خطبة عن (الإعجاز في خلق النحل) (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا)
يونيو 6, 2020خطبة عن حديث (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ وَلاَ مَنَّانٌ وَلاَ بَخِيلٌ)
يونيو 13, 2020الخطبة الأولى ( عودة فتح المساجد أمام المصلين )
الحمد لله رب العالمين ،واهب النعم ودافع النقم ، الحمد لله الذي فتح لنا أبواب مساجدنا بعد أن أغلقت ،وردنا إلى بيوته بعد أن سكرت ،وأذن لنا في إقامة جمعتنا وسماع خطبتنا بعد أن منعت ، فاللهم لك الحمد حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (2) فاطر، وقال الله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور (36) :(38)
إخوة الإسلام
وها نحن قد عدنا لبيوت الله بعد انقطاعٍ طويل, تقطعت فيها القلوب شوقاً للمساجد, ودمعت فيها العيون لفراق المنابر ،وحزن الأصدقاء لفراق عمار المساجد ،فكم سمعنا الأذان فلا مجيب؟ ، وكم من جمعة مضت ولا خطيب؟ ،وفي يوم العيد حرمنا الفرحة والسعادة والتكبير، فنسأل الله تعالى ألا يحرمنا الصلاة في مساجدنا ،وأن يحفظنا وأهلنا من كل وباء ومكروه, فالحياة طَبعها الله على الكدر, وربما كان البلاء رفعةً وأجراً, وإنما الناجي حقاً هو من استفاد من الأزمة, وعلم الحكمة من البلاء ،واستوعب الدرس من الانقطاع ، فمن حكمة الله تعالى في هذا البلاء ،التوبة والرجوع إليه سبحانه، يقول الله تعالى 🙁وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الأعراف (168) ،وقال الله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (41) الروم ، وقال الله تعالى : (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الزخرف (48)، ومن حكمة الابتلاء : أن لله عبادة في الضراء كما أن له عبادةً في السراء، فإذا أُصيب العبد بما يضرُّه صبر، فكان خيرًا له، : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْرًا لَهُ)؛ رواه مسلم، ومن حكمة الابتلاء: أنها رِفعة لدرجاته وتكفيرٌ لسيئاته: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا، إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً)؛ رواه مسلم ،ومنها: أن الله يربي عباده بالْمِحَن؛ ليُمحِّص ما في قلوبهم ،ولِمَيْزِ الخبيثَ من الطيب؛ فكم من مصل كان يعتاد المساجد ، فلما أغلقت ترك الصلاة ، ومنهم من كان يصلي الصبح في المسجد في جماعة ،فنام عن صلاة الفجر ، ومنهم من تساهل في صلاة العصر حتى غربت عليه الشمس، نعم لِمَيْزِ الله الخبيثَ من الطيب، والصادق من الكاذب ،والمحافظ من المتهاون والمتساهل .
أيها المسلمون
أما الدروس التي تعلمناها من هذه الجائحة, فقد علمتنا هذه الجائحة أن الله على كل شيء قدير, وأنه سبحانه وتعالى غالب على أمره, وأن القوى العالمية كلها لا شيء أمام قوته سبحانه وتعالى . وعلمتنا هذه الجائحة أن الإِنسَانَ ضعيف مع شِدَّةِ بَأسِهِ ! وقلّة حيلته مع ذكائه, وأنه حين يظن أنه حاز أسباب العلم الدنيوي ،والتقدمِ المادي ،فهو أضعفُ شيء أمام قوة الجبار سبحانه ،وعلمتنا هذه الجائحة أننا أحوج ما نكون إلى الله في كل أمورنا, وأننا إن انحرفنا عن الصلاح فالعقوبة قد تحل بنا, وأنه حين تشتد الكروب فلن يكشفها إلا هو, فكل القوى توقفت, وكل الإمكانيات عجزت, وكل الدول حارت, وهُزمت أمام أصغرِ مخلوق, ولن يكشفه إلا الله. وعلمتنا هذه الجائحة أن الحياة متقلبة, وأن الأحوال متغيرة, وأن الله قادرٌ على تغير الأمور في أقل من طرفة عين, وبأدنى سبب، وعلمتنا هذه الجائحة أن الصحة والعافية من أعظم النعم, ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْطَ عَبْدٌ شَيْئاً أَفْضَلَ مِنَ الْعَافِيَةِ) رواه أحمد ,فالصحة والعافية إن فقدت ،فليس للمال ولا للمتاع لذة, وقد بين صلى الله عليه وسلم لنا ذلك ففي سنن الترمذي : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا » ،وعلمتنا هذه الجائحة أننا حينما نكون أحرارا في تحركاتنا ندخل ونخرج متى وكيف نشاء ،ونذهب لأعمالنا ونلتقي بأقاربنا وأصحابنا ،فإننا في نعمةٍ ما قدرناها حق قدرها إلا بعد أن فقدناها, وعلمتنا هذه الجائحةُ أن المسجد ليس مجرد بناءٍ تؤدى فيه الصلوات, بل هو مهوى الأفئدة, وموطنُ اللقاء والاجتماع, وأن صلاةَ الجماعة تَجمعُ القلوبَ والأبدان ،وتوطِّدُ العلاقات بين المسلمين, فهنيئاً لقومٍ تعلقت قلوبهم بالمساجد ، ووجدوا أنسهم فيه، وعلمتنا هذه الجائحةُ أن الجلوس في البيت يعصم الانسان من الوقوع في الذنوب ،وهذا ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل ما النجاة ، ففي سنن الترمذي 🙁عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ قَالَ « أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ », كما بينت هذه الجائحة أن البيت والأسرةَ هي المحضن الأقوى لغرس القيم, فحين توقفت المدارس والمؤسسات التربوية بقي دور الأسرة شامخاً مثمراً ،فعلم الوالدين أبناءهم ونصحوهم ،وأقام البعض الصلاة مع أبنائه وأحفاده ،وعلمهم الوضوء والصلاة، وعلمتنا هذه الجائحة أن نساءنا في البيوت على ثغر كبير, يقمن بتربية الأولاد, ويعلمن الأجيال, ويتحملن حركة الأطفال ،ويقمن على شؤون البيت, فيجب أن نقدم لهن الشكر، وعلمتنا هذه الجائحة أن الانبهار بالغرب في التعاون وفي حقوق الإنسان إنما هو شعارٌ زائف, وأنك لن تجد الإنسان أعلى قدراً ،وأشرف حقاً ،كما هو في بلاد المسلمين, فرأينا دولا في أوربا -ذات الحضارة والتمدن- لا تمد يد العون لدول أوربية اشتدت عليه الجائحة، فالكل لا يفكر إلا في نفسه ،ولكن الاسلام يأمرنا أن نقف بجانب المصابين ،وأن الإخوان يعرفون وقت الشدائد، وعلمتنا هذه الجائحة أن الإنسان قد يفرّ من أقرب المقربين إليه, ويبتعد ممن يحبه ويواليه, ولئن كان هذا اليوم – بقصد صحة الأبدان-, فإنه يوم القيامة سيفر المرء من أخيه ،وأمه وأبيه ،وصاحبته وبنيه, ويلجأ لربه ومولاه, خوفاً من العذاب. وعلمتنا هذه الجائحة أن موازين الناس في المجتمع تحتاج لمراجعة وترتيب, فليست الصدارة للفنانين ،ولا للاعبين، ولا للمثلين ،وإنما الصدرة للعالم الذي يفتيك حين الجائحة, وللطبيبَ الذي يسهر على مريضه ويبيت بعيدا عن أولاده , والممرضَ المعالج, ورجلَ الأمن الساهر, فهؤلاء لهم الصدارةُ في المجتمع، وعلمتنا هذه الجائحة أن السعادة ليست مُلازمةً لكثرة الخروج من المنزل, فربما تسعد وأنت في بيتك, وقد قال الله تعالى : (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) النحل 80،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( عودة فتح المساجد أمام المصلين )
الحمد لله رب العالمين ، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وعلمتنا هذه الجائحة أن قلوبنا تحتاج للخلوة بربها, وأن العبادة مع الخلوة لها أثر عظيم في صلاح النفس وتزكيتها, فلا تنقطع عن خلوتك بربك, وليكن لك جلسات خلوة، وعبادات فردية لوحدك. وعلمتنا هذه الجائحة أن عمارة بيوت الله تكون بالتعبد فيها, وليست بالزخارف أو علو المآذن ودهان الجدران .
أيها المسلمون
إن العودة للمساجد بعد إغلاقها نعمةٌ تستوجب الشكر والحمد والثناء، وأن من شكر الله تعالى ، والاعتراف بفضله ،أن نستشعر مسؤوليتنا في استبقاء النعمة ودوامها ،فليؤد الذي اؤتمن أمانته ،وليتق الله ربه. وواجبنا أن نستشعر المسؤولية بفعل الأسباب المعنوية والمادية لمواجهة هذا الوباء والابتلاء .. وأن نواجهه بالتوكل على الله ،والتضرع إليه ،والإنابة إليه، والدعاء ،مع الأخذ بالأسباب ،ونواجهه بالتوبة إلى الله ،واستغفاره ،والمحافظة على حدوده ، وتعظيم شعائره ،وبالشكر الحقيقي لنعمه، قال الله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (7) إبراهيم
الدعاء