خطبة عن (دروس تربوية من قصة موسى والخضر)
مايو 30, 2020خطبة حول (السَّاعَةُ: مَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟)
مايو 30, 2020الخطبة الأولى ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ) (11) محمد
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع آية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، مع قوله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ) (11) محمد ، فقد جاء في سبب نزول هذه الآية : أنه لما قال أبو سفيان صخر بن حرب رئيس المشركين يوم أحد حين سأل عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وعن أبي بكر وعمر فلم يجب ، ففي صحيح البخاري : (… فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَنْ يُجِيبُوهُ ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِى قُحَافَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَمَّا هَؤُلاَءِ فَقَدْ قُتِلُوا . فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ ، وَقَدْ بَقِىَ لَكَ مَا يَسُوؤُكَ . قَالَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي ، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ أُعْلُ هُبَلْ ، أُعْلُ هُبَلْ . قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا نَقُولُ قَالَ :« قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ » . قَالَ : إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ » . قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا نَقُولُ : قَالَ « قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ » ، وقال ابن عاشور في تفسيره : ومعنى الآية : أن الله ينصر الذين ينصرون دينه ،وهم الذين آمنوا ،ولا ينصر الذين كفروا به ، فأشركوا معه في إلهيته ، وإذا كان لا ينصرهم فلا يجدون نصيراً ،لأنه لا يستطيع أحد أن ينصرهم على الله ، فقوله تعالى : { وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ } أفاد شيئين : أن الله لا ينصرهم ، وأنه إذا لم ينصرهم فلا ناصر لهم ، وفي حلية الأولياء لأبي نعيم حديث موقوف ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجَمَلِ جَعَلَ الزُّبَيْرُ يُوصِي بِدَيْنِهِ ، وَيَقُولُ : يَا بُنَيَّ ” إِنْ عَجَزْتَ عَنْ شَيْءٍ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِمَوْلايَ ” ، قَالَ : فَوَ اللَّهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ : يَا أَبَتِ ، مَنْ مَوْلاكَ ؟ قَالَ : ” اللَّهُ ” ،قَالَ : فَوَ اللَّهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ ، إِلا قُلْتُ : يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ ، اقْضِ دِينَهُ فَيَقْضِيَهُ ) ،وروى مسلم في صحيحه : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « .. اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا ) ،وفي تفسير ابن رجب قال : من حفظ حدود الله وراعى حقوقه، تولى الله حفظه في أمور دينه ودنياه، وفي دنياه وآخرته . وقد أخبر الله تعالى في كتابه أنه ولي المؤمنين وأنه يتولى الصالحين ، وذلك يتضمن أنه يتولى مصالحهم في الدنيا والآخرة، ولا يكلهم إلى غيره ، وعلى قدر اهتمام العبد بحقوق الله ومراعاة حدوده . واعتنائه بذلك وحفظه له يكون اعتناؤه به وحفظه له، فمن كان غاية همه رضا الله عنه وطلب قربه ومعرفته ومحبته وخدمته، فإن الله يكون له على حسب ذلك ، فالإنسان لا يؤتى إلا من قبل نفسه ولا يصيبه المكروه إلا من تفريطه في حق ربه عز وجل . قال الامام علي – رضي الله عنه -: لا يرجون عبد إلا ربه ، ولا يخافن إلا ذنبه . فما على المؤمن ،بعد أن يؤدي ما أمره الله به ،فيجده حيث أمره ، ويفتقده حيث نهاه ، إلا أن يتوجه إلى الله عز وجل ،في عسره ويسره ، في شدته ورخائه ، ويكون إقباله على الله أشد ، ودعاؤه إياه أقوى ، وطمعه في رحمته أوسع ، إذا ما أبتلي بشيء من الخوف ،أو الجوع ،أو نقص من الأموال أو الأنفس أو الثمرات، عندها فإن الله عز وجل يجيب مَن سأله، ويمنح من طلبه، ويعز من التجأ إليه؛ لأن من جعلَ ولاءه لله عز وجل بحق ،تولاه الله بنصره ،وحفظه ،بمنه وكرمه, فهو سبحانه يعز من والاه، ويذل من عاداه، نِعم المولى ونِعم النصير، قال الله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) الحج/78.
وفي قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون، دليل وبرهان على أن الله ينصر أولياءه ، ويؤيد حزبه ، وينصر عباده المؤمنين ، فعندما قال مَن آمن مع موسى عليه السلام مِن بني إسرائيل في ذعر وخوف وهلع: ( قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) الشعراء/61؛ فالبحر أمامهم وفرعون وجنده خلفهم، إلا أن موسى عليه السلام لم يأخذ برهة من الوقت ليجيبهم على ذلك، بل قال بلسان الواثق بنصر الله وتأيده له: ( قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) الشعراء/62، فجاء الأمر الإلهي نصرة لأوليائه: ( فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) الشعراء/63-68. وهكذا أغرق الله عز وجل فرعون وجنوده، وأنقذ موسى عليه السلام ومَن آمن معه،لتظل قصة موسى شاهداً على أن الأمن والأمان لا يكونان إلا في جنب الله، وأن الخوف لا يكون إلا في البعد عن الله، وأن الطغيان حينما يعلو لا يحتاج إلى من يدفعه، وإنما يحتاج إلى قوم يجعلهم الله أئمة ووارثين، لقد ألقي موسى في اليم، وألقي فرعون في اليم، فكان اليم منجاة لموسى، ومهلكه لفرعون، إذ عاقبة موسى عاقبة المتقين، وعاقبة فرعون عاقبة الكافرين الظالمين، فلنأخذ من هذا المعتبر، ولنصبر فإن وعد الله حق، ولكن مع الذين اتقوا منهم وأحسنوا ، قال الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ) النحل/128
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فمن كفر بالطاغوت وآمن بالله فإنه ولي من أولياء الله؛ قال الله تبارك وتعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (257) البقرة ، وما ذلك إلا لأنهم كفروا بالطاغوت وآمنوا بالله وحده لا شريك؛ فلا يبغون عنه بدلاً، ولا يشركون به أحداً، قد اتخذوه حبيباً وولياً، ووالوا أولياءه وعادوا أعداءه، فتولاهم بلطفه ومنَّ عليهم بإحسانه؛ فأخرجهم من ظلمات الكفر والمعاصي والجهل إلى نور الإيمان والطاعة والعلم؛ وهذه من ثمرات ولاية الله الخاصة لهم؛ أما من كفر بالله فإنه قد والى الشيطان ووالاه الشيطان؛ ولهذا قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ}؛ فتولوا الشيطان وحزبه، واتخذوه من دون الله وليا ووالوه وتركوا ولاية ربهم وسيدهم، فسلطه عليهم عقوبة لهم فهو يؤزهم إلى المعاصي أزا، ويزعجهم إلى الشر إزعاجاً، فيخرجهم من نور الإيمان والعلم والطاعة، إلى ظلمة الكفر والجهل والمعاصي. وحين نقول أن الله ولي المؤمنين، وأن الله ليس ولي للكافرين بالمعنى الخاص، بل الشيطان وليهم؛ لا نعني أبداً أن الكفار خارجين عن ولاية الله وملكه وتصرفه وقدرته، بل هم داخلون تحت ولاية الله العامة، منفية عنهم ولاية الله الخاصة التي ينفرد بها المؤمنون؛ ،كما في قوله تعالى : {الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ}(257) البقرة ؛ وأما الكفار فإنهم تحت ولاية الله العامة أي تحت قهر الله وقدرته وملكه وتصرفه؛ كما في قوله تعالى : {وَرُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يونس(30)، فلما تولوا عن الله، ووالوا غيره جازاهم الله على ذلك أن حرموا الخيرات، وفاتهم النعيم والبهجة والمسرات، وكانوا من حزب الشيطان وأولياءه في دار الحسرة، فلهذا قال تعالى: {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} البقرة 39،
الدعاء