلوا في القدس وحدها تسعين ألفاً من المسلمين، وارتكبوا من الجرائم والفظائع ما لا يخطر ببال، حتى ظن كثير من الناس أن راية الصليب قد قامت في الشام ،وأنه لا سبيل إلى إقتلاعها، ففي وسط هذا الظلام الدامس ،يقيض الله عماد الدين زنكي، فجابه الصليبيين وأذلهم ،فاستدار الزمان وبدأ الانتصارات، فاستنقذ منهم المدن والحصون واحدة تلو الأخرى،
إنه دين عظيم ، وإنها أمة معطاءة ،لا يمكن أن تتوقف، فكم مضى من شهيد، وكم قام فيها من مجاهد، وكم قامت فيها من معركة، وكم قام فيها من موحد عالم، وفقيه مبين، وناصح داعية، وآمر بالمعروف محتسب ناهي عن المنكر، إنها والحمد لله أمة جليلة، لا يوجد لها مثيل ، لا في القديم ولا في الحديث، وإن كبت كبوة فلا بد أن ترجع إلى رشدها ،
أيها المسلمون
فلا بد أن يكون لدينا يقين في نصرة الله تعالى لهذه الأمة ،بنا أو بغيرنا ،كما قال الله تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (38)محمد ،وغلبا ما تظهر حقيقة اليقين بالله في مراحل الضعف، إذ ليس صاحب اليقين مَن تنفرج أساريره وينشرح صدره ويتهلل وجهه حين يرى قوة الإسلام وعزة أهله وبشائر نصره، وإنما يكون اليقين لصاحب الثقة بالله مهما حلك الظلام، واشتد الضيق، واجتمعت الكروب، وتكالبت الأمم، لأن أمله بالله كبير ، ويقينه بأن العاقبة للمتقين لا يتزعزع، وأن المستقبل لهذا الدين لا شك فيه ،ولا تهلك هذه الأمة إلا حين يبخل أبناؤها بتقديم الجهود المتاحة لنصرتها، ثم يتجرعون كؤوس الأمل بلا عمل، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل» [صحيح الجامع، حسنه الألباني]
والله وحده هو عالم الغيب فلا ندري متى النصر؟ ولا نعلم أين الخير؟ ولكن الذي نعلمه أن أمتنا أمة خير بإذن الله ،يرجى لها النصر من الله ولو بعد حين، ولا ندري على يد أي جيل يكشف الله الغمة، ويرفع شأن هذه الأمة ،ولكن الذي ندريه أن سنة الله في الكون كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فإذا عرفنا أن الأصل في الإسلام العلو والسيادة والتمكين، فلا نستيئس من ضعف المسلمين حينا من الدهر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في سنن الدار قطني وحسنه الألباني: « الإِسْلاَمُ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى » ، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم باستمرار زيادة الإسلام كما في معجم الطبراني وصححه الألباني أنه صلى الله عليه وسلم قال : «ولا يزال الإسلام يزيد وينقص الشرك وأهله، حتى تسير المرأتان لا تخشيان إلا جورا، والذي نفسي بيده لا تذهب الأيام والليالي، حتى يبلغ هذه الدين مبلغ هذا النجم» [صحيح الجامع، صحيح] .
فالأمل باق، وامتداد سلطان المسلمين مستمر بإذن الله . وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببشريات تذيب كل يأس، وتدفع كل قنوط، وتثبت كل صاحب محنة، وتريح قلب كل فاقد للأمل بأبناء هذا الدين، حين لا يجد بصيص أمل يلمع له ، ففي مسند أحمد وغيره : (عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ »
والجهاد مستمر إلى يوم القيامة، والطائفة الظاهرة على الحق لا يضرها من خذلها، وهي مستمرة حتى يأتي أمر الله، ففي صحيح مسلم : (عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ».،والمقياس عند الله غير مقياس البشر ،فالله تعالى يجعل من الضعف قوة، فقد روى النسائي في سننه : (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ »
إن ذلك المسلم المسوق بالأغلال، المحبوس في الأقبية، الملاحق في كل مكان، الفاقد للسلاح، الفقير المعدم، بدعوته وصلاته وإخلاصه ينصر الله هذه الأمة، رغم كل صور الضعف التي تمثلت فيه، وكما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي صحيح مسلم : « عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ ».،فقد نرى القوة اليوم بيد أعدائنا والغلبة لهم علينا، ولكن لا ننسى أن الله هو المتصرف في هذا الكون، وعينه لا تغفل عن عباده المؤمنين، ولن يرضى لهم دوام الذلة واستمرار القهر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الميزان بيد الرحمن، يرفع أقواما، ويضع آخرين» [صحيح الجامع، صحيح] . ولابد أن يرفعنا بعد أن وضعنا، إذا رأى منا صدق السعي لمرضاته.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن الكرب لا يدوم، وجميع أعداء الإسلام واقعون في دائرة تهديد الله لهم بالحرب، ومن كان الله حربا عليه فلا خوف منه ،ولا أمل باستمرار سلطانه علينا ،كما جاء في صحيح البخاري : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ) ،فلنتواص بالصبر على البلاء، والثبات إذا وقع القضاء، ولنكن بشير خير، ولا نكن نذير شر، ولنقل للمتشائمين بعد طول انتظار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حينما اشتكوا من كثرة البلاء وشدته كما في سنن أبي داود: « وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَحَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ تَعَالَى وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ ».
إن الثقة التي يريدها الرب سبحانه وتعالى من عباده هي الثقة التي تحققت في أم موسى عمليا حين قال عنها: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:7] ، فكان هلاك فرعون على يديه، وهكذا تجري عجائب قدر الله.
فعقيدة الإيمان بالقدر مصدر من مصادر الثقة بأن العاقبة للمتقين، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « « لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَأَنَّ مَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ » » [صحيح الجامع، صحيح] . فليست المسألة مسألة تخلف وعد الله -حاشاه سبحانه – ولكنها مسألة التوقيت المقدور، والأجل المحدود، الذي لا يتقدم لاستعجال متعجل، ولا يتأخر لهوى كسول، ولذلك كان عمر بن عبد العزيز كثيرا ما يدعوا: “اللهم رضني بقضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته، ولا تأخير شيء عجلته”. وبهذه النفسية تزول ظاهرة الاستعجال، ويطمئن القلب بأن العاقبة للمتقين. ولئن مرت الأمة بفترات ضعف فلا ننس أنها تقادير الله، الذي يقدر على إعادة عز ضاع، واسترجاع سيادة مضت، وشأن البشر الصعود والنزول، كما في الحديث مسند أحمد : (عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ السُّنْبُلَةِ مَرَّةً تَسْتَقِيمُ وَمَرَّةً تَمِيلُ وَتَعْتَدِلُ وَمَثَلُ الْكَافِرِ مَثَلُ الأُرْزَةِ مُسْتَقِيمَةً لاَ يُشْعَرُ بِهَا حَتَّى تَخِرَّ »، فلابد لليل أن ينجلي، ولابد للغثاء أن يذهب جفاء، ولابد لما ينفع الناس أن يمكث في الأرض، ويمضي قدر رب العالمين في أن تكون العاقبة للمتقين.
الدعاء