خطبة عن الاستعاذة بالجن (كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ)
أغسطس 5, 2023خطبة عن (الأَبْرَص وَالأَقْرَع وَالأَعْمَى)
أغسطس 8, 2023الخطبة الأولى ( فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (75) :(80) الواقعة
إخوة الإسلام
لقد أنزلَ الله تعالى القرآن الكريم على نبيِّهِ محمد -صلى الله عليه وسلم- ، ليخرجَ به الناس من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الفَهم والتوحيد والإسلام ، قال الله تعالى : (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) إبراهيم (1)، وقد جعل الله تعالى القرآن معجزةً خالدةً إلى يوم يبعثون، تحدَّى به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قومه ،وما زال القرآن الكريم إلى اليوم يتحدَّى البشر بإعجازه وإحاطته بكثير من الحقائق العلمية المكتَشفة حديثًا، وفي هذه الآيات هي التي بين أيدينا اليوم ،أقسم الله تعالى بمواقع النجوم ،في قوله تعالى : (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) الواقعة (75) ، والله تعالى دائمًا ما يقسم بآيةٍ من آياته المذهلة للبشر، وقوله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) هي من أكثر هذه الآيات إعجازًا، واختلف المفسّرون في قوله 🙁فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) ، حيثُ رُويَ عن ابن عباس قوله: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) أي نجوم القرآن ،فإنه نزلَ جملةً ليلةَ القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا ،ثمَّ نزلَ مفرقًا بعد سنين ،ويروي الضّحاك عن ابن عباس أيضًا قوله: “نزلَ القرآن جملةً من عند الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا ،فنجمته السفرة على عشرين ليلة على جبريل، ونجمه جبريل على نبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم- عشرين سنة وقوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}، أي نجوم القرآن”، ونحو هذا القول قال مجاهد والسدي وعكرمة ،
ولكن في العصر الحديث عرفَ البشر – بعد ما بلغوه من العلوم والتقنيات الحديثة- أنَّ النجوم تبعدُ عن الأرض مسافات هائلة ،لا يعلمُها إلا الله، لذلك ،عندما يفنى نجمٌ تبقى صورته ظاهرة للبشر ،حتى بعد زواله ،وهذه هي مواقع النجوم ،لأنَّ البشر يرونَ صورة النجم بعد فنائه وزواله ،وهذا من آيات الإعجاز في القرآن الكريم، فقوله تعالى:(وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) الواقعة (76) ، يؤكد الله تعالى فيه القسم ،والمعنى : أي لو ازددتم علما في النجوم وحركتها وموقعها في السماء ،فستعرفون أنها تستحق القسم من خالق الكون ،وهو الغني عن القسم، وذلك حتى يبين الله تعالى لبني البشر إحدى عجائب الكون ،وبديع صنعته ،وفي قوله تعالى : (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (75)،(76) الواقعة ، فمن الواضح تماما أن الإنسان القديم لم يكن يعلم حقيقة مواقع النجوم في السماء، وهذا ما نلمسه بكل وضوح في الآية الكريمة (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) أي أن الله تعالى يخاطب الإنسان بأنك لو كنت تعلم حقيقة مواقع النجوم ،ستعلم لماذا أقسمت بها ،وستعلم أيضا عظمة هذا القسم. وقد أكد (محمد علي الصابوني) في تفسيره للقرآن الكريم هذا بقوله: (لم يكن المخاطبون يعلمون عن مواقع النجوم إلا القليل، أما في العصر الحالي فقد ظهرت معجزة القرآن ،يقول الفلكيون: إن مجموعة واحدة من المجموعات التي لا تحصى في الفضاء الهائل، الذي لا نعرف له حدودا، مجموعة واحدة هي (المجرة) التي تنتسب إليها مجموعتنا الشمسية ،تبلغ مئة ألف مليون نجم، وأن من هذه النجوم والكواكب التي تزيد عن عدة بلايين ،منها ما يمكن رؤيته بالعين المجردة ،ومنها ما لا يمكن رؤيته إلا بالتلسكوبات الفلكية، هذه كلها تسبح في الفلك الغامض، ولا يوجد أي احتمال أن يقترب نجم من مجال نجم آخر، أو يصطدم بكوكب آخر….).
وحين يقسم الله تعالى بمواقع النجوم ، ويؤكد سبحانه وتعالى أن هذا القسم قسم عظيم ، ثم يقوله الله تعالى في عقبها : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الواقعة(77) 🙁 80 ) ، ففي ذلك بيان بأن القرآن الكريم هو كتاب عظيم كريم ، وفي الإيمان به والعمل بما فيه سبيل النجاة والحياة السعيدة في الدارين ، وهو سبيل المؤمن للفوز الأبدي بالجنة ،والنجاة من النار, وأنه كتاب طاهر ،مطهر لكل من يعمل بما فيه ,ولا يمسه في السماء إلا الملائكة الأطهار ،ولا يمسه في الأرض إلا المؤمنون الأبرار ,الذين لامس القرآن قلوبهم ،فطهرها ،ولامس أرواحهم فزكاها , فالقرآن لا يطلبه إلا طاهر ،ولا يعمل به إلا مؤمن طائع على سبيل نجاة, وهو تنزيل من الرحمن تبارك وتعالى رحمة بعباده ، وإكراماً للطائعين من خلقه ،وأما أهل الخبث والشياطين، فلا استطاعة لهم إلى مس القرآن ، فدلت الآية على أنه لا يجوز أن يمس القرآن إلا طاهر، وفي قوله تعالى: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: إن هذا القرآن الموصوف بتلك الصفات الجليلة هو تنزيل رب العالمين، الذي يربي عباده بنعمه الدينية والدنيوية، ومن أجل تربية ربى بها عباده، إنزاله هذا القرآن، الذي قد اشتمل على مصالح الدارين، ورحم الله به العباد رحمة لا يقدرون لها شكورا.
أيها المسلمون
ويقول الدكتور/ زغلول النجار : في هاتين الآيتين الكريمتين يقسم ربنا ـ سبحانه وتعالى ـ وهو الغني عن القسم ـ بمواقع النجوم, ثم يأتي جواب القسم: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة: 77 ـ 80) ، والمعني المستفاد من هذه الآيات الكريمة أن الله تعالى يخبرنا بقوله ـ عز وجل ـ: أقسم قسماً مغلظاً بمواقع النجوم ـ وأن هذا القسم جليل عظيم ـ لو كنتم تعرفون قدره ـ أن هذا القرآن كتاب كريم, جمع الفوائد والمنافع, لاشتماله على أصول الدين من العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات, وغير ذلك من أمور الغيب ، وضوابط السلوك ، وقصص الأنبياء ،وأخبار الأمم السابقة والعبر المستفادة منها ,وعدد من حقائق ومظاهر الكون الدالة على وجود الله ،وعلى عظيم قدرته, وكمال حكمته ،وإحاطة علمه، ويأتي جواب القسم: أن الله تعالى قد تعهد بحفظ هذا الوحي الخاتم ،في كتاب واحد مصون بقدرة الله تعالى, محفوظ بحفظه من الضياع أو التبديل والتحريف, وهو المصحف الشريف, الذي لا يجوز أن يمسه إلا المطهرون من جميع صور الدنس المادي(أي المتوضئون الطاهرون), ولا يستشعر عظمته وبركته إلا المؤمنون بالله, الموحدون لذاته العليا, المطهرون من دنس الشرك, والكفر, والنفاق, ورذائل الأخلاق, لأن هذا القرآن الكريم هو وحي الله الخاتم, المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ، وهو معجزته الخالدة إلى يوم الدين, أنزله الله تعالى بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله .
أيها المسلمون
والسؤال : لماذا أقسم الله تعالى بمواقع النجوم ،ولم يقسم بالنجوم ذاتها؟، يقول الدكتور/ زغلول النجار : هذا القسم القرآني المغلظ جاء بمواقع النجوم ،وليس بالنجوم ذاتها، علما بأن النجوم من أعظم صور إبداع الله في الكون، ومواقع النجوم هي الأماكن التي تمر بها في جريها عبر السماء ،وهي محتفظة بعلاقاتها المحددة بغيرها من الأجرام في المجرة الواحدة, وبسرعات جريها ودورانها, وبالأبعاد الفاصلة بينها, وبقوى الجاذبية الرابطة بينها, والمسافات بين النجوم مذهلة للغاية لضخامة أبعادها, وحركات النجوم عديدة وخاطفة, وكل ذلك منوط بالجاذبية, وهي قوة لا تُري, تحكم الكتل الهائلة للنجوم, والمسافات الشاسعة التي تفصل بينها, والحركات المتعددة التي تتحركها من دوران حول محاورها ،وجري في مداراتها المتعددة, وغير ذلك من العوامل التي نعلم منها ولا نعلم،
وهذا القَسم القرآني العظيم بمواقع النجوم يشير إلى سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى إحدى حقائق الكون المبهرة, والتي مؤداها : أنه نظراً للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عن أرضنا, فإن الإنسان على هذه الأرض لا يرى النجوم أبداً, ولكنه يرى مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها, وفوق ذلك أن هذه المواقع كلها نسبية, وليست مطلقة,لأن الضوء كأي صورة من صور المادة والطاقة لا يستطيع أن يتحرك في صفحة السماء إلا في خطوط منحنية، وعين الإنسان لا ترى إلا في خطوط مستقيمة ،وعلى ذلك ،فإن الناظر إلى النجم من فوق سطح الأرض يراه على استقامة آخر نقطة انحنى ضوؤه إليها، فيرى موقعا وهميا للنجم ،غير الموقع الذي انبثق منه ضوؤه، فنظرا لانحناء الضوء في صفحة السماء ،فإن النجوم تبدو لنا في مواقع ظاهرية غير مواقعها الحقيقية، ليس هذا فقط ،بل إن الدراسات الفلكية الحديثة قد أثبتت أن نجوماً قديمة قد خبت أو تلاشت منذ أزمنة بعيدة, والضوء الذي انبثق منها في عدد من المواقع التي مرت بها لا يزال يتلألأ في ظلمة السماء في كل ليلة من ليالي الأرض إلى اليوم الراهن, ومن هنا كان هذا القسم القرآني بمواقع النجوم, وليس بالنجوم ذاتها ـ على عظم قدر النجوم ـ التي كشف العلم عنها أنها أفران كونية عجيبة ،يخلق الله تعالى لنا فيها كل صور المادة والطاقة التي ينبني منها هذا الكون المدرك، ثم إن عدد ما أحصاه علماء الفلك من النجوم في الجزء المدرك من السماء الدنيا إلى يومنا هذا تعدى سبعين مليار تريليون نجم.
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) الواقعة (75)، (76) ، يقول الدكتور/ زغلول النجار : فالشمس وهي أقرب نجوم السماء إلينا تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين مليون كيلومتر, فإذا أنبثق منها الضوء بسرعته المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية من موقع معين مرت به الشمس ،فإن ضوءها يصل إلى الأرض بعد ثماني دقائق وثلث دقيقة تقريبا, بينما تجري الشمس بسرعة تقدر بحوالي 19 كيلومترا في الثانية في اتجاه نجم النسر ،فتكون الشمس قد تحركت لمسافة لا تقل عن عشرة آلاف كيلومتر عن الموقع الذي انبثق منه الضوء، ونحن لا نرى ضوءها إلا على هيئة صورة وهمية للموقع الذي انبثق منه الضوء الذي رأيناه، وهذا من رحمة الله بنا ،لأن الإنسان إذا نظر إلى النجم بطريقة مباشرة فإنه يفقد بصره في الحال.
وأقرب النجوم إلينا بعد الشمس وهو المعروف باسم النجم المركزي الأول ، يصل إلينا ضوؤه بعد 4,3 سنة من انطلاقه من النجم, أي بعد أكثر من خمسين شهرًا يكون النجم قد تحرك خلالها ملايين عديدة من الكيلومترات, بعيدًا عن الموقع الذي صدر منه الضوء, وهكذا فنحن من على سطح الأرض لا نري النجوم أبدًا, ولكننا نري صورا قديمة للنجوم انطلقت من مواقع مرت بها, وتتغير هذه المواقع من لحظة إلى أخرى بسرعات تتناسب مع سرعة تحرك النجم في مداره, ومعدلات توسع الكون, وتباعد المجرات عنا, والتي يتحرك بعض منها بسرعات تقترب أحيانا من ثلاثة أرباع سرعة الضوء, وأبعد نجوم مجرتنا عنا يصلنا ضوؤه بعد ثمانين ألف سنة من لحظة انبثاقه من النجم, بينما يصلنا ضوء بعض النجوم البعيدة عنا بعد بلايين السنين, وهذه المسافات الشاسعة مستمرة في الزيادة مع الزمن نظرًا لاستمرار تباعد المجرات عن بعضها البعض بسبب اتساع الكون. ومن النجوم التي تتلألأ أضواؤها في سماء ليل الأرض وما ثبت علميًا أنه قد انفجر وتلاشي، أو طمس واختفي منذ ملايين السنين, لأن آخر شعاع انبثق منها قبل انفجارها أو طمسها لم يكن قد وصل إلينا بعد, والضوء القادم منها اليوم يعبر عن ماض قد يقدر بملايين السنين.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويقول الدكتور/ زغلول النجار : فعندما يأتي القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة من السنين ليقسم بمواقع النجوم هذا القسم العظيم, مؤكدًا نسبية وأهمية وتعاظم تلك المواقع, وأن الإنسان لا يمكن له رؤية النجوم من فوق الأرض, وكل ما يمكن أن يراه هي مواقع مرت بها النجوم, ويأتي العلم في نهاية القرن العشرين مؤكدا كل ذلك..!! ، وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال المهم: من الذي علم سيدنا محمدًا ـ صلي الله عليه وسلم ـ كل هذه المعارف العلمية الدقيقة لو لم يكن القرآن الذي أوحي إليه هو كلام الله الخالق..!!؟ ،ولماذا أشار القرآن الكريم إلى مثل هذه القضايا الغيبية التي لم يكن لأحد علم بها في زمان الوحي ولا لقرون متطاولة من بعد ذلك؟ ،لولا أن الله (تعالى) يعلم بعلمه المحيط أن الناس سوف يأتي عليهم زمان يدركون فيه تلك الحقيقة الكونية, ثم يرجعون إلى كتاب الله فيقرأون فيه هذا القسم القرآني العظيم: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) فيشهدون بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, ويشهدون لهذا النبي الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ أنه كان موصولاً بالوحي, ومعلمًا من قبل خالق السماوات والأرض, وأنه عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم كان ـ بحق ـ كما وصفه ربنا سبحانه وتعالى: (ومَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى *) (النجم:3 ـ 5). وحينما يتم لهم ذلك ،تخر أعناقهم للقرآن خاضعين بسلاح العلم الكوني الذي كثيرًا ما استخدم من قبل ـ كذبًا وزورًا ـ لهدم الدين.. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).
الدعاء