خطبة عن (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ)
يونيو 4, 2022خطبة عن النجوى وحديث (إِذَا كَانَ ثَلاَثَةٌ فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ)
يونيو 11, 2022الخطبة الأولى ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (40) النحل
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذه الآية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، مع قوله تعالى : (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (40) النحل ، يقول الطبري في تفسيرها : المعنى : إنا إذا أردنا أن نبعث من يموت ، فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائهم، ولا في غير ذلك مما نخلق ونكوّن ونحدث ، لأنا إذا أردنا خلقه وإنشاءه ، فإنما نقول له كن فيكون، لا معاناة فيه ، ولا كُلفة علينا.. وقال ابن كثير : أخبر تعالى عن قدرته على ما يشاء ، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له : ” كن ” فيكون ، والمعاد من ذلك إذا أراد كونه فإنما يأمر به مرة واحدة ، فيكون كما يشاء ، كما قال تعالى (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (50) القمر ، وقال الله تعالى : (مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (28) لقمان .. ويقول الشيخ الشعراوي : الأمر موجود عنده سبحانه.. موجود في علمه.. ولكنه لم يصل إلي علمنا.. أي أنه ليس أمرا جديدا.. لأنه مادام الله سبحانه وتعالى قال: {نقول له}.. كأنه جل جلاله يخاطب موجودا.. ولكن هذا الموجود ليس في علمنا ولا نعلم عنه شيئا.. وإنما هو موجود في علم الله سبحانه وتعالى.. ولذلك قيل أن لله أمورًا يبديها ولا يبتديها.. إنها موجودة عنده ، لأن الأقلام رفعت، والصحف جفت.. ولكنه يبديها لنا نحن الذين لا نعلمها فنعلمها.
نعم ، فقوله تعالى : ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) يتبين لنا أن الله سبحانه وتعالى يقول ويكتب مما يعلمه ما شاء، كما في صحيح مسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ – قَالَ – وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ». ، وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ » ، وفي مسند أحمد : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ كَذَّبَنِي عَبْدِى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ لِيُكَذِّبَنِي وَشَتَمَنِي عَبْدِى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَتْمِي فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَيَقُولُ لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي وَلَيْسَ آخِرُ الْخَلْقِ أَهْوَنَ عَلَىَّ أَنْ أُعِيدَهُ مِنْ أَوَّلِهِ فَقَدْ كَذَّبَنِي إِنْ قَالَهَا وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَيَقُولُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً أَنَا اللَّهُ أَحَدٌ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ ».
أيها المسلمون
إن الله تعالى لا يتعاظم على قدرته شيء ، فإذا ما أراد فعل شيء ، فإنما يفعله ويخلقه بأمره الكوني له : كن ، فلا يتأخر ذلك الشيء الذي أراده ، بل يكون من فوره . وهذا دليل القدرة التامة لله عز وجل ، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء . وينبغي التنبه إلى أمرين مهمين ، لفهم ذلك : الأمر الأول : أنه إنما صح تسمية هذا المعدوم قبل أن يخلق ” شيئا ” لأنه موجود في علم الله تعالى ، قد علمه الله سبحانه وتعالى قبل أن يخلقه ، بل وكتبه أيضا في كتابه السابق ؛ فهو شيء باعتبار العلم به ، لا لأن له وجودا متميزا خارج الأذهان ، فإن هذا إنما يكون له بعد أن يخلق ، لا قبل أن يوجد بالفعل . قال الشنقيطي رحمه الله في “أضواء البيان” : ” عَبَّرَ تَعَالَى عَنِ الْمُرَادِ قَبْلَ وُقُوعِهِ بِاسْمِ الشَّيْءِ ; لِأَنَّ تَحَقُّقَ وُقُوعِهِ كَالْوُقُوعِ بِالْفِعْلِ، فَلَا تُنَافِي الْآيَةُ إِطْلَاقَ الشَّيْءِ عَلَى خُصُوصِ الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يُوجَدُ ذَلِكَ الشَّيْءُ، وَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ كَانَ تَحَقُّقُ وُقُوعِهِ بِمَنْزِلَةِ وُقُوعِهِ ; أَوْ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ وَجُودِهِ الْمُتَوَقَّعِ، كَتَسْمِيَةِ الْعَصِيرِ خَمْرًا فِي قَوْلِهِ : ( إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا) ، نَظَرًا إِلَى مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ فِي ثَانِي حَالٍ ” ، والأمر الثاني : أن الخطاب الذي وجه إليه ( كن ) ليس خطابا تكليفيا ، ولا أمرا له بفعل شيء ، وإنما هو خطاب “كوني” ، “قدري” ، وهذا الخطاب : هو دليل قدرة الله تعالى التامة ، وإرادته ، ومظهر ذلك . قال ابن الجوزي رحمه الله : ” فان قيل: هذا خطاب لمعدوم ؟ فالجواب : أنه خطاب تكوين يظهر أثر القدرة ، ويستحيل أن يكون المخاطب به موجودا ، لأنه بالخطاب كان ، فامتنع وجوده قبله أو معه ، ويحقق هذا أن ما سيكون متصور العلم فضاهى بذلك الموجود ، فجاز خطابه لذلك ” “زاد المسير”
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : مَا تَقُولُ فِي قَوْله تَعَالَى : (إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، فأجاب جوابا مطولا ، جاء فيه : ” وقَوْله تَعَالَى (إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) . ذَلِكَ الشَّيْءُ هُوَ مَعْلُومٌ قَبْلَ إبْدَاعِهِ ، وَقَبْلَ تَوْجِيهِ هَذَا الْخِطَابِ إلَيْهِ ، وَبِذَلِكَ كَانَ مُقَدَّرًا مَقْضِيًّا، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ وَيَكْتُبُ ، مِمَّا يَعْلَمُهُ : مَا شَاءَ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ( إنَّ اللَّهَ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مَعَهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اُكْتُبْ ، فَقَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: مَا هُوَ كَائِنٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) . إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الَّتِي تُبَيِّنُ أَنَّ الْمَخْلُوقَ ، قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ : كَانَ مَعْلُومًا ، مُخْبَرًا عَنْهُ ، مَكْتُوبًا ؛ فَهُوَ شَيْءٌ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهِ الْعِلْمِيِّ الْكَلَامِيِّ الْكِتَابِيِّ، وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَتُهُ ، الَّتِي هِيَ وُجُودُهُ الْعَيْنِيُّ : لَيْسَ ثَابِتًا فِي الْخَارِجِ ، بَلْ هُوَ عَدَمٌ مَحْضٌ ، وَنَفْيٌ صِرْفٌ .
أيها المسلمون
والمتأمل والمتدبر لقوله تعالى : (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، يتبين له أن الآية الكريمة تدعوه إلى اللجوء إلى الله ، فإذا كنت مع القدير شعرت بالقوة ، وإذا عرفت قدرة الله عز وجل.. شعرت بالضعف أمامه، وترى نفسك صغيرًا بدون معونته ، ويحملك ذلك على العدل والإنصاف خوفًا من بطشه، وحبًا في معيته ، فإذا عرفت الله وقدرته وقدره خضعت له واستعنت به، واعتمدت عليه، وتوكلت عليه ،فأصبحت أقوى الأقوياء، وإذا عرفت قدرته صَغُرت نفسك ووقفت عند حدها وافتقرت إليه.. وتوكلت عليه ، فتخيل شخصًا عنده قضية في المحكمة ومعه محامٍ ماهر قد وكله، وهو موسوعة قانونية لم يخسر قضية في حياته نحن هذا، الشخص قضيتنا الشريعة ورجوع الحقوق والدماء ووكلنا الله في الدفاع عنَّا ورد الحقوق. وكلَّنَاه وفوَّضنا الأمر إليه. وتخيل شخصًا عنده عملية جراحية، وذهب إلى جراح عالمي صاحب خبرة ومهارة عالمية وأجرى نفس العملية مراتٍ عديدة بنجاحٍ ويُسرٍ وسهولةٍ فهو مرتاح البال واثق من شفائه، فالشافي هو الكبير المتعال ،القدير العزيز الحكيم الذي مجرَّات الكون بيده ،ولا يُعجِزه شيء في أرضٍ أو سماء. ، فلتستقر قلبًا ، ولتهدأ بالًا.. إنه الإيمان.. والثقة.. والاطمئنان.. الإيمان بالله، والثقة بوعده، والاطمئنان إلى قضائه وحكمه .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقوله تعالى :(إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) هي آية تبعث في النفس الأمل ، فكل الأمنيات التي تراها محال تَصْغر أمام قدرة الله جل وعلا ، فما من أحد منا إلا وعنده حاجة ،فهناك المريض ،وهناك من أثقلت كاهله الديون، وهناك من يعاني من المشكلات العائلية المزمنة ، وهناك من يعاني من عقوق أبنائه ،وتتعدد وتتشعب احتياجات الناس وما يعانون منه ، وقد يتعب الكثير في علاج ما يعانون منه، أتدرون ما أقصر طريق إنه اللجوء إلى من بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير، فهذا أيوب ( عليه السلام) بعد أن عانى من المرض لسنوات طويلة لجأ إلى من هو على كل شيء قدير فجاءه الفرج ، قال الله تعالى : { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} (83) ،(84) الأنبياء ، والأمثلة عديدة ، بيد أن ذلك لا يعني ترك الأسباب من الذهاب للأطباء ونحوها ،إلا أن الأساس تعلق القلب بالله وكثرة اللجوء إليه ، فهو وحده الذي يفرج ما بالعبد من كرب ويجعل الأسباب تؤدي نتائجها، وهو ينادي جميع عباده المؤمنين ويفتح لهم أبواب الفرج بقوله تعالى : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } (غافر:60).
الدعاء