خطبة عن الرِفْق بِالضَّعِيفِ،وحديث (ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ نَشَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ)
ديسمبر 4, 2021خطبة عن ( علاقة الإيمان بالأخلاق )
ديسمبر 4, 2021الخطبة الأولى ( إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (6): (8)العاديات
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) العاديات (6) ،قال السعدي في تفسيره : قوله تعالى : ( إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ) أي: لمنوع للخير الذي عليه لربه ،فطبيعة الإنسان وجبلته، أن نفسه لا تسمح بما عليه من الحقوق، فتؤديها كاملة موفرة، بل طبيعتها الكسل والمنع لما عليه من الحقوق المالية والبدنية، إلا من هداه الله، وخرج عن هذا الوصف إلى وصف السماح بأداء الحقوق،فقوله تعالى : (إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ) أي : إن الإنسان لكفور لنعم ربه ، فهو يعد المصائب, وينسى النعم ، فقد طبع الإنسان على كفران النعمة. والكنود : هو الَّذِي يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَضْرِبُ عَبْدَهُ, وَيَمْنَعُ رِفْدَهُ ” . وهو الذي يكفر باليسير ، ولا يشكر الكثير ، وجاحد للحق ، وقال الفضيل بن عياض : ” الكنود ” هو الذي أنسته الخصلة ، الواحدة من الإساءة الخصال الكثيرة من الإحسان ، وقال أبو بكر الواسطي : الكنود : هو الذي ينفق نعم الله في معاصي الله . وقال أبو بكر الوراق : الكنود : الذي يرى النعمة من نفسه وأعوانه . وقال الترمذي : الذي يرى النعمة ولا يرى المنعم . وقال ذو النون المصري : الكنود : هو الذي إذا مسه الشر جزوع ، وإذا مسه الخير منوع . وهو الحقود الحسود ، الجهول لقدره ، ومن جهل قدره ، فقد هتك ستره .
أيها المسلمون
إن الإنسان يبقى متقلبًا في نعم الله زمانًا طويلًا، ووقتًا مديدًا، رافلًا في حُلل العافية، وممتَّعًا بهناءة العيش، ودوام الصحة، وتيسير الأمور، وصلاح الأحوال. فإذا ما مسَّته نفحةٌ من بلاءٍ ،ونزلت به شدة عارضة؛ تبرَّم وتضايق، وأخذ يعد أيام البلاء ويستطيلها، ويُكثِر الشكوى منها، وينسى أيام العافية ويجحدها. وتالله إن هذا لهو الْكَنُودُ بعينه، وهو طبع في جنس الإنسان إلا من رحمه الله وعافاه. والْكَنُودُ أنواعٌ كثيرة ، وقلَّما خلا منها أحد : فقد يكون بالحال وعمل القلب من تسخُّطٍ وضِيقٍ وعدم صبر، وقد يكون باللسان وكثرة الشكاية، وكتم النعم وإظهار البلايا، وقد يكون بالفعل، فلا تظهر نعم الله عليه ولا يصرفها في مرضاتها ولا يوظفها لما ينفعه في آخرته. وكما قال الشاعر:
يَا أَيُّهَا الظَّالِمُ فِي فِعْلِهِ *** وَالظُّلْمُ مَرْدُودٌ عَلَى مَنْ ظَلَمْ
إِلَى مَتَى أَنْتَ وَحَتَّى مَتَى *** تَشْكُو الْمُصِيبَاتِ وَتَنْسَى النِّعَمْ!
فالإنسان يقف طويلًا عند المصائب والمحن والابتلاءات ، فيرى المصيبة وكأن الدنيا ليس فيها أثر لنعمة أنعم بها الله سبحانه عليه، ويرى الكون بأسره ، وحياته السابقة والحاضرة واللاحقة من زاوية تلك المحنة التي ابتلي بها ، أو ذلك الفقد الذي أصابه. إن الإنسان يقف طويلا عند المحن والمصائب ،وينكر تماما النعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها عليه في قديم أو حديث ، ينسى تماما أن الله قد أنعم عليه قبل أن يخلقه ، ثم منذ خلقه ثم بعد خلقه، ثم عند مماته ، ثم عند بعثه، فهو يرفل في نعم الله عز وجلّ ، لا تفارقه تلك النعم ظاهرة وباطنة ، وإن فقد نعمة من النعم، فذلك كله لا يخرج الأمر عن عدل الله سبحانه وحكمته ولطفه ورحمته ، فلربما انقلبت تلك المحنة أو المصيبة أو الفقد إلى عطاء ومنحة ، وحياتنا التي نعيشها ، لو تفكرنا بها مليًا ، لوجدنا عشرات الأمثلة التي تؤكد هذه المعاني ، فالمحن ليست كما هي في ظاهرها ، وهي ليست بذلك السوء الذي تصوره لنا أنفسنا الضعيفة حال وقوع الموقف الشديد ، أو الموقف الصعب ، إنما ينبثق هذا عن غفلتنا عن معنى الحياة ، ولطبيعة الحياة ،ولمعنى الابتلاء ، وأسرار القضاء والقدر ، وأننا لا سابقة فضل ولا إحسان لنا عند الله سبحانه وتعالى لكي ننكر عليه سبحانه وتعالى نعمه ،ونقف طويلا عند المصائب أو المحن ،حتى وإن تعددت، صحيح أننا نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة ، ولكننا في نهاية الأمر لا ينبغي أن نخرج عن حدود بشريتنا ،وعبوديتنا له سبحانه ،وإدراكنا تمامًا لمعنى أننا عبيد ، وأن الفضل والأمر والإحسان والخير والعطاء بيده سبحانه ، وأنه لا حجة لنا بين يديه سبحانه لنطالبه بالعطاء ،أو ننكر عليه المنع ، أو نتساءل عن تلك الحكمة وراء ما نصاب به. صحيح أننا ضعفاء ، وأننا تعترينا أحوال الضعف ، لكن حتى في أحوال الضعف والمحن والصعوبات لا ينبغي لنا أبدًأ أن نتناسى طبيعة إيماننا بالله سبحانه ، تلك الثقة التي ينبغي أن تبنى بيننا وبينه عز وجلّ ، لا ينبغي كذلك أن نتناسى عشرات ومئات النعم العظيمة التي يغدق الله سبحانه وتعالى بها علينا في الليل والنهار ، في حال الطاعة أو في حال المعصية ، فنعمه وعطاؤه غير موقوف ولا موصول فقط لمن أطاعه، وغير مرتهن بمن يطيعه سبحانه ، وإنما هو مبذول لكل عباده سبحانه وتعالى، نعمه علينا لا تحصى ، نسيناه أم ذكرناه شكرناه أم قنطنا وجزعنا ،فله الفضل والإنعام، ولو تأملنا على سبيل المثال في نعمة واحدة فقط: تلك الأنفاس التي تدخل وتخرج دون شعور منا في كثير من الأحيان ، هذه الأنفاس التي حين تتوقف لأي سبب أو عارض مرضي ، يشعر الإنسان حينئذ بمعنى ضعفه وعجزه الحقيقي بمعنى حاجته إلى الله سبحانه وتعالى ، يشعر وكأن الدنيا بكل سعتها وحجمها أصبحت أضيق من ثقب إبرة ، ضاقت عليه وأطبقت عليه وكتمت على أنفاسه ، هذه نعمة واحدة فقط ، ونحن نرفل في تلك النعمة منذ أن خلقنا الله تعالى إلى أن نفارق هذه الدنيا، هذه واحدة فقط، فما بالنا حين تنزل بنا نازلة ما، عارض من العوارض ، لربي فيها حكمة ، فيها إرادة ، فيها سبب ، ولا تخرج تلك الأسباب حين نثق بالله حق الثقة ونؤمن به حق الإيمان عن عدله وحكمته ورحمته، ما بالنا حين تحل تلك النازلة تتغير الأمور ،وننسى كل النعم؟! ، ننسى في بعض الأحيان حتى حين نصاب بألم بسيط ، ألم الصداع الذي يمكن أن يذهب بتناول قرص من الدواء ، ننسى كل ما لدينا من نعم في الصحة ، على الرغم من أننا نتنعم بكل هذه النعم دون أن نقف طويلًا عندها. كثير منا اليوم ، وخاصة مع طبيعة الحياة التي نعيشها ، حياة السرعة، فقدنا مع تلك السرعة في بعض الأحيان الإحساس بالنعم، والتوقف عند النعم، والشعور بمعنى أن نعدد النعم في كل صباح، في كل نفس من الأنفاس، في بداية اليوم الذي نبدؤه باسم الله سبحانه ونشكره على أن أعطانا يومًا جديدًا، ساعة من نهار جديدة يمكن أن نزيد من خلالها في أعمال صالحة أو نتوقف عن أخرى سيئة أو نبادر إلى أخطاء ارتكبناها فنصححها،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
كلنا بحاجة ماسة إلى أن نتخلص من حالة الكنود، حالة تدخل الإنسان في شقاء، وفي تعاسة حقيقية ، والقرآن يعلمنا أن نكون لله شاكرين، لحكمته خاضعين مستسلمين منقادين، مستشعرين بأنعم الله سبحانه نحن لا نكاد ولا نستطيع أن نحصيها ولكننا نستطيع أن نتنعم ونستشعر معنى شكر هذه النعم، معنى أن تؤخذ منا هذه النعم، معنى أن تفارقنا تلك النعم التي ألِفنا واعتدنا على وجودها في حياتنا. فأجمل من أن يكون لدينا تلك النعم ، أن يكون عندنا الشعور بشكر تلك النعمة، والشعور بالامتنان لله الذي خلق وأعطى ،ووسّع علينا في أرزاقنا وفي حياتنا وأعظم تلك الأرزاق أن يرزقنا الشكر والشعور بالنعم.
أيها المسلمون
الأصل أن تكون أيها المسلم عبداً لله ، تشكرُ نعمه ، وتعترف بحقه ، وتقف مع المأمورات وتتجنب وتبتعد عن المنهيات ، فإذا كان هناك حالٌ غير ذلك فهو قلب للحال المطلوب ، فالمطلوب شرعاً هو أن توفي حق ربك ، ولكن الكنود هو من يذكر المصاب الذي يأتيه وينسى النعم التي تغطيه ، فكل من كان مما لا يذكر مما أصابه إلا المصائب فتعمى عينه عن النعم فهو كنود ، لأنك مهما أصابك ، فأنت مصابٌ واحد ، وفي المقابل ألف نعمة ، لأن الله رحيمٌ ودود ، لأن الله رحمنٌ رحيم ، لأن الله يحبُ أن ينعم على عباده … فإذا كان العبد كنوداً ، يذكر البلايا ، وينسيَ الإنعام ،فينبغي أن تتنبه ، فتقول مع نفسك : (اللهم لا تجعل البلاء يُعميني عن النعماء) .
الدعاء