خطبة عن (الناس والحساب)
أبريل 28, 2023خطبة عن أحوال أهل القبور وحديث (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ)
أبريل 29, 2023الخطبة الأولى ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (36) النحل
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله ، نتدارسها ، ونتأمل معانيها ، ونعمل -إن شاء الله- بما جاء فيها : ففي التفسير الميسر قال ،المعنى : ولقد بعثنا في كل أمة سبقَتْ رسولا ، آمرًا لهم بعبادة الله وطاعته وحده ،وتَرْكِ عبادة غيره من الشياطين والأوثان والأموات ،وغير ذلك مما يتخذ من دون الله وليًا، فكان منهم مَن هدى الله، فاتبع المرسلين، ومنهم المعاند الذي اتبع سبيل الغيِّ، فوجبت عليه الضلالة، فلم يوفقه الله. فامشوا في الأرض، وأبصروا بأعينكم كيف كان مآل هؤلاء المكذبين، وماذا حلَّ بهم مِن دمار؛ لتعتبروا؟ ، وقال ابن كثير : في كل قرن من الناس وطائفة رسولا ،وكلهم يدعو إلى عبادة الله ، وينهى عن عبادة ما سواه ،فلم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك ، منذ حدث الشرك في بني آدم في قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح ، وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض إلى أن ختمهم بنبي الله (محمد) – صلى الله عليه وسلم – الذي طبقت دعوته الإنس والجن في المشارق والمغارب ، وكلهم كما قال الله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [ الأنبياء : 25 ] ،وقال تعالى : (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) [ الزخرف : 45 ] ،وقال تعالى في هذه الآية الكريمة : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )
أيها المسلمون
وإن المتدبر لهذه الكريمة ، والمتأمل في فحواها ومعانيها ، ففي قوله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا ) ، فقد بيّن الله تعالى أنه أقام الحجة على عباده ، بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، للأمم كافةً ، كما قال الله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ) فاطر 24، وقال الله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) النحل 36 ، فكل الأمم التي سبقت إلا وفيها النذير ،وجاءتها الرسل ، وقد أخبر سبحانه وتعالى أنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه ، بإرسال الرسول إليه ، كما قال تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء 15.، وقال الله تعالى : ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ) الملك 8 ، 9 ،فبين الله تعالى أنه أرسل في كل أمة رسولا ، بشيرا ونذيرا ، وأنه ما من أمة إلا خلا فيها نذير ، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود مَن لم تبلغه دعوة الرسل من أفراد هذه الأمم ، إما لكونه في بلاد نائية ، أو كان في الفترة بين رسول ورسول ، أو كان أصم أو أبكم أو معتوها ، فلم تبلغه الرسالة ، ولم تقم عليه الحجة ، فهؤلاء يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع دخل الجنة ، ومن عصى دخل النار ، وهذا من تأويل قوله تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الاسراء 15،. قال السعدي رحمه الله : ” والله تعالى أعدل العادلين ، لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ثم يعاند الحجة. وأما من انقاد للحجة أو لم تبلغه حجة الله تعالى فإن الله تعالى لا يعذبه. واستدل بهذه الآية على أن أهل الفترات وأطفال المشركين، لا يعذبهم الله حتى يبعث إليهم رسولا لأنه منزه عن الظلم ”
وأما قوله تعالى : (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ) ، فالعبادة التي خلق الله الخلق لأجلها وأوجدهم لتحقيقها، هي: اسم جامع لكل ما يحبُّه الله ويرضاه؛ من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، والعبادة منها ما يكون بالقلب؛ كالرجاء والخوف والإنابة والتوكل وغير ذلك، ومنها ما يكون باللسان ؛ كذكر الله – جل وعلا – وتلاوة القرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكل قول سديد يحبه الله، ومنها ما يكون بالجوارح؛ من فعلٍ للطاعات، وقيام بالعبادات، وتحقيق للقُربات التي أمر الله – تبارك وتعالى – عباده بها، ودعاهم إلى فِعلها، وكما أن العبادة تتناول فعل المأمور، فإنها كذلك تتناول ترك المحظور، فتركُ المحرَّمات ومجانبتها ،والبعد عنها من العبادة التي أمر الله – تبارك وتعالى – عباده بها، وفي سنن الترمذي وغيره : (عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكَهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ » ، وفي الصحيحين : (أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولاَنِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ». ، والعبادة لا يقبلها الله من العابد إلا إذا أقامها على شرطين عظيمين وأساسين متينين، وهما : إخلاص للمعبود، ومتابعة للرسول، كما قال الله – تبارك وتعالى -: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، فالله – جلّ وعلا – لا يقبل العبادة من العامل إذا لم تكن خالصة له، وهو – جلّ وعلا – لا يقبل العبادة إن لم تكن موافقة هدي النبي الكريم، ونهج الرسول العظيم – صلوات الله وسلامه عليه – وفي الصحيحين: (عن عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ».
أيها المسلمون
وأما قوله تعالى : (وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) ، فقد سُئِل جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – عن “الطواغيت” فقال: هم كهان تنزل عليهم الشياطين. وقال مجاهد: “الطاغوت”: الشيطان في صورة إنسان، يتحاكمون إليه، وهو صاحب أمرهم. وقال الإمام مالك: “الطاغوت”: هو كل ما يعبد من دون الله – عز وجل -. وقال ابن القيم: “الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى الطاغوت ومتابعته” ، فأوجب الله – تعالى- الإيمان به، والكفر بالطاغوت. ولكننا في هذا الزمن آمنا بالله – تعالى-، وجهلنا الكفر بالطاغوت، بل أكثرنا يجهل هذا ولا يعلمه، وكل ذلك بسبب انتشار الجهل بيننا، والتكاسل عن طلب العلم والقراءة في كتب العلماء، والاكتفاء بالمعلومات العامة الدينية، فالطواغيت أنواع كثيرة ، ومنها : طاغوت حكم. وطاغوت عبادة. وطاغوت طاعة ومتابعة. وأما رؤوس الطواغيت فهم خمسة: الأول : الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله كما قال – تعالى-: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (60) يس. ، والثاني من أنواع الطواغيت : الحاكم الجائر المغير لأحكام الله تعالى- كما قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} (60) النساء. ، والثالث من أنواع الطواغيت : الذي يحكم بغير ما أنزل الله قال الله تعالى-: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (44) المائدة.، والرابع من أنواع الطواغيت: الذي يدعي علم الغيب من دون الله قال الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} (27) الجن. ، الخامس من أنواع الطواغيت : الذي يعبد من دون الله وهو راض بالعبادة قال الله تعالى: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} (29) الأنبياء. والطاغوت لا يقوم إلا في غيبة الدين القيم والعقيدة الخالصة عن قلوب الناس، فما يمكن أن يقوم وقد استقر في اعتقاد الناس فعلاً أن الحكم لله وحده، لأن العبادة لا تكون إلا لله وحده، والخضوع للحكم عبادة، بل هي مدلول العبادة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) النحل 36، فقد ذكر الله جل وعلا – في هذه الآية الكريمة : أن الأمم التي بعث فيها الرسل بالتوحيد منهم المهتدي السعيد ، ومنهم الضال الشقي ، فالمهتدي السعيد: من يهديه الله إلى اتباع ما جاءت به الرسل ، والضال الشقي: من يسبق عليه الكتاب فيكذب الرسل ، ويكفر بما جاءوا به ، فالدعوة إلى دين الحق عامة ، والتوفيق للهدى خاص ، وهدى الله هو الإسلام وهو سبيل المؤمنين ، وهو الحق الواجب الاتباع وما عداه هو الضلال الواجب تركه والإقلاع عنه ، فمن تمسك به خسر تولي الله له ونصرته إياه وكان من الظالمين ، و(هدى الله) يشمل جميع كتبه التي أنزلها الله تعالى على رسله وأمرهم بتبليغ محتوياتها من الهدى للناس ، ولا شك أن القرآن من جملتها ، بل وأفضلها ، وحيث أنه آخرها ، وأن اتباعه هو الواجب دونها ، قال الله تعالى : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (123) ،(124) طه ، فإن قيل: المتبع لهدى الله قد يلحقه الشقاء في الدنيا. قلنا: المراد لا يضل في الدين ولا يشقى بسبب الدين ، فإن حصل الشقاء بسبب آخر فلا بأس). والواقع أن متبع هدى الله – أي القرآن الكريم – يحيا حياة طيبة كما وعد الله تعالى وكما هو مقتضى سنته ، قال الله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل (97) ، ،فالشقاء ينافي الحياة الطيبة التي يتمتع بها متبع القرآن ، فالشقاء إذن منفي عنه في الدنيا ، كما أن الضلال منفي عنه في الدنيا. ولأن متبع هدى الله همه مرضاة الله فهو قانع بما قسمه الله له في الدنيا غير متسخط على ذلك ، لأنه سعيد بما أنعم الله عليه من نعمة الدين ، فهو في عيش طيب رغيد ، لأن تطلعه – بعد أن أنعم الله عليه بالإسلام – إلى ما عند الله لا إلى الدنيا ومتاعها الزائل ، فهو لا يحرص على تحصيله وإن كان لا يرفضه إذا جاءه ولا يأسف إذا فاته فهو في طيب عيش وحياة طيبة قطعاً. وأما هذا المعرض عن هدى الله فله المعيشة الضنك أي الضيقة في الدنيا ، لأنه شديد الحرص على الدنيا ،متهالك عليها وعلى الزيادة منها خائف من انتقاصها ، لا طمأنينة له ولا انشراح لصدره ، بل صدره ضيق حرج لضلاله ، وإن تنعم ظاهره ،ولبس ما شاء ،وأكل ما شاء ،وسكن حيث شاء ،فإن قلبه ما لم يعمره هدى الله ،لا يحس بسعادة ولا بطيب العيش ،أما في الآخرة فسيصيبه عقاب المعرضين عن هداه ، وهذا العقاب الذي ينتظره فهو أشد وأبقى من عذاب الدنيا.
أيها المسلمون
ومن الفوائد المتعددة والتي يمكن أن نخرج بها من خلال تدبرنا لهذه الآية الكريمة : أنها دلت على أن الحكمة في إرسال الرسل هي عبادة الله وحده وترك ما سواه . ولم يزل الله تعالى يرسل الرسل بذلك ، منذ حدث الشرك في قوم نوح الذين أرسل إليهم ، وكان أول رسول بعثه الله إلى الأرض ، إلى أن ختمهم الله بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ودلت الآية على أن الرسل اتفقت دعوتهم على التوحيد ،وإن اختلفت شرائعهم .كما قال تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) المائدة 48، كما دلت الآية على أن الله أرسل في كل أمة رسولاً ، قال الله تعالى : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) الاسراء (15)، وفي الآية بيان لعظم شأن التوحيد وأنه واجب على جميع الأمم ، وأن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت ، وكل ما يطاع ويعبد من دونه .
الدعاء