خطبة عن ( النُّورُ ينبلِجُ من بطونِ الظُلماتِ )
مايو 22, 2021خطبة عن ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)
مايو 29, 2021الخطبة الأولى ( وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا) (101) :(104) الاسراء
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع هذه الآيات المباركات من كتاب الله العزيز ،نتدبرها ، ونتفهم معانيها ،ونرتشف من رحيقها المختوم، والمتدبر لهذه الآيات من سورة الاسراء يتبين له أن ذكر هذا المقطع من قصة موسى (عليه السلام) وبني إسرائيل ،قد ناسب سياق سورة الإسراء كاملة ،حيث بدأت بالحديث عن بني إسرائيل ،وإفسادهم في الأرض ،ثم أعاد الحديث هنا عن واحد من مواقف التكذيب التي وقفها بعض بني إسرائيل ،رغم إرسال تسع معجزات ظاهرات باهرات، ورغم الآية العظيمة التي رأوها عيانا حين انفلق البحر فلقتين .فجاءت هذه الآيات في سياق الامتنان على بني إسرائيل بالتمكين في الأرض ،وتذكيرهم بنجاتهم من فرعون وعمله، ووعظهم بأن هذا المتاع إنما هو إلى أجل مسمى ،
وأيضا ،تحمل هذه الآيات بشارةً لرسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- فكما استُضعف هو والمسلمون في مكة المكرمة ،وأُخرجوا منها مُكرهين ،شأنهم في ذلك شأن موسى وبني إسرائيل، ثم أورث الله أرض فرعون – مصر- لبني إسرائيل بعد أن أذلهم الكافرون، فتكرر المشهد عند فتح مكة ،إذ دخلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عزيزًا فاتحًا ،كما دخل بنو إسرائيل مصر،
أيها المسلمون
ولو تجولنا في كتب التفسير القديمة، بل والمعاصرة إلى ما قبل قيام دولة (إسرائيل)، لوجدناها جميعا تتحدث عن أن إفساديْ بني إسرائيل في الأرض قد حدثا قديما، وأنهما المقصودان في قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) (الإسراء: 4). وربما مال المفسرون السابقون إلى هذا الرأي لعدة أسباب، أهمها: أنهم لم يتوقعوا من بني إسرائيل المعروفين بأنهم مستضعفون مشردون في العالم، أن يكون لهم شأن وقوة وعلو بعد الذي حدث معهم سابقا، كما تذكر كتب التفسير وكتب التاريخ.
والتاريخ أيضا يشهد أن بني إسرائيل ما كانوا في علو حقيقي كبير كما هم في وقتنا، وهي علامة رئيسة أريد أن أقف عندها في الترجيح بين أقوال المفسرين القدامى والمعاصرين. فالعلو الموصوف بأنه كبير، لم يقع في تاريخهم، ولا حتى مع نبي الله سليمان عليه وعلى نبينا وأنبياء الله جميعا الصلاة والسلام. فهذا العلو هو الذي نشهده اليوم، بسيطرة اليهود عالميا على المال والإعلام والسياسة. ولو استصرخ واحد منهم في أقصى الأرض، لوجد عشرات الآلاف ينتصرون له.
وإذا قررنا هذا بشأن الإفسادين، فإن الأمر نفسه يتقرر بشأن ما جاء في آخر سورة الإسراء من قوله تعالى: (وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا) (الإسراء: 104). فمعظم المفسرين على أن المقصود بالآخرة هنا هو اليوم الآخر، والأرض المقصودة هنا هي الشام ومصر. والحقيقة هي نفسها التي عليها المفسرون القدامى من نظرتهم لبني إسرائيل وعدم توقعهم أن يكون لهم شأن وصولة وجولة.
والحقيقة التي ينبغي الوقوف عندها: هي الواقع الذي نعيش من إفساد حقيقي عظيم، وقوة وعلوّ، وأنهم قد أُمِدّوا بالأموال والبنين، وهم أكثر نفيرا، أي قدرة على الحرب، يعاونهم أناس كثيرون ودول متعددة . ولكن هذا لن يدوم، لأنه محكوم بوقت إنهاء هذا الإفساد، وقد وصفه الله بالآخر، ما يشير إلى أنه لا إفساد بعده، فلقد جاء في معرض الحديث عن إنهاء الإفساد الثاني قوله تعالى: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) (الإسراء 6:8)، فكان الوصف بالآخرة، وهي المرة الثانية والأخيرة. وبغض النظر عن المرة الأولى، فالذي يعنينا أن اليهود لم يعلوا من قبل كما هم الآن، فلا يمكن أن يكون إفسادهم اليوم هو مرة ثالثة، فالوصف بالعلو الكبير جاء مع الإفسادين: (لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا). ومن هنا، فالذي نعيشه اليوم هو الإفساد الثاني والأخير، ويخبر الله تعالى أنه سينهيه مرة أخرى على أيدي العباد الصالحين، قال الله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً) (الإسراء: 5). وعندما جاء الحديث عن إنهاء الإفساد الثاني قال الله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ) فهم العباد ذوو البأس الشديد إياهم، وهم الذين سيدخلون المسجد كما دخلوه أول مرة.
فالمناسب لما جاء في شأن “الآخرة” في أول السورة في الحديث عن آخر الإفسادين، وفي آخرها حيث جمع اليهود لفيفا، ينبغي أن يكون واحدا متناسقا. فهم قد أفسدوا في الأرض، وعلوا علواً كبيرا فيها كلها، وليس فقط في فلسطين أو ما بين المسجدين؛ الحرام والأقصى، المذكورين في قصة الإسراء.
أيها المسلمون
يقول الشيخ (الشعراوي في خواطره الايمانية) :قوله تعالى: {اسكنوا الأرض} هكذا دون تقييد بمكان معين، لينسجم مع آيات القرآن التي حكمتْ عليهم بالتفرُّق في جميع أنحاء الأرض، فلا يكون لهم وطن يتجمعون فيه، كما قال تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرض أُمَماً..} [الأعراف: 168]. والواقع يُؤيد هذا، حيث نراهم مُتفرقِّين في شتَّى البلاد، إلا أنهم ينحازون إلى أماكن مُحدَّدة لهم يتجمَّعون فيها، ولا يذوبون في الشعوب الأخرى، فتجد كل قطعة منهم كأنها أمة مُستقلة بذاتها لا تختلط بغيرها. وقوله تعالى: {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} [الإسراء: 104] والمراد بوَعْد الآخرة: هو الإفساد الثاني لبني إسرائيل، حيث قال تعالى عن إفسادهم الأول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكتاب لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الديار وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً} [الإسراء: 4-5]. فقد جاس رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال ديارهم في المدينة، وفي بني قريظة وبني قَيْنُقاع، وبني النضير، وأجلاهم إلى أَذْرُعَات بالشام، ثم انقطعت الصلة بين المسلمين واليهود فترة من الزمن. ثم يقول تعالى عن الإفسادة الثانية لبني إسرائيل: {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ المسجد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً} [الإسراء: 7]. وهذه الإفسادة هي ما نحن بصدده الآن، حيث سيتجمع اليهود في وطن واحد ليتحقق وَعْد الله بالقضاء عليهم، وهل يستطيع المسلمون أن ينقضُّوا على اليهود وهم في شتيت الأرض؟ لابد أن الحق سبحانه أوحى إليهم بفكرة التجمُّع في وطن قومي لهم كما يقولون، حتى إذا أراد أَخْذهم لم يُفلتوا، ويأخذهم أخْذ عزيز مقتدر. وهذا هو المراد من قوله تعالى: {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} [الإسراء: 104] أي: مجتمعين بعضكم إلى بعض من شَتّى البلاد، وهو ما يحدث الآن على أرض فلسطين.
أيها المسلمون
ولعل الموضع الأخير المتحدث عن إيتاء موسى عليه السلام الآيات، وعن الطلب منهم أن يسكنوا الأرض، هي هنا الأرض المقدسة، حتى إذا جاء وعد الآخرة جاء بهم لفيفا؛ فأستبعد أن يكون المقصود هنا يوم القيامة، بل السياق متصل ولو كان هذا في آخر السورة. فهو إخبار عن جمعهم في الأرض المقدسة، والإتيان بهم لفيفا. وقد حصل هذا مع السماح لهم بالهجرة إلى فلسطين لإقامة وطنهم، حتى أفتى سياسيوهم وحاخاماتهم أن من لا يهاجر إلى الأرض المقدسة فلا إله له. ولعل مساعيهم الآن بشأن يهودية الدولة، ومحاولتهم تهجير الفلسطينيين من ديارهم من جديد، علامة على الطمأنينة التي يسعون إليها في تيسير هجرة المزيد.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والعجيب أن من معاني كلمة “لفيفا” الجمع الكبير المختلط من كل نوع. وهذا منطبق على اليوم الآخر، ومنطبق أيضا على اليهود حين يجتمعون في أرض فلسطين؛ من قبائل شتى، وأجناس مختلفين، من عرب وعجم، أوروبيين وأميركيين.. وهكذا. ولا يعني جمعهم أن يأتي كل يهودي إلى فلسطين، فلعل المقصود هو غالبهم، وإلا ففي حديث المسيح الدجال أنه سيتبعه سبعون ألفا من يهود أصفهان، ومن المؤكد أن يكون هناك غيرهم هنا وهناك، بل هناك من الفرق اليهودية من هم ضد إقامة الدولة، إذ قيامها يعني هلاك بني إسرائيل وإنهاء وجودهم، تماما كما نص القرآن على ذلك.
وبعيدا عن المستقبل الذي نتحدث عنه، ولا ندري فلعله يكون قريبا، فإن المطلوب منا الوعي والفهم والتصديق والعمل. وسواء كان المقصود بالآخرة اليوم الآخر أو زمن الإفساد الآخر، فالذي نعتقده اعتقادا جازما أن نهاية بني إسرائيل هي قريبة، ولا يمكن أن يبقوا في هذا التمرد والعتو والعلو والنفاق العالمي، ولا يمكن للمواقف السياسية العالمية والسيطرة حتى على أمتنا أن تبقى كما هي، فلا بد في لحظة من إرادة حقيقية لهذه الأمة تنتصر للحق، وتملك قرارها وتنهض من كبوتها.
الدعاء