خطبة حول قوله تعالى (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ)
يوليو 16, 2022خطبة عن ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا)
يوليو 16, 2022الخطبة الأولى ( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (4) ،(5) الاحزاب
إخوة الإسلام
ذكر ابن جرير (رحمه الله) وغيره عدة أقول في سبب نزول هذه الآية ،وكلها ترجع إلى كون المنفي عنه ذلك رجل وهذه مجمل الأقوال : 1- قيل عنى بذلك تكذيب قوم من أهل النفاق ،وصفوا نبي الله صلى الله عليه وسلم بأنه ذو قلبين ،فنفى الله ذلك عن نبيه وكذبهم ، ففي سنن الترمذي : (أَخْبَرَنَا قَابُوسُ بْنُ أَبِى ظَبْيَانَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ قُلْنَا لاِبْنِ عَبَّاسٍ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) مَا عَنَى بِذَلِكَ قَالَ قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا يُصَلِّى فَخَطَرَ خَطْرَةً فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ مَعَهُ أَلاَ تَرَى أَنَّ لَهُ قَلْبَيْنِ قَلْبًا مَعَكُمْ وَقَلْبًا مَعَهُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ). 2- وقيل عني بذلك : رجل من قريش ،كان يدعى ذا القلبين من دهيه ، 3- وقيل : عني بذلك زيد بن حارثة من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تبناه فضرب الله بذلك مثلا . ثم قال ابن جرير رحمه الله : ( وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : ذلك تكذيب من الله تعالى قول من قال لرجل في جوفه قلبان يعقل بهما على النحو الذي روي عن ابن عباس ،وجائز أن يكون ذلك تكذيبا من الله لمن وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ،وأن يكون تكذيبا لمن سمى القرشي الذي ذكر أنه سمي ذا القلبين من دهيه ،وأي الأمرين كان فهو نفي من الله عن خلقه من الرجال أن يكونوا بتلك الصفة )، وجاء في مجلة الإعجاز العلمي : في مطلع هذه الآية المباركة إعجاز قرآني علمي ،يتحدى به الله سبحانه وتعالى خلقه إلى يوم القيامة ،ويضرب مثلاً حِسِّيٌّا للبشر كافة، ويقطع باستحالة وجود قلبين في صدر أي رجل! ،ولدقة المعنى المراد الوصول إليه بأقصر السبل، جاء اختيار كلمة (رجل) وليس بشرًا ،أو بني آدم ،أو مؤمنًا ،أو إنسانًا، حتى لا يحتمل تفسيرها مشاركة الأنثى في القسم، والتي قد يكون في جوفها أثناء فترة الحمل جنين أو أكثر، ويحمل كل منهم قلب ينبض وهو لا يزال في جوف أمه وبين أحشائها، وبهذا المثل الإعجازي يقطع الله سبحانه وتعالى ما جاء بعدها في بقية الآية المباركة؛ باستحالة أن تكون الزوجة التي أقسم عليها زوجها (المُظاهِر) بقوله: (أنت علَيَّ كظهر أمّي، أو كأمّي) ـ أن تكون في منزلة أو مقام أمه التي ولدته! ،فصارت أجَلّ وأعظم النساء عليه حرمة وتحريمًا وتكريمًا، وزوجته التي هي أحل النساء له! ،وبذلك يستحيل تشابه النقيضين جملة وتفصيلاً.
ثم ينتقل النص القرآني الشافي إلى قضية بطلان الأدعياء أو التَّبنِّي، ويفصّلها بنفس المثل الإعجازي الذي تصدّر الآية الكريمة، فالله عز وجل لم يجعل الأدعياء الذين تدّعونهم أو يدّعون إليكم أبناءكم! فإن أبناءكم في الحقيقة هم من ولدتموهم وكانوا منكم ومن صلبكم. وأما هؤلاء الأدعياء فإنهم من غيركم ومن صلب غير صلبكم! فكيف يستويان؟! إذًا فهو ادعاء باطل وقولٌ خالٍ من الحقيقة لا معنى له؛ (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ) وهذا هو الصدق واليقين الذي بُنيت عليه كل الشرائع التي أنزلها الله عز وجل في محكم آيات كتابه الكريم. ومن الإعجاز القرآني بالتحدي في ضرب المثل الرباني الذي تصدّر الآية المباركة: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) حيث يستحيل علميٌّا من وجهة نظر علماء وباحثي علم الأجنة وأطباء وجرّاحي القلب، أن يكون هناك من له قلبين في صدره! ولم تسجل كتب الطب ومراجعه العلمية في ذلك التخصص أو غيره -على مدى تاريخها- وجود إنسان واحد يولد بقلبين، مع العلم بأن معظم الباحثين ومؤلفي تلك المراجع ليسوا بمسلمين! وقد يتساءل البعض: أليست هناك بعض التشوهات المرضية والاختلافات الخِلقية في قلوب بعض المواليد؟ فنجيب بنعم، ولكن لم ولن نجد من له قلبين في صدره! وذلك لاستحالة تكوينهما في جنين واحد ، وإذا توقفت أي من المراحل السابق ذكرها أثناء تكوين القلب الجنيني، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى موت الجنين إذا كان ذلك التشوه أو الاختلاف لا يتمشى أو يتعارض مع الحياة، فيتم إجهاضه أو وفاته داخل الرحم قبل ولادته، إنه الإعجاز القرآني لله الواحد القهار، يقول الله تعالى :(وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلا الْعَالِمُونَ) (العنكبوت: 43)
أيها المسلمون
وفي الآيات رد من الله تعالى على من زعم من الكفار أنه حاز الحكمة والعقل بوجود قلبين في جوفه كل منهما امتلأ عقلا وحكمة بأنه كذاب أشر ،فالله لم يخلق بشراً بقلبين , وهو أيضاً رد على من ادعى من المنافقين أن لمحمد صلى الله عليه وسلم قلبين, قلب مع المؤمنين وقلب مع المنافقين ،فكان الرد الإلهي المباشر بنفي مزاعمهم. كما نفى سبحانه تسرع الأزواج في جعل الزوجات كالأمهات وذلك في حال إذا ما ظاهر الرجل زوجته وجعلها عليه كظهر أمه , وهي في الحقيقة ليست له بأم ، ولن تكون بحال. وكذلك الأبناء بالتبني ليسوا أبناء على الحقيقة ،ولا يصلح أن يحدث ذلك ، حتى لا تختلط الأنساب ،ويحرم الحلال ،أو يستحل الحرام. وإنما هم إخوة في الدين ، لهم ولاء الإسلام ومودته ،ولهم من المحبة على قدر ما يظهرون من طاعة وصلاح ما قد يفوق محبة الولد الحقيقي.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الدكتور / عبد الدائم الكحيل : يقول تعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) [الأحزاب: 4]. والسؤال: لماذا خصَّ الله تعالى الرجل دون المرأة في عدم وجود قلبين في جوفه؟ وهل يمكن للمرأة أن تحمل في جوفها قلبين؟ ، لقد شهدنا في التاريخ حالات شاذة لطفل رأسين أو عدة أذرع أو أرجل، وغير ذلك، ولكن لم نشهد أبداً رجلاً يعيش بقلبين، لأن القلب هو المسؤول عن تنظيم حركة الدم، ولا يمكن أن يعيش إنسان بقلبين، ولكن ماذا عن المرأة؟ ، إن المرأة إذا حملت فإنها تحمل في جوفها قلبها وقلب طفلها، وقد تحمل بأكثر من توأم ولذلك قد تحمل في جوفها عدة قلوب، ولكن الرجل لا يمكنه ذلك! القلب هو أهم عضو من أعضاء الجسد، فهو الذي ينظم الدورة الدموية ويحرك الدم في نظام معقد، والقلب يُخلق في مرحلة مبكرة جداً خلال الأسابيع الأولى من الحمل، ويبدأ في ممارسة نشاطه مباشرة، وقد كشفت بعض الأبحاث أ، للقلب دور في عملية التفكير والإبداع والإيمان.
وقد يولد طفل بقلبين (ربما يحدث هذا كحالة شاذة) ولكنه لن يصل لمرحلة أن يصبح رجلاً وسيموت وهو طفل، وحديثاً نجح العلماء بإضافة قلب آخر كمساعد للقلب الذي أصابه الخلل، وقد نرى إنساناً يعيش بقلبين أحدهما القلب الأصلي والآخر هو قلب لشخص آخر (مات) وتمت زراعته لمعالجة القلب الأصلي. ولذلك تُعتبر هذه الآية معجزة طبياً، ولذلك قال تعالى في نفس الآية (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)، فهذه الحقيقة، حقيقة أنه لا يوجد رجل يمكن أن يحمل في جوفه أكثر من قلب بشكل طبيعي، دليل على صدق القرآن. ماذا حدث لرجل بقلبين؟! : عندما حاول الإنسان تغيير فطرة الله والقانون الإلهي القائل: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) بدأت المشاكل بالظهور وأصبحت الحياة تعيسة جداً لهؤلاء. ففي خبر علمي تبين أن المريض الذي تتم له زراعة قلب إضافي يعاني من عدم انتظام دقات القلب وعدم توافق للقلبين مما يؤدي لرفع ضغط الدم وتوقف القلبين لأن هذا الأمر مخالف للطبيعة. ولذلك يلجأ الأطباء لإزالة القلب الإضافي وترك القلب الأصلي لإنقاذ المريض من الموت. لأن وجود أكثر من قلب في جوف الإنسان يؤدي إلى تطوير إيقاعات مختلفة لكل قلب وبالتالي اضطراب أجهزة الجسم بالكامل ، ولا نملك إلا أن نسبح الله تعالى ونحمده أن جعل قلوبنا سليمة في الدنيا وعسى أن تكون سليمة يوم نلقاه يوم القيامة… (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88-89].
الدعاء