خطبة عن (وقفات مع الحاج)
يونيو 23, 2023خطبة عن بر الوالدين (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)
يوليو 1, 2023الخطبة الأولى ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (40) النحل
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله العزيز ،نتدبرها ،ونتفهم معانيها ،ونسبح في بحار مراميها ،ونؤمن بما جاء فيها ،وقد جاء في تفسير البغوي “معالم التنزيل”: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَبْعَثَ الْمَوْتَى فَلَا تَعَبَ عَلَيْنَا فِي إِحْيَائِهِمْ وَلَا فِي شَيْءٍ مِمَّا يَحْدُثُ إِنَّمَا نَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ). ، وفي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « قَالَ اللَّهُ كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ إِنِّي لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأْتُهُ ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ، وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِى لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُؤًا أَحَدٌ » ،وفي تفسير الوسيط لطنطاوي يقول : (في ذلك تأكيد لقدرة الله – تعالى – النافذة ، وشمولها لكل شيء من بعث وغيره ، وذلك لأن الكفار لما أقسموا بالله جهد أيمانهم بأنه – سبحانه – لا يبعث الموتى ،ورد عليهم بما يبطل مزاعمهم ، أتبع ذلك ببيان أن قدرته – تعالى – لا يتعاصى عليها شيء ، ولا يحول دون نفاذها حائل) .،وقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ – قَالَ – وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ». ،وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ،وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ،وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ » ،وفي سنن أبي داود وغيره 🙁 قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لاِبْنِهِ يَا بُنَىَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ. قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ». يَا بُنَىَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّى ».
فهذه النصوص تبين أن المخلوق قبل أن يخلق كان معلوماً مخبراً عنه مكتوباً، فهو شيء باعتبار وجوده العلمي الكلامي الكتابي ، وإن كانت حقيقته التي هي وجوده العيني ليس ثابتاً في الخارج، بل هو عدم محض، ونفي صرف، وهذه المراتب الأربعة المشهورة للموجودات، قد ذكرها الله سبحانه وتعالى في أول سورة أنزلها على نبيه في قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5]، وإذا كان الأمر كذلك ، كان الخطاب موجها إلى من توجهت إليه الإرادة ،وتعلقت به القدرة وخلق وكون، كما قال:{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40]، فالذي يقال له: كن هو الذي يراد، وهو حين يراد قبل أن يخلق له ثبوت وتميز في العلم والتقدير، ولولا ذلك لما تميز المراد المخلوق من غيره، وبهذا يحصل الجواب عن التقسيم.
أيها المسلمون
إنّ الله سبحانه وتعالى ما إن يرد شيئاً إلاّ تحقّق فوراً، وليس بين إرادته ووجود ذلك الشيء أيّة فاصلة، وعليه فإنّ «أمره» و«قوله» وجملة «كن» كلّها توضيح لمسألة الخلق والإيجاد. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال : هل كل ما يريده الله يقول له (كن) فيكون؟! ، والجواب : نعم.. فإن الله تعالى يقول حقيقة للأشياء (كن) فتكون، ونعلم عقيدة أن هذه الأشياء قد سبق كتابتها في (اللوح المحفوظ)، ولكنها تخرج إلى الواقع بكلمة (كن)، وهذا في جميع المخلوقات عدا ما استثناه الله من (خلق آدم بيده، وغرس الجنة بيده ، وكتب التوراة بيده سبحانه وتعالى) ، وعدا ذلك ، فكل شيء بقوله (كن) سبحانه وتعالى، ولو تتبعنا الآيات التي ورد فيها قول الله {كن فيكون}، وهي في ثمانية مواضع من كتاب الله ، وهي ، قوله تعالى : {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (البقرة:117). وقوله تعالى : {رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (آل عمران:47). وقوله تعالى :{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (آل عمران:59). وقوله تعالى :{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (الانعام:73). وقوله تعالى : {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (النحل:40). وقوله تعالى :{مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (مريم:35). وقوله تعالى : {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس:81-82). ، وقوله تعالى : {فَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (غافر:68). ، فهذه الآيات منها ثلاث هي في خلق عيسى عليه السلام، وثلاث منها في إحياء الموتى ،واثنتان في بيان عموم خلق الله سبحانه وتعالى، ولكن على العموم، هذه الآيات تبين أن لا شيء يعجز الله، ولا يستغرق من الله إلا أن يقول له (كن) فيكون، وفي التفسير: «وإنما قال: (فيكون) ولم يقل فكان.. لاستحضار صورة تكونه، وامتثاله لأمر الله بمجرد أن كان (كن)، وموضع آخر: فالله تعالى أخرج السموات والأرض وما فيهن من العدم إلى الوجود لحكم عظيمة وأودع في جميع المخلوقات قوى وخصائص تصدر بسببها الآثار المخلوقة هي لها ورتبها على نظم عجيبة تحفظ أنواعها وتبرز ما خلقت لأجله، وأعظمها خلق الإنسان وخلق العقل فيه والعلم، وفي هذا تمهيد لإثبات الجزاء إذ لو أهملت أعمال المكلفين لكان ذلك نقصانا من الحق الذي خلقت السموات والأرض ملابسة له، فعقب بقوله تعالى: { وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ } الانعام 73،.
أيها المسلمون
وإنّ النّاظر المُتأمّل في آلاء الله -تعالى- في الكون، والمُتفكّر في بديع خلق الله -سبحانه- يدرك – بلا شك- أنّه -سبحانه- خالقٌ وما سواه مخلوق، وأنّه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، وهو الكبير المُتعال، كما أنّ المؤمنين يقودهم هذا التأمل والتّفكر إلى مزيد من التعلّق بالله – تعالى- والتسليم بعظمته، قال -عز وجل- على لسان أهل الإيمان: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 191]، فأنّى اتجه المرء بنظره ، يجد كلّ شيء حوله يدلّ على عظمة المولى -عز وجلّ-، وقد حثّ الإسلام في كثير من النّصوص على إعمال النّظر ،والتّفكر في خلق السموات والأرض وما بينهما، وقدّم كثيراً من الشواهد على عظمة الخالق -سبحانه- ، ليستيقن من كان في قلبه شكّ، ويثبّت الذين آمنوا، وقد ساعد تقدّم العلم في العصر الحديث على كشف كثيرٍ من الحقائق التي تبرهنُ على وجود الخالق ووحدانيته سبحانه وتعالى
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونحن – المسلمين – نؤمن أن المخلوقات كلها في قبضة الله ، لا تنفك عن محض علمه وتقديره وتدبيره ، فهو سبحانه وتعالى يدبر الأمر ، ويرسل الرياح ،وينزل الغيث، ويميت ويحيي، ويمنع ويعطي، وهو سبحانه وتعالى عالم الغيب الكبير المتعال، يعلم مثاقيل الجبال، وعدد حبات الرمال، ومكاييل البحار، وعدد قطرات الأمطار، وما تساقط من ورق الأشجار، وهو سبحانه وتعالى خلق المخلوقات، وأوجد الموجودات وصور الكائنات، وخلق الأرض والسموات، وخلق الماء والنبات، ليس بحاجة إلى الأسباب حتى يفعل، لأنّه الفعال لما يريد ،بأسباب وبلا أسباب وبعكس الأسباب، فهو سبحانه وتعالى جعل بالماء كل شيء حي، وبه أغرق وأهلك، وقد حفظ يونس في بطن الحوت بلا أسباب، وحفظ إبراهيم في وسط النار بعكس أسباب، وحفظ إسماعيل وأمه بواد غير ذي زرع، وخلق عيسى بلا أب، وحواء بلا أم، وآدم بلا أب ولا أم، وهو سبحانه وتعالى رزق مريم فاكهة الصيف في الشتاء ،وفاكهة الشتاء في الصيف، وبالبحر أنجى موسى وقومه، وبالبحر أغرق فرعون وجنده، له سبحانه وتعالى الاسم الأعظم الذي تكشف به الكربات ،وتستنزل به البركات ،وتجاب به الدعوات، وهو سبحانه وتعالى مؤنس كل وحيد، وصاحب كل فريد، وهو سبحانه قريب غير بعيد، وشاهد غير غائب، وغالب غير مغلوب، صريخ المستصرخين، غياث المستغيثين، عماد من لا عماد له، سند من لا سند له، وهو سبحانه وتعالى عظيم الرجاء، ومنقذ الهلكى، ومنجي الغرقى، والمحسن المجمل، ومبدئ النعم قبل استحقاقها، وهو سبحانه وتعالى خلق المخلوقات، وأوجد الموجودات ، وصور الكائنات، وخلق الأرض والسموات، وخلق الماء والنبات، هو سبحانه حي لا يموت، ولم يسبق وجوده عدم، ولا يلحق بقاءه فناء، وله وحده البقاء والدوام، وهو الحي الموجود ، الواجب الوجود، الباقي في أزل الأزل إلى أبد الأبد، وكل شيء هالك إلّا وجهه سبحانه ، بعلمه وبقدرته وبحكمته قامت الأرض والسموات، وأنزلت الكتب وأرسلت الرسل وشرعت الشرائع، وانقسمت الخليقة إلى أشقياء وسعداء، وحقت الحاقة ،ووقعت الواقعة، ووضعت الموازين بالقسط، ونصب الصراط، وقام سوق الجنة والنار،
الدعاء