خطبة عن حديث (إِنَّمَا جُعِلَ الاِسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ)
مايو 7, 2022خطبة عن (اللغة العربية وأهمية تعلمها)
مايو 7, 2022الخطبة الأولى ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ) (36) ،(37) الزمر
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن الكريم ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر (36)، جاء في تفسيرها في التفسير الميسر : أليس الله بكاف عبده محمدًا وعيد المشركين وكيدهم من أن ينالوه بسوء؟ بلى إنه سيكفيه في أمر دينه ودنياه، ويدفع عنه مَن أراده بسوء، ويخوِّفونك -أيها الرسول- بآلهتهم التي زعموا أنها ستؤذيك. ومن يخذله الله فيضله عن طريق الحق، فما له مِن هاد يهديه إليه. وقال السعدي رحمه الله : “: أليس من كرمه وجوده ، وعنايته بعبده ، الذي قام بعبوديته ، وامتثل أمره واجتنب نهيه ، خصوصا أكمل الخلق عبودية لربه ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن الله تعالى سيكفيه في أمر دينه ودنياه ، ويدفع عنه من ناوأه بسوء ، وعن قتادة قال: ” بعث رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خالد بن الوليد إلى شعب بسُقام ليكسر العزّى, فقال سادنها, وهو قيمها: يا خالد أنا أحذّركها, إن لها شدّة لا يقوم إليها شيء, فمشى إليها خالد بالفأس فهشّم أنفها “. ( وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) يقول تعالى ذكره: ومن يخذله الله فيضلَّه عن طريق الحق وسبيل الرشد, فما له سواه من مرشد ومسدّد إلى طريق الحقّ, ومُوفِّق للإيمان بالله, وتصديق رسوله, والعمل بطاعته
أيها المسلمون
إن كفاية الله تعالى للعباد لا يحدها حاد، ولا يمنعها مانع، رآها المسلمون رأيَ العين في مواطن كثيرة : رأَوْها يوم بدر حين قل العدد ونقص العتاد؛ فأنزل الله تعالى ملائكته على الكافرين تحصدهم حصاد المنجل للهشيم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴾ [آل عمران: 123، 124]. ورأَوْها يوم الأحزاب، حين اجتمعت القبائل لاستئصال شأفة المسلمين، وبعد أن نفِدَت أسباب الأرض تدخلت أسباب السماء؛ فاندحر الكفار خزايا، ولم يمكِّنْهم الله تعالى من رقاب المؤمنين ، ولم يجعَلْ لهم على المؤمنين سبيلًا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الأحزاب: 25]. ورأَوْها يوم حُنَين، حيث تدخلت عناية الله تعالى، وأرسل مِن جنده مَن غيَّر مجريات الأمور، وقلب موازينها؛ قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 25، 26]. ولذلك كان دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم الاعتصام بالله وقوته ، وطلب الكفاية والتأييد منه سبحانه ، فقد روى ابن جرير الطبري : (عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: لم يُرِدْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سفرًا قط إلا قال حين ينهض مِن جلوسه: ((اللهم بك انتشرتُ، وإليك توجهت، وبك اعتصمت، اللهم أنت ثقتي، وأنت رجائي، اللهم اكفِني ما همني، وما لا أهتم به، وما أنت أعلم به، اللهم زوِّدْني التقوى، واغفر لي ذنبي، ووجِّهْني للخير أينما اتجهتُ))، قال: ثم يخرج؛ وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « مَنِ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنِ اسْتَعَفَّ أَعَفَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنِ اسْتَكْفَى كَفَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ » (رواه النسائي). وروى البخاري في صحيحه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنه – أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أَبْطَئُوا عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – بِالإِسْلاَمِ قَالَ « اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ » فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِثْلَ الدُّخَانِ قَالَ اللَّهُ ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ) قَالَ اللَّهُ ( إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ) أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَقَدْ مَضَى الدُّخَانُ وَمَضَتِ الْبَطْشَةُ) ، وفي سنن أبي داود، وصححه الألباني: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ». قَالَ « يُقَالُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِىَ وَكُفِىَ وَوُقِىَ ». وروى البخاري في صحيحه : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – غَزْوَةَ نَجْدٍ ، فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ وَهْوَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَاسْتَظَلَّ بِهَا وَعَلَّقَ سَيْفَهُ ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الشَّجَرِ يَسْتَظِلُّونَ ، وَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَجِئْنَا ، فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ « إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ ، فَاخْتَرَطَ سَيْفِي فَاسْتَيْقَظْتُ ، وَهْوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي ، مُخْتَرِطٌ صَلْتًا ، قَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّى قُلْتُ اللَّهُ . فَشَامَهُ ، ثُمَّ قَعَدَ ، فَهْوَ هَذَا » . قَالَ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم أيها المسلمون
إن العبدَ إذا أحسن عبادته لربه وأحسن يقينه بربه، وتوكله على ربه، كفاه كلَّ ما أهمَّه، وحفظه مِن جَور الجائرين، وظُلم الظالمين، وتسلُّط المتسلطين، وشر الشياطين، وغير ذلك مما لا يعلَمُه إلا ربُّ العالمين. ومن المعلوم أن الأمة الإسلامية تخوض في هذا العصر صراعا عنيفا بينها وبين أعدائها من الكافرين والمنافقين ، ليس ماديا دوما بل ونفسيا في بعض الأحيان ، ترغيبا للجذب والاحتواء ، أو ترهيبا للتخويف وإضعاف العزائم ، فإن كان ترغيبهم وخداعهم يفضحه الوعي والاستبصار بحقيقة أعدائنا وطبيعة المعركة ، فإن الترهيب لا يواجه إلى باللجوء إلى الله ، ونعلم علم اليقين أن ما نهدد به من دول كافرة ، بما تملكه من عتاد وقوة وجبروت لا يعدل نقطة في بحر أمام ملك الله وقوته وجبروته ،الذي لن يضيع عبدا أطاعه واتبع هداه، فهو كافيه وناصره ومؤيده وهو حسبنا وكفى
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
كثيرا ما تنتاب كل منّا أوقات يشعر فيها أنّه بات وحيداً في ساحة من الهموم والمتاعب أو القلق ، فلنتذكر دائما قول الله عز وجل (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) ، فهذه الآية الكريمة تشعر بالدفء ، وبرحمة الله عز وجل وكرمه ..فما وكّل المؤمن أمره لله عزّ و جلّ يوماً إلا قضى له مطلبه .. وما استغاث به يوماً في أزمةٍ أتعبته إلا أغاثه ، وما خاف أمراً فدعاه إلا كفاه إياه .. وما استغنى به عن الناس إلا فتح له أبواباً من السكينة والطمأنينة ..فعلى كل مهموم أحاطت به المصائب والكروب من كل جهة ، أن يتذكر دائما قوله تعالى : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) ، فلكل مظلوم تكاثرت عليه أيدي الشر ، ولكل متعَب أرقته الحياة طويلاً فما عاد ليله ليلا و لا نهاره نهارا ، ولكل من فارقه محبوب فترك في قلبه فراغاً ، ولكل من تتعثر قدماه في طريق طلب الرزق فبات مهموماً ، ولكل وحيدٍ حزين ، ولكل محتاج أو سقيم تذكروا دائما قوله تعالى 🙁 أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ )
أيها المسلمون
إن الكفايةُ على قدر العبودية، فكلما ازدادت طاعتُك لله ازدادَت كفايةُ الله لك ، فهذه الآية تصور منطق الإيمان الصحيح، في بساطته وقوته، ووضوحه، وعمقه، سافر الصحابة -رضوان الله عليهم- وأميرهم العلاء بن الحضرمي فقطعوا صحراء الدهناء، فلما انتصفوا في الصحراء فقدوا الماء فبحثوا فلم يجدوا، فقالوا: يا علاء ادع الله أن يغيثنا، فوقف العلاء واستقبل القبلة وقال: يا حكيم، يا عليم، يا علّي، يا عظيم أغثنا هذا اليوم.. قالوا: والله ما انتهى من دعائه إلا والسحاب قد غطى المكان فأمطرت السماء حتى سقوا واغتسلوا وشربوا. فأي عظمة هذه؟ وأي قوة؟ وأي قدرة؟ فسبحان العلي العظيم، إذا أراد شيئًا قال له: كن، فيكون، وأمرُه كلمحِ البصر بل هو أقرب، وله جنودٌ لا يعلمها أحدٌ سواه. فلكي ترتقي في درجات الإيمان لا بد من أن تربي نفسك على تعظيم الله جلّ وعلا، فلقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يعظمون الله -عز وجل-؛ لأنهم يعلمون من الله جلّ في عُلاه، تعرفوا على الله بأسمائه وصفاته وأفعاله فأحبوه وعظموه فارتقوا إلى درجة اليقين، فكان لها بالغ الأثر في حياتهم.
الدعاء