خطبة عن ( إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس ، فتذكر قدرة الله عليك)
أكتوبر 31, 2020خطبة عن الركون إلى الدنيا ، وقوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا )
أكتوبر 31, 2020الخطبة الأولى ( سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) (26) القمر
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]،واليوم إن شاء الله موعدنا مع آية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) (26) القمر ،والمعنى كما جاء في التفسير الميسر : أي : سَيَرى المكذبون، والضالون، والمفسدون ، وأهل الكفر والنفاق ، والضلال ، سيرون عند نزول العذاب بهم في الدنيا ،ويوم القيامة مَنِ الكذاب المتجبر؟ وفي الوسيط لطنطاوي : أي : سيعلم هؤلاء الكافرون ، في الغد القريب ،يوم ينزل بهم العذاب المبين ، من هو الكذاب في أقواله ، ومن هو المغرور المتكبر على غيره ،
وهكذا تبين لنا الآية الكريمة ، أن دعاوى الضالين والمنحرفين على مر التاريخ لا تنتهي ، وذلك من قذف للصالحين، والنيل من المؤمنين الصادقين ، والوقوف في وجه المصلحين ، فالوحي في هواهم، كذب، والنبوة في عقيدتهم تخريف، والمناصحة تعالٍ، والاشفاق نفاق، والدين ارهاب ، والتوحيد ضلال وردّة، ووحي الله وهمٌ وشِعر، والصادق الأمين هو كذاب خائن ، ويصل المشهد ذروته أن يُصبح “الطهر” و ”العدل”، و ”الصدق” و ”الأمانة” في عُرفهم تهمة موجبة للحبس والقتل والطرد، وقد قال الله تعالى على لسان قوم لوط بعد أن أفحمهم نبيّ الله وردّ شبههم: (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (الأعراف:82). نعم، لقد كانت تلك هي التهمة بكل وضوح، وصدّقها القطيع بكل غباء ، تهمتهم أنهم : (أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) ، نعم يتطهرون عن الفاحشة والرزيلة ، يتطهرون عن الفساد والضلال ، يتطهرون عن الكذب والبهتان ، يتطهرون عن الظلم والبغي والغش والخداع و….وفي عرفهم ، ومن طبعهم أن كل نبي أو مصلح متهم، حتى تثبت براءته، بل هو كذاب أشر، ومع كذبه بزعمهم، هو مستكبر متعال، مدع لما ليس فيه، ويشبه ذلك ما نسمعه ونشاهده اليوم من دوام اتهام الاسلاميين بالأكاذيب، وأنهم تجار دين، او متأسلمون، او عملاء لتيارات اجنبية ، وأن الدين رجعية ، والتمسك بالدين تزمت و..فهؤلاء من أرباب الهوى، تغشاهم غاشية من عمى وظلامة، تحول دون استنارتهم ، فلا يبصرون الحق ، ولا يعلمون حقيقة ما هم فيه ، إلا حينما يعاينون العذاب، او تنجلي لهم الأمور في عرصات القيامة، حيث تجد كل نفس ما عملت محضرا، وأحضرت الشهود، وتطايرت الصحف، وامتاز المجرمون،
أيها المسلمون
ولا يزعج الأفّاكين والكذابين من أعداء الملة والدين إلا ثبات المؤمنين، رغم الظلم والقهر والبطش والأذى.. ولا يغيظهم أكثر من روح الثبات والتحدي عند هؤلاء، وحرصهم المستميت على مواصلة الطريق، ورفضهم كل الإغراءات، وردّهم الإساءة بالإحسان رغم تظافر العدوان.. ولسان حالهم ومقالهم يقول : (قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) (الأعراف:89). وشبيها بحال هؤلاء ما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: اجتمع إلى الوليد بن المغيرة نفر من قريش، وكان ذا شرف فيهم، وقد حضر الموسم -أي موسم الحج- وقدوم القبائل، فقال لهم: يا معشر قريش، إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأيًا واحدًا، ولا تختلفوا فيكذب بعضُكم بعضًا، ويرُدَّ قولُكم بعضَه بعضًا، فقالوا: وأنت يا أبا عبد شمس، فقل وأقم لنا رأيًا نقول به، قال: بل أنتم قولوا لأسمع، قالوا: نقول كاهن. قال: ما هو بكاهن، قالوا: فنقول مجنون، قال: ما هو بمجنون، قالوا: فنقول شاعر، قال: ما هو بشاعر، قالوا: فنقول ساحر، قال: ما هو بساحر، قالوا: فماذا نقول؟! قال: والله إن لقوله حلاوة، فما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا عُرف أنه باطل، وإن أقرب القول أن تقولوا: هو ساحر. فتفَرّقوا عنه بذلك، فأنزل الله جلّ شأنه: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الحجر:92-93).
أيها المسلمون
(سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) (26) القمر ،فالدين دين الله، والأمر أمر الله، والخلق عبيد الله ، وهؤلاء المضلون المفسدون سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ، فلا تكن يومًا مثلهم، ولا تنزل من عليائك إلى حضيضهم وسفالتهم، قد يؤذيك بهتانهم، وقد تجرحك افتراءاتهم، ولكنها لا تهتك سترك بل أستارهم، فلا تُنعمهم بكلمة نابية وإن كالوا لك الكلمات، ولا تُفرحهم بمذمة وإن أغرقوك بالمذمات.وكيف لا تصبر.. وصبرك لله، وبالله، ومع الله، وأجرك على الله، قال الله تعالى : (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال:46). فالله تعالى يعلم حُزنك وما خفي من أمرك، واضطراب فؤادك حين تسمع تلفيقهم، وبهتانهم، والتهم الباطلة التي يكيلونها في حق المؤمنين. فاصبر على ما يقولون، وكن خيرًا مما يظنون،، واحذر مع الصبر أن تتكلف لهم المعاذير لإعراضهم عنك، فهم أموات لا يسمعون، وعُمي لا يُبصرون ، قال الله تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (الأنعام:33-35).فلا تتخاذل أيها المسلم في طريقك إلى الله ، ولا تُخافت بدعوتك ما دمت على الحق تسير، انثر جواهر الحق بالحكمة، واكشف زيف الباطل بالعلم، وابذل النصيحة بصدق، فإن جاءك غاشّ في ثوب ناصح، أو مفتون في ثوب واعظ : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94). وهكذا فليكن مسيرك صدعًا وإعراضًا.. صدعًا بالحق، وإعراضًا عن الباطل.. صدعا بالعدل وإعراضا عن الظلم.. صدعا بالفضائل وإعراضا عن الرذائل. وإذا وجدت شقاءك ونصبك في مضمار الحياة فالجأ إلى محراب الصلاة، وكلما ازداد الطريد في غيّه فازدد أنت في رُشدك، وإن استطال غروره فأمَرك ونهاك بخلاف ما أراد ربك؛ فلا تُطعه (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (العلق:19). هذه وصية الله لنبيك صلى الله عليه وسلم، وهي وصيته إليك ما دمت على نهجه تسير وهديه تترسّم قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ*وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:97-99).وإذا ضاق الصدر فبادر إلى الصلاة، وإذا تبدلت النفوس وتغيرت المفاهيم فلا أحلى من السجود، فلن تجد لك مؤنسًا أرحم بك من الله، فاقطع الرجاء فيمن سواه، فهو أعلم بك وأرحم، وتذكر وصيته الأخرى كلما ضاقت بك الأمور، قال الله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا * وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا * وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (الإسراء:78-81).نعم، هذا شأن الباطل إذا ظهر الحق ،زهوق لا بقاء له ،فبزوغه عنوان أفوله، وصعوده دليل نزوله.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال حديثا موصولا عن قوله تعالى : (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) (26) القمر، فإن غدا لناظره قريب ، وغد هو يوم القيامة ، فهنالك ستُنصب موازين الحق التي لا تُحابي، وسيقف الظالم ظالمًا، والمظلوم مظلومًا.. هنالك ستتجلى الحقائق في دار القسط، سيتجرد الفاضح من ثوب زيفه، والكذاب عن رداء حيفه.. ستُبصر الخائنَ خائنًا، والأمينَ أمينًا.. كلّ شيء سيوضع في ميزانه، كل صغيرة وكبيرة على حقيقتها.. ما عملت لله وما عملت لسواه.. ما شيّدت لأجله، وما شيّدت لغيره.. ولن تُخطئ المنظر العجيب في ذلك اليوم الرهيب ، قال الله تعالى : (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (غافر:16-17). سوف يستقيم الميزان تمامًا في ذلك اليوم، قال الله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المطففين:34-36)، ويصل المشهد ذروته مع القطيع الذي فقد عقله، وفقد دينه.. يتبادلون النظرات، ويتلفتون يمينًا وشمالاً، ثم يتساءلون باستغراب، قال الله تعالى : (وَقَالُوا مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَار * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ) (ص:62-63). فيا لها من غفلة تورث حسرة، لقد كانوا يعتقدون -لكثرة ما يسمعون- بأن هؤلاء الأغمار على شقاوة وضلالة.. فلما دخلوا النار افتقدوهم، ولم يجدوهم.. ولسابق الغفلة يتساءلون: ما لنا لا نرى أولئك “الأشرار” معنا في النار؟ أم لعلهم في جهنم، ولكن لم يقع بصرنا عليهم؟! وما هو إلا قليل حتى تزول الغفلة وتدوم الحسرة، ويسمعون صوت أولئك ينادونهم من الدرجات العاليات، قال الله تعالى : (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (الأعراف:44).هنالك تنجلي الغفلة، وهنالك تزيد الحسرة، وتستبين الحقيقة، ويعلمون: (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) (26) القمر
الدعاء