خطبة عن (النظام في الإسلام)
ديسمبر 21, 2019خطبة عن قوله تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)
ديسمبر 28, 2019الخطبة الأولى ( كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (19) العلق
إخوة الإسلام
جاء في (الوسيط لطنطاوي) في تفسير هذه الآية الكريمة من كتاب الله تعالى : أي : كلا ليس الأمر كما قال هذا المغرور من أن أهله وعشيرته سينصرونه ، وسيقفون إلى جانبه في منعك أيها الرسول الكريم – من الصلاة ، فإنهم وغيرهم أعجز نم أن يفعلوا ذلك ، وعليك – أيها الرسول الكريم – أن تمضي في طريقك وأن تواظب على أداء الصلاة في المكان الذي تختاره ، ولا تطع هذا الشقي ، فإنه جاهل مغرور ، واسجد لربك وتقرب إليه – تعالى – بالعبادة والطاعة ، وداوم على ذلك . فالمقصود بهذه الآية الكريمة ، حض النبي صلى الله عليه على المداومة على الصلاة في الكعبة ، وعدم المبالاة بنهى الناهين عن ذلك ، فإنهم أحقر من أن يفعلوا شيئا ، وفي صحيح مسلم : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ».، وإنما كان العبد في سجوده أقرب ما يكون من ربه ، لأن العبد بقدر ما يبعد عن نفسه يقرب من ربه ، والسجود غاية التواضع وترك التكبر ،وكسر النفس ،لأن النفس لا تأمر الرجل بالمذلة ،ولا ترضى بها ،ولا بالتواضع ، بل تأمره نفسه بخلاف ذلك ، فإذا سجد العبد لله ، فقد خالف نفسه ، وبعد عنها ، فإذا بعد عنها قرب من ربه ، عن قوله صلى الله عليه وسلم : (فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ) أي في السجود ،لأنه حالة قرب ، وحالة القرب مقبول دعاؤها ، لأن السيد يحب عبده الذي يطيعه ،ويتواضع له ،ويقبل منه ما يقوله وما يسأله ، وروى مسلم في صحيحه : (قَالَ مَعْدَانُ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ. أَوْ قَالَ قُلْتُ بِأَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ. فَسَكَتَ ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً ». ،كما روى مسلم في صحيحه : (قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأَسْلَمِيُّ : كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي « سَلْ ». فَقُلْتُ أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ « أَوَغَيْرَ ذَلِكَ ». قُلْتُ هُوَ ذَاكَ. قَالَ « فَأَعِنِّى عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ».،
أيها المسلمون
وروى الامام الترمذي في سننه بسند صححه : (أن أَبَا أُمَامَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ :حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ » ،فالقرب من الله والذل له هو العزة الحقيقية، والبعد عنه هو الذل لكل الناس، فلقد جاءنا الإسلام ليعلمنا كيف نكون أعزاء في أنفسنا، وليخرجنا من عبادة العباد لعبادة رب العباد، التي هي قمة الاستقلالية عن البشر الذليل، والذل لله ، والتذلل بين يديه هو سبيل الاقتراب منه، والمتأمل في علاقة العبد بربه يجد عجبًا، يجد أن قمة الذل لله هي قمة الاقتراب منه، وذلك لأن ذل العبد مقترن باعترافه بألوهية الله ،وسيطرته على كل شيء، والذل لله سبحانه هو سبيل السيادة في الكون، وعندما يقترب الإنسان من العزيز جل وعلا بذله وخضوعه له يوُرث العبد عزةً في قلبه، ويصير سيدًا على الكون كله بهذه العزة، التي نمت في قلبه من شدة ذله وخضوعه لله، قال الله تعالى : {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8]، وقال الله تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] ، فالقرب من الله ،والذل له، هو العزة الحقيقية، والبعد عنه هو الذل لكل الناس، فلقد جاءنا الإسلام ليعلمنا كيف نكون أعزاء في أنفسنا، وليخرجنا من عبادة العباد لعبادة رب العباد، التي هي قمة الاستقلالية عن البشر الذليل، والتبعية لرب العالمين العزيز. ،فللسجود شأن عظيم، يعرفه من تلذذ به، وملكت ذلته شغاف قلبه، وذاق طعم الخضوع به للرحمن، تعبدا وإجلالا، فالتحق بالركب من أولي العلم الممدوحين في كتاب الله تعالى بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) (107) :(109) الاسراء، ومتأسيا بركب عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، ويبيتون لربهم سجدا وقياما. فيسألونه صرف عذاب جهنم عنهم بالسجود والقرآن، لما عرفوا قيمته، وأدركوا أهميته وذاقوا حلاوته، تمثل فيهم قول مولاهم: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) الزمر: 9، .
أيها المسلمون
فكيف يأبى السجود من علم فضله وثوابه، ومنزلته عند ربه، فعن حذيفة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (ما من حالة يكون العبد عليها أحب إلى الله من أن يراه ساجدا يعفر وجهه في التراب). رواه الطبراني. وإسناده حسن.، فأين من أراد الرفعة، وطلب المحبة، يعفر وجهه في التراب إرضاء لربه، وطاعة لمولاه وتذللا بين يديه، ورغبة فيما عنده، وطمعا في جنته ومرضاته.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والسجود أصله التطامن والتذلل، وهو عام في جميع المخلوقات حيوانها وجمادها، لكن ما عدا الثقلين لا يسجد باختياره، بل يسجد لله كرها. ويسجد بعض الناس لله طوعا. كما أخبر – سبحانه – عن ذلك فقال: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) (15) الرعد ، فالسجود سمة من سمات الخلق ،جبلوا عليه، ذلة وصغارا للواحد القهار، ، قال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (18) الحج ، فإذا ضاقت صدوركم، وكثرت همومكم، وتكالبت عليكم أعداؤكم، فدونكم العلاج فتناولوه، وبين يديكم الدواء فاستعملوه: قال الله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (97) ،(98) الحجر، وفي مسند أحمد : (قَالَ حُذَيْفَةُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى) ، فخذ بالسجود أيها المسلم لتتقوى به على مكر الأعادي ،وبطش الحاقدين، وتواجه به قوة الجبابرة، فهذا هو سلاح السحرة حين تبين لهم الحق، قال الله تعالى : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) (70) طه. ،فتوعدهم فرعون بالقتل والصلب والعذاب الشديد، ولكن الإيمان قد رسخ في القلوب، ومن ذلت جبهته لرب العالمين ،أكرمه الله برفعة هامته، وتثبيته على الحق، ونيل كرامته. فقالوا له بكل رسوخ ووضوح: (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) طه (72) ،فيا فوز المعفرين جباههم سجدا لله وهم داخرون، يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون، يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. فكان متمثلا بالملائكة المقربين، والأنبياء والمرسلين، لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون. فما طأطأ جبينه أبدا إلا للواحد الأحد، فلا والله لا يدخل قلبه خوف ممن سواه، أو رجاء فيما سواه، وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا.
الدعاء