خطبة عن حديث ( وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ )
سبتمبر 7, 2022خطبة عن قوله تعالى: ( خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ )
سبتمبر 10, 2022الخطبة الأولى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) (14) الأعلى
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله العزيز ،نتدبرها ،ونتفهم معانيها ،ونرتوي من معينها الصافي، ونرتشف من رحيقها المختوم، فتزكية النفوس مطلب هام من مطالب الإيمان ،فقد نجح وأدرك طلبته من زكي نفسه، وتطهَّر من الكفر والمعاصي، وعمل بما أمره الله به، فأدّى فرائضه، وقد جاءت الآيات القرآنية بالأمر بتزكية النفس وتهذيبها ،فقال تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس (9) ،(10)، وقال تعالى: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} فاطر (18). وفي نصوص القرآن عناية عظيمة بمسألة تزكية النفوس: فهذا خليل الرحمن حينما دعا بأن يبعث الله تعالى من ذريته رسولاً، فذكر من جملة التعليلات: تزكية الناس الذين سيدعوهم، فقال تعالى : {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 129]، والله تعالى يذكر عباده بمنته عليهم، حين استجاب دعوة خليله إبراهيم ،ببعثة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن من أعظم وظائفه هي تزكية نفوسهم، فقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 164]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِين) [الجمعة: 2]. ولما دعا نبي الله موسى فرعون اختصر له دعوته في جملتين: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات: 18، 19]. والله تعالى أقسم أحد عشر قسماً متتابعاً في سورة الشمس على أن فلاح النفس لا يكون إلا بتزكيتها! وهذا دليل واضح، وبرهان ساطع على خطورة أهمية تزكية النفوس، ولعظيم منزلة تزكية النفس في الدين، فقد كان الأئمة والعلماء يؤكدون على هذا الأمر ،فقال شيخ الإسلام ابنُ تيميه رحمه الله (من صفات وأخلاقية أهل السنّةِ: “يأمرون بالصبر عند البلاء والشكرِ عند الرخاء، ويدعون إلى مكارمِ الأخلاق ومحاسن الأعمالِ، ويعتقدون معنى قولِه صلى الله عليه وسلم (كما في سنن الترمذي): ” أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ” ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفاسفها” ، والسلوك الظاهرُ مرتبطٌ بالاعتقادِ الباطن، فأيُّ انحرافٍ في الأخلاقِ إنما هو من نقص الإيمان الباطن، يقول ابنُ تيميه رحمه الله : (إذا نقصت الأعمالُ الظاهرةُ الواجبةُ، كانَ ذلك لنقص ما في القلب من الإيمان، فلاُ يتصور مع كمال الإيمان الواجب الذي في القلب، أن تُعدم الأعمالُ الظاهرةُ الواجبةُ” ،
ومما يدل على أن تزكية النفوس وإصلاح القلوب مِن أهمِّ المهمات وأعظم الواجبات؛ ما جاء في صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ». وفي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير – رضي الله عنهما – أن النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: (أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ. أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ). فالنفس مكمن الشرِّ؛ فهي أمَّارة بالسوء، كَسِلَةٌ عن الخير، نَشِطةٌ إلى المعاصي، تحبُّ البطالة، قال الله تعالى: ﴿ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ﴾ [النساء: 128]، وقال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]، وقد حذَّرنا اللهُ من نفوسنا فقال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ﴾ [البقرة: 235]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ق: 16]. فعلى العاقل أن يصبِرَ نفسَه على طاعة الله، وأن يُرغِمَها على فعل الخير وإن كرِهَتْ، ويفطِمَها عن المعاصي والشهوات وإن أحبَّتْها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾ [الكهف: 28]؛ أي: احبِسْها على الطاعات؛ لأن طبيعتَها أنها لا تريدها، وفي سنن الترمذي بسند صحيح: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِشَيْءٍ أَقُولُهُ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ قَالَ « قُلِ اللَّهُمَّ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ) ،وفي رواية : (وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِى سُوءًا أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ ). ومن استمرَّ في تزكية نفسِه بالطاعات وترِك المعاصي، صارت نفسُه مطمئنَّةً بذكر الله، وطاعة الله، وتُبشَّر عند موتها ببشارتينِ، بشارة من ملائكة الموت، وبشارة من الله – جل جلاله – قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴾ [الفجر: 27، 28]، ثم يقول الله لتلك الروح الطيبة: ﴿ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 29، 30].
أيها المسلمون
والسؤال: كيف نزكي نفوسنا؟، وماهي أهم وسائل تزكية النفوس؟، والجواب : تزكى النفوس بطاعة الله، والإكثارِ من التقرُّب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، وتَرْكِ المعاصي؛ لأن المعاصيَ أثرُها سيئٌ على القلوب؛ قال الله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14] . ومن أعظمُ ما يزكِّي النفوس ويُصلِحُ القلوب تدبُّرُ كتابِ الله؛ قال الله تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 21]، وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]، فالقرآن شفاءٌ لِما في القلوب من الشَّهوات والشُّبهات، وهدًى من كل ضلالةٍ، ورحمةٌ للمؤمنين الذين يتبعونه؛ فهو حجَّةٌ لك أو عليك.
ومِن أعظم ما يزكِّي النفوس الدعاءُ؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21]، وختَم الله هذه الآيةَ باسميه “السميع، العليم” إشارةً إلى دعاء الله بتزكيةِ النفس؛ فهو سميعُ الدعاء، وهو عليمٌ بمن يستحقُّ الهداية، وقد كان النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – يقول: (اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا ) رواه مسلم .
ومِن أعظم ما يزكِّي النفوس: التوبة، فهي أول مقامات منازل العبودية عند السالكين، وبها يذوق الإنسان حلاوة الانتقال من التخلية إلى التحلية، قال الله عز وجل منوها بشأنها: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (31) النور ،وقال سبحانه: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) (8) التحريم،
ومِما يزكِّي النفوس: لزوم الاستغفار والذكر عموماً، لقول الله عز وجل: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (36) الزخرف
ومِما يزكِّي النفوس: مخالفتها والإنكار عليها وعدم تلبية رغباتها لأنها داعية للراحة والعصيان، يقول الغزالي رحمه الله : (اعلم أن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك، وقد خلقت أمارة بالسوء مبالغة في الشر فرارة من الخير، وأمرت بتزكيتها وتقويمها وقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها وخالقها ومنعها عن شهواتها وفطامها عن لذاتها، فإن أهملتها جمحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك).
ومِما يزكِّي النفوس: توبيخها وتقريعها من أجل حملها على الطاعة : يقول الغزالي رحمه الله: (إن لازمت نفسك بالتوبيخ والمعاتبة والعذل والملامة كانت نفسك هي النفس اللوامة التي أقسم الله بها ورجوت أن تصير النفس المطمئنة المدعوة إلى أن تدخل في زمرة عباد الله راضية مرضية، فلا تغفلن ساعة عن تذكيرها ومعاتبتها، ولا تشتغلن بوعظ غيرك ما لم تشتغل أولاً بوعظ نفسك) .
ومِما يزكِّي النفوس: الإكثار من وعظها وتذكيرها بالموت والدار الآخرة : فتخاطبها: (ويحك يا نفس لا ينبغي أن تغرك الحياة الدنيا ولا يغرك بالله الغرور، فانظري لنفسك فما أمرك بمهم لغيرك، ولا تضيعي أوقاتك، فالأنفاس معدودة، فإذا مضى منك نفس فقد ذهب بعضك، فاغتنمي الصحة قبل السقم، والفراغ قبل الشغل، والغنى قبل الفقر، والشباب قبل الهرم، والحياة قبل الموت، واستعدي للآخرة على قدر بقائك فيها)،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومِما يزكِّي النفوس: سوء الظن بالنفس والحيلولة بينها وبين الاغترار بالعمل والإدلال به على الله، فإن حسن الظن بالنفس يمنع من كمال التفتيش، يقول ابن القيم رحمه الله 🙁 على السالك أن لا يرضى بطاعته لله، وألا يحسن ظنه بنفسه، فإن الرضى بالطاعة من رعونات النفس وحماقاتها، ودليل على جهل الإنسان بحقوق العبودية وما يستحقه الرب سبحانه ويجب أن يعامل به، ثم إن رضى الإنسان وحُسْنه ظنه بنفسه يتولد منهما من العجب والكبر والآفات الباطنة)
ومِما يزكِّي النفوس: تنقية العمل من حظوظ النفس وشوائب الرياء : ففي الصحيحين : (عَنْ سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – غَيْرَهُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ»
ومِما يزكِّي النفوس: محاسبة النفس: وقد دل على وجوب محاسبة النفس قول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) الحشر (18) :(20)، وفي سنن الترمذي بسند حسن : (عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ »، وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا) ، وقال الحسن البصري: “إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همته”، وقال ميمون بن مهران: “لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه” وقال الحسن: “المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة…”
ومِما يزكِّي النفوس: الإقلال من النوم والأكل والكلام : فكثرة الكلام بغير ذكر الله موجبة لقسوة القلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي، وكثرة الأكل موجبة لقوة نوازع النفس الشهوانية لدى الإنسان، وتوسيع مجاري الشيطان فيه، وكثرة الأكل موجبة لكثرة النوم وكثرة النوم موجبة للعجز والكسل فضلاً عن أنها مضيعة للعمر،
ومِما يزكِّي النفوس: التحلي بالصبر واليقين: فبالصبر ينتصر على شهوات نفسه فيحجزها عن المحرمات ويحبسها على الطاعات، فجانبي التزكية: التخلي والتحلي ولا يمكن الحصول عليهما إلا عن طريق الصبر، وأما اليقين فإنه يقضي به على ثبات النفس التي يُوسوسها الشيطان، ولذلك كان من حصل على هذين المقامين يعد من أئمة الهدى في هذا الدين، قال سفيان : بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، قال الله عز وجل: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (24) السجدة .
الدعاء