خطبة عن (إحْيَاءُ النُّفُوسِ)
أغسطس 21, 2023خطبة عن حديث (وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي)
أغسطس 23, 2023الخطبة الأولى ( أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ،وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ،وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (8) :(10) البلد
إخوة الإسلام
حديثنا اليوم – إن شاء الله تعالى – حول هذه الآيات المباركات من كتاب الله العزيز ، وقد أمرنا الله تعالى في آياتٍ كثيرة بأنْ نتفكرَ، وأن نتدبر في أنفسنا، وفي الآفاق، وفي الأحياء والأموات ،وكل ما نراه أمامنا هو موضع عِبْرة، وموضع تفكُّر،ولو تفكَّر الإنسَان، لازدادَ يَقينًا، وازداد توحيدًا، وطاعة لله – سبحانه وتعالى، ولو تفكَّر الإنسان في ربه – سبحانه وتعالى – لآمن به، وازداد به يقينًا ومَعرفة ، ولهذا قال أحد السلف : “اعرف نفسك، تعرف ربك”، فإذا عرفت ضعفَك عرفت قوة الله – سبحانه وتعالى، وإذا عرفت جهلَك عرفت علمَ الله – سبحانه تعالى، وإذا عرفت ذنوبك عرفت رحمةَ الله – سبحانه وتعالى – بك ولطفه، وأنَّه لم يهلكْكَ بهذه الذنوب، ولم يؤاخذك بها، بل تركك؛ لعلك تتوب، وإذا عرفتَ تقصيرك، عرفتَ كرمَ الله ومنَّه عليك بالنعم والخيرات، التي تتتابع وتَتَوالى وأنت في غفلةٍ عنها، ولا تدري ولا تحسب لها أيَّ حساب، ولو فقدت واحدة منها، لتغيرتْ حياتُك جميعها ، وقد روى الحافظ ابن عساكر عن مكحول قال: قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: (يقول اللَّه – تعالى -: يا ابنَ آدم، قد أنعمتُ عليك نعمًا عظامًا، لا تُحصي عددَها، ولا تطيق شكرَها، وإنَّ مِمَّا أنعمتُ عليك أنْ جعلت لك عينين تنظر بهما، وجعلت لهما غطاءً، فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك، وإن رأيتَ ما حرمتُ عليك فأطبق عليهما غطاءَهما، وجعلت لك لسانًا، وجعلت له غِلافًا، فانطق بما أمرتُك وأحللت لك، فإنْ عَرَضَ لك ما حَرَّمت عليك، فأغلق عليك لسانك، وجعلت لك فرجًا، وجعلت لك سترًا، فأصب بفرجك ما أحللت لك، فإن عَرَض لك ما حرمت عليك، فأَرْخِ عليك سترك، يا ابن آدم، إنَّك لا تَحَمَّلُ سخطي، ولا تُطيق انتقامي)؛
أيها المسلمون
وإذا تأملنا وتدبرنا هذه الآيات المباركات ،والتي هي بين أيدينا اليوم ،لعلمنا وأيقنا أن نعم الله تعالى علينا لا تعد ولا تحصى ،فقوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (8) :(10) البلد ، فالله تعالى يسأل عبده ليقرره بنعمه عليه ،وليبين له فضله وجوده ، وليدعوه ذلك إلى الإيمان به وطاعته وعبادته ،والبعد عن مساخطه ،ومن معاني هذه الآيات : أن الله ـ تعالي ـ الذي جعل للإنسان عينين علي هذا القدر من دقة البناء, وإحكام الترابط والصلات ،ليعطيهما القدرة علي الإبصار,وجعل له من أدوات النطق كلا من اللسان والشفتين, ثم أودع في ذات هذا المخلوق العاقل الحر المكلف القدرة علي إدراك كل من الخير والشر ، ليختر أيهما يشاء ،فأمره باقتحام العقبة, وذلك بمغالبة النفس وترويضها علي الإيمان بالله ـ تعالي ـ وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, والالتزام بأوامره, واجتناب نواهيه، وبفعل الخيرات ،وترك المنكرات ،وهو سلوك الفائزين بجنات النعيم, وإن كان أغلب أهل الأرض اليوم غافلين عن هذا السلوك, فهذا الإنسان الغافل ،والمعرض عن ربه وولي نعمته ، ألم نجعل له عينين يبصر بهما المرئيات ، ولسانا يترجم به عن ضمائره ،وشفتين يطبقهما على فيه ، ويستعين بهما على النطق ،والأكل والشرب والنفخ ،وغير ذلك، وهديناه النجدين أي: طريقي الخير والشر، وقيل: الثديين ، فلا اقتحم العقبة ، فلم يشكر تلك الأيادي والنعم بالأعمال الصالحة : من فك الرقاب، وإطعام اليتامى والمساكين، وبالإيمان الذي هو أصل كل طاعة، وأساس كل خير; بل غمط هذا الانسان النعم ، وكفر بالمنعم.
أيها المسلمون
وفي هذه الآيات المباركات : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (8) :(10) البلد ،فنعمة النظر جعلها الله – عزَّ وجلَّ – لنا؛ لنقوم بأداء أعمالنا على أكمل وجه، فجعلها لنا ربُّ العباد؛ كي نرى كلَّ جميل، وكي نعمل، وكي نقوم بمسؤوليات حياتِنا كافَّة على الوجه الأكمل؛ فمما لا شكّ فيه أن العين هي من أهم أعضاء جسم أي كائن حي ولا سيما الإنسان، وذلك لكونها بمثابة النافذة التي تدخل إلى عقله ، من خلالها مؤثرات إدراكية بصرية كثيرة ،تُسهم في تشكيل وعيه واستجاباته إزاء الحياة المحيطة به ، ومما يؤكد هذه الأهمية أن الله سبحانه وتعالى بدأ بذِكْر العينين أولا في سياق تعديد نعمه التي أنعم بها على الإنسان في جسمه، فقال تعالى 🙁أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) ،والحقيقة العلمية التي أثبتها الطب والتشريح هي أن آلية الإبصار من خلال العين تتميز بكونها شديدة التعقيد إلى درجة مذهلة، حيث إن إتمامها يمر من خلال سلسلة من الخطوات المتعاقبة التي تتم باستمرار في خلال جزء من ألف جزء من الثانية، والله تعالى جعل العيون مرآة النفس، ينعكس عليها كل ما يشعر به الإنسان من خوف وجزع، وحزن وفرح، وحب وبغض، وغضب ورضى، وإن كل ما يثير القلب ينعكس في العينين، فإن لهما تعبيراً أقوى من اللسان والبيان، فالعيون هي النوافذ على الروح، وهي التي تفضح أسرار الفكر والأحاسيس العاطفية ،
وبالعيون يتأمل الإنسان آيات الله في الأنفس والآفاق، ويدرك دلالتها على وحدانية الخالق. وفي العالم اليوم ألوف المؤسسات البحثية والعلمية والطبية تدرس العين وتركيبها وأسرارها وارتباطها مع بقية أجهزة الإنسان التي خلقها بيديه، ولَما تنتهِ من دراستها ، ويتجلى الإعجاز القرآني في الآية الكريمة فيما خص به هذا الإنسان من نعمة الإبصار، وهي نعمة إلهية كبرى ليبصر بها المرئيات، ويتعرف بها على الكائنات، وجعل العينين في أعلى مكان في الوجه، والعينان هما محل الملاحة والزينة في الوجه، وهما بمنزلة النور الذي يمشي بين يدي صاحبه. فهما المصباحان المركبان في أشرف عضو من أعضاء الإنسان ، وركب الله هذا النور في جزء صغير يبصر به السماء والأرض وما بينهما. وأودع فينا بصمات العيون فلا تتشابه بصمات عينين في الأرض مع بصمات الآخرين، وجعل هذه البصمات مفتاحاً خاصاً لأشخاصنا. وبعيوننا نستطيع التمييز بين درجات الألوان ،كما تستطيع عيوننا أن ترى في نور القمر الباهت ونور الشمس الساطع ، كما تشكل عيوننا 70 % من مدخلات العلم والمعرفة إلى وعي الإنسان وعقله وقلبه، فأي إعجاز إلهي في الخلق والتقدير وهو ما يتجلى في قوله تعالى: ” أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ “؟!، فإن العين هي نافذة الروح وعدسة الإعجاز التي وهبها الله الإنسان ليرى بها جميل صنع ربه ويتفكر في بديع آيات خلقه، فتصبح العين للإنسان بذلك مصدر هداية وصلاح لقلبه،
أما عن نعمة اللسان والشفتين : فاللسان عضو عضلي يوجد في الفم يشتمل تركيبه على مُستقبلات المواد الكيميائية المختلفة، التي يتناولها الإنسان عن طريق الفم في طعامه وشرابه ودوائه… إلخ، وبواسطة هذه المستقبلات نُحِس طعمَ المواد، وذلك من حيث الحلاوة، أو الملوحة، أو المرارة، أو الحموضة. يُضيف بعضُ العلماء الإحساس بالقلوية وبطعم المعادن, أمَّا النكهات العديدة التي نعرفها للمأكولات، فهي مزيج من أنواع الأحاسيس بالحلاوة، والملوحة، والحموضة، والمرارة، وغيرها.
أما الشفتان : فهما اللتان يستكمل بهما وجه الإنسان جماله, وإحساسه, وقدرته علي النطق وتلعب الشفتان دورا مهما في النطق, فعند الكلام تجمع الحبال الصوتية في مكان واحد, وتهتز من جراء الهواء الخارج عند الزفير ،كما يتحرك كل من اللسان والشفتين والأسنان، وقد صمم الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ كلا من الأنف والفم علي أن يعطيا كافة المواصفات الخاصة بالصوت ، وفي الوقت الذي تبدأ فيه الكلمات بالخروج من الفم بسلاسة, يأخذ اللسان وضعا بين الاقتراب والابتعاد من سقف الفم بمسافات محددة, وتتقلص الشفتان أو تتوسعان, وتتحرك في هذه العملية عضلات عديدة بشكل سريع حتي يتحقق النطق عند الإنسان ، كما أودع الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ كل إنسان بصمة بشفتيه تميزه عن غيره, حيث لا يتفق فيها اثنان، ولولا هذا البناء المحكم للسان والشفتين ما استطاع الإنسان النطق علي الإطلاق, ولا استطاع مضغ الطعام وهضمه هضما مبدئيا, وما تمكن من تذوق هذا الطعام والاستمتاع بتناوله، لذلك امتن ربنا ـ تبارك وتعالي علي عباده من بني آدم بخلق اللسان والشفتين فقال تعالى🙁أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) عتابا للعبد الذي يتمتع بهذه النعم ولا يشكر واهبها, وهو موقف من مواقف الجحود والنكران يستحق العتاب بل يستحق العقاب.
وأما قوله تعالي : (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) فالله تعالي ـ الذي جعل للإنسان عينين علي هذا القدر من دقة البناء, وإحكام الترابط والصلات ليعطيهما القدرة علي الإبصار, وجعل له من أدوات النطق كلا من اللسان والشفتين, ثم أودع في ذات هذا المخلوق العاقل, الحر, المكلف القدرة علي إدراك كل من الخير والشر ليختر أيهما يشاء أمره باقتحام العقبة, وذلك بمغالبة النفس وترويضها علي الإيمان بالله ـ تعالي ـ وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, والالتزام بأوامره, واجتناب نواهيه،وبفعل الخيرات وترك المنكرات ،وهو سلوك الفائزين بجنات النعيم,
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ،وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ،وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال ابن القيم : كيف لا تُحِبّ القلوب مَن لا يأتي بالحسنات إلاّ هو ؟ ولا يَذهب بِالسيئات إلاّ هو ؟ ولا يُجيب الدعوات ، ويُقِيل العَثرات ، ويَغفر الخطيئات ، ويَستر العَورات ، ويَكشف الكُرُبات ، ويُغيث اللهفات ، ويُنِيل الطَّلَبَات سِواه ؟
فهو أحقّ مَن ذُكِر ، وأحَقّ مَن شُكِر ، وأحقّ مَن حُمِد ، وأحَقّ مَن عُبِد ، وَأنْصَر مَن ابْتُغِي ، وأرْأف مَن مَلَك ، وأجْود مَن سُئل ، وأوسع مَن أعْطَى ، وأرْحَم مَن اسْتُرْحِم ، وأكْرَم مَن قُصِد ، وأعَزّ مَن الْتُجِئ إليه ، وأكْفَى مَن تُوكِّل عليه . أرْحَم بِعَبْدِه مِن الوالِدَة بِوَلَدِها ، وأشَدّ فَرَحًا بِتَوبة عِباده التائبين مِن الفَاقِد لِرَاحِلته التي عليها طعامها وشَرَابه في الأرض الْمُهْلِكة إذا يَأس مِن الحياة فَوَجَدها .
وهو الْمَلِك فلا شَريك له ، والفَرْد فلا نِدّ لَه . كُلّ شيء هالِك إلاَّ وَجْهه ، لن يُطاع إلاَّ بِإذنه ، ولن يُعْصَي إلاَّ بِعِلْمه ؛ يُطَاع فَيَشْكُر ، وبِتَوفِيقه ونِعْمَتِه أُطِيع ، ويُعْصَي فَيَغْفِر ويَعْفُ ، وحَقّه أُضِيع . فهو أقرب شَهيد ، وأدْنَى حَفيظ ، وأوْفَى وَفِيّ بِالْعَهْد ، وأعْدَل قائم بِالقِسْط ، حال دون النفوس ، وأخذ بالنواصي ، وكَتَب الآثار ، ونَسَخ الآجال ،
فالقُلُوب له مُفْضِية ، والسِّرّ عِنده علانية ، والعلانية والغيوب لديه مَكْشُوف ، وكُلّ أحد إليه مَلْهُوف ، وعَنَتِ الوُجُوه لِنُور وَجْهه ، وعجِزت القلوب عن إدراك كُنْهِه ، ودَلَّت الفِطْرة والأدِلّة كُلّها على امْتِنَاع مِثله وشِبهه ، أشْرَقَت لِنُور وَجْهه الظلمات ،واسْتَنَارَت له الأرض والسماوات ، وصَلحت عليه جميع المخلوقات ،
لا يَنام ولا يَنبغي له أن يَنام ، يَخفض القِسْط ويَرفعه ، يُرْفَع إليه عَمل الليل قَبل عَمل النهار ، وعَمَل النهار قبل عَمَل الليل ، حِجَابه النور لو كَشَفَه لأحْرَقَت سُبُحَات وَجْهه ما انتهى إليه بَصَره مِن خَلْقه .
الدعاء