خطبة عن حديث (لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ)
يونيو 15, 2019خطبة عن (كَلِمَةُ الْحَقِّ)
يونيو 17, 2019الخطبة الأولى ( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (36) الشورى
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : هو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ،والصراط المستقيم ،من عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم .القرآن الكريم : لا تشبع منه العلماء ،ولا تلتبس به الألسن ،ولا تزيغ به الأهواء ،ومن تركه واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً . القرآن الكريم: أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزغ عنها إلا هالك ،وموعدنا اليوم إن شاء الله مع آية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، مع قوله تعالى : ( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (36) الشورى ،يقول الإمام الطبري في تفسيرها : فما أعطيتم أيها الناس من شيء من رياش الدنيا من المال والبنين, فمتاع الحياة الدنيا, يقول تعالى ذكره: فهو متاع لكم تتمتعون به في الحياة الدنيا, وليس من دار الآخرة, ولا مما ينفعكم في معادكم. ( وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) والذي عند الله لأهل طاعته والإيمان به في الآخرة, خير مما أوتيتموه في الدنيا من متاعها وأبقى, لأن ما أوتيتم في الدنيا فإنه نافد, وما عند الله من النعيم في جنانه لأهل طاعته باق غير نافذ. ( لِلَّذِينَ آمَنُوا ) وما عند الله للذين آمنوا به, وعليه يتوكلون في أمورهم, وإليه يقومون في أسبابهم, وبه يثقون, خير وأبقى مما أوتيتموه من متاع الحياة الدنيا. وجاء في تفسير ابن كثير : (مهما حصلتم وجمعتم فلا تغتروا به ، فإنما هو متاع الحياة الدنيا ، وهي دار دنيئة فانية زائلة لا محالة ، وثواب الله خير من الدنيا ، وهو باق سرمدي ، فلا تقدموا الفاني على الباقي ; وقال السعدي في تفسيره: هذا تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة، وذكر الأعمال الموصلة إليها فقال: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ } من ملك ورياسة، وأموال وبنين، وصحة وعافية بدنية. {فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} لذة منغصة منقطعة. {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ} من الثواب الجزيل، والأجر الجليل، والنعيم المقيم {خَيْرٌ } من لذات الدنيا، خيرية لا نسبة بينهما{وَأَبْقَى} لأنه نعيم لا منغص فيه ولا كدر، ولا انتقال. وقال القرطبي : فما أوتيتم من شيء يريد من الغنى والسعة في الدنيا . فمتاع الحياة الدنيا أي فإنما هو متاع في أيام قليلة تنقضي وتذهب ، فلا ينبغي أن يتفاخر به . والخطاب للمشركين . وما عند الله خير وأبقى يريد من الثواب على الطاعة للذين آمنوا صدقوا ووحدوا وعلى ربهم يتوكلون نزلت في أبي بكر الصديق حين أنفق جميع ماله في طاعة الله فلامه الناس . وجاء في الحديث أنه : أنفق ثمانين ألفا .
أيها المسلمون
إن النفسَ المؤمنة تعرف مَن الذي يُؤتِي ويهَبُ، ومَن الذي يتفضَّل ويُعطِي، إنَّه الله – سبحانه وتعالى – فهو القادرُ على العَطاء، والمقتدِر على المنْع، وكل ما أعطي الإنسان فهو مَتاعٌ في الحياة الدُّنيا، لا يَدُوم ولا يلبَث أنْ يزول، فكلَّ ما في الدُّنيا زينةٌ ، وليس قيمةً؛ قال الله تعالى : ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، والمؤمن يعلم يقينا أن ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الشورى: 36]، فهذا أمرٌ من أوجب واجبات الاعتِقاد فيه، والإيمان به، واليقين عليه، ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾، فكلُّ نعيمٍ عند الله فهو خير، من: قُصورٍ ومُتنزَّهات، وحَدائقَ وبساتين، ونِساء من الحور العِين، وولدان مُخلَّدين، وأنهار من عَسَلٍ مُصَفًّى، وبحارٍ زاخرة بكلِّ الطيِّبات، ومَطاعِم ومَشارِب، وسَعادة رُوحٍ، وراحة بالٍ، وتخلٍّ عن المسؤوليَّات، وتحلٍّ بالأساور، والتنقُّل في المساكن الفارهة، ورُؤية الأحباب والخلاَّن والأصدقاء، والتَّلاقي مع النبيِّين والصِّدِّيقِين والشُّهَداء والصالحين، والرفقة الطاهرة، والتمتُّع بنِعَمِ الله ورِضاه، وتفيُّؤ ظِلال كرَمِه ونعماه، فلتتخيَّل النفسُ قمَّة المتعة، ورأس السَّعادة، وسنام اللَّذَّة، وفُؤاد الهناء، فهو نُقطةٌ في بحر العَطاء الإلهي؛ لأنَّ في الجنَّة ما لا عين رَأَتْ، ولا أذُن سمعتْ، ولا خطَر على قلْب بشَر، فالإنسانُ العاقِلُ هو الذي يَنظُر بعين الصِّدق إلى مسكنه في الآخِرة، ويُحاوِل في دُنياه أنْ يَترُكَ حظَّ نفسِه لله، ويقتربَ من مَوْلاه، ويسعَى في رِضاه، ويلحَّ في قرباه، ويُمرِّغَ جبهَتَه شوقًا للِقاه، وإذا دخَل الليل كان له حَظٌّ من بُكاء ونحيب، لربٍّ رحيمٍ قريبٍ، وَدُودٍ حبيب، يقرأ: ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾، فيترُك فِراشَه، وينصب قدمَيْه لله؛ لأنَّ القِيام ألذُّ له، وأقرَبُ من كلِّ قريبٍ، وينظُر إلى ما عند الله بعينٍ فاحصةٍ، فيَستَصغِرُ ما عنده وما عند الناس، ويقولُ: ما لي وللدُّنيا، إنما هي حَياة مَتاع، ودُنيا خِداع، ودار غُرور، وسُرادِق مُرُور، وما عند الله خيرٌ وأبقى، ولكنَّ ذلك كلَّه رهينٌ بأناسٍ مُحدَّدِين ﴿ للذين آمَنوا ﴾ لأهل الإيمان فقط، لأصحاب المحاريب الذين أحنَوْا ظُهورَهم لله، ركعوا سجدوا، سبَّحوا تصدَّقوا، جاهَدُوا صبَرُوا، أعطَوْا بذَلُوا، ضحَّوْا وسهروا الليالي؛ دُعاءً وبُكاءً، آمَنُوا به وبرسله، وكتبه وقدَره؛ خيره، وشره، حُلوه ومره، اتَّبعوا رسله، وآمَنُوا برسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وبكلِّ ما جاء به، لقد ساروا على دَرْبِه، واتَّبعوا خطوَه، وتشرَّفوا باتِّباعِه، وبذَلُوا مُهَجَهم حُبًّا له ولسِيرَتِه، وعملوا بِمُوجَبِها، ووقَفُوا عند حُدُودِ الله، وقدَّسُوا حُرماته، وألْجَمُوا أنفُسَهم عن معصيته، وحَقَّقُوا كلَّ مُتطلَّبات الإيمان، ثم هم على ربِّهم يتوكَّلون، فهم يَأخُذون بأسبابِ كُلِّ شيءٍ، ولا يتَواكَلُون، يَبذُلون أقصى ما في وُسعِهم، ثم يَترُكون النَّتائِجَ على ربِّهم، يقول أحدهم: عليَّ أنْ أعمَل وليس عليَّ إدراكُ النجاح، فأمْره إلى الله موكولٌ، والله لا يضيع أجرَ العاملين، ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾، فالمؤمن الذي يحسن التوكُّل هو شخصٌ ألقَى في الأرض بذرةً، ثم رَعاها وسَقاها، ثم ترَك إنْباتها على ربها وتوكَّل، وهو شخصٌ نبيلٌ في علاقاته مع نَفسِه، ومع الناس، ومع ربِّه، يفعْل ما يَرْضاه دِينُه، ويقوم بكلِّ ما طلَبَه منه الشرع؛ من حُسن العمَل، وصِدق الإخْلاص، وسَلامة التوجُّه، وصَفاء الاعتِقاد، يتعَب ويُحسِّن، ويُتقِن ويُجوِّد، ويسهَر ويضني، ثم يدعو الله أنْ يَقبَلَ، أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد عالَجت السُّنَّة كلَّ ألوانِ صِدق التوكُّل، ووضَّح القُرآنُ مَعالِمَ التوكُّل؛ فقال الله تعالى : ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ [الأنفال: 60]، وقال الله تعالى : ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ [الكهف: 89]، وقال الله تعالى : ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ [مريم: 25]، وفي صحيح ابن جبان : ( قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أرسل ناقتي وأتوكل قال اعقلها وتوكل) ، فالإسلامُ شرَع التوكُّل ودعا إليه، وحرَّم التواكُل وعاقَب عليه ، فلا بُدَّ أنْ تَعِيَ هذه الأمَّة أنَّ ما أُوتيته إنَّما هو مَتاعٌ زائلٌ، وعاريةٌ مُستَردَّة، ووديعةٌ مَردُودة، وأنَّ ما في يَدِ الله أعظمُ ممَّا في أيدي الناس، وأنَّه خيرٌ وأبقى من كلِّ غالٍ، وأنَّ التوكُّل مطلوبٌ، والإيمان رأس ذلك كلِّه، فإذا أرادت الأمَّة أنْ تكونَ في طَلِيعة الرَّكب، وقائدة لا مَقُودة ، تُتَّبَعُ ولا تَتَّبِعُ، وتَقُودُ ولا تُقادُ – فعليها بسنن الله، وحُسن التوكُّل، ولكن شريطة أنْ تكون مُتقِنة للعمل، يَشقَى جسَدُها، ويتوكَّل قلبُها.
أيها المسلمون
ومما نستفيده من هذه الآية الكريمة :إذا رأيت أن الدنيا قد فتحت أبوابها لمن حولك بينما أنت تعيش ضنك العيش فلا تحزن وتذكر : {وَما عِندَ اللَّهِ خَيرٌ وَأَبقى} ، وتذكر أن فقرك لن يقلل من قيمتك عن ربك.. فالمقياس ليس بإقبال الدنيا أو إدبارها .. فهي لا تساوي عند الله جناح بعوضة.. فاجعل همك الآخرة واجعل شغلك الشاغل كيف ترضي ربك وكيف تنال ما عند الله لأنه (خَيرٌ وَأَبقى) ، وكلما نظرت إلى جمال الدنيا وابداع صنع الله فيها… تذكر أن الجنة أجمل وأجمل… فما عند الله خير وابقى.. وأن الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب… فمعظمنا نعيش في رغد من العيش والحمد لله.. العاصي والمطيع لربه، المؤمن والكافر.. ولكن السكينة والطمأنينة لا يهنأ بها إلا من تعلق قلبه بالله… وكلما مررت بابتلاء في الحياة الدنيا فتذكر آن الدنيا هي دار الابتلاء والكدر، والنعيم فيها لن يطول لأنه زائل وليس بباقٍ…أتعلم لماذا..؟ حتى تشتاق لجنة ربك.. ففيها النعيم الدائم الذي لا يكدر صفوها بلاء ولا حزن ولا ضيق ولا مرض. . لذلك قال الله تعالى {وَما عِندَ اللَّهِ خَيرٌ وَأَبقى}..فلا تحزن على هذه الدنيا فما ينتظرك أجمل وأدوم بإذن الله…
الدعاء