خطبة عن إيثار الدنيا على الآخرة (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ)
فبراير 26, 2022خطبة حول حديث (إِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ.. سَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا)
فبراير 26, 2022الخطبة الأولى ( وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (110) البقرة ،وقال الله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (20) المزمل
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ) البقرة ( 110) والمزمل (20) ،وقد جاء في تفسير الطبري أن المعنى : وَمَهْمَا تَعْمَلُوا مِنْ عَمَل صَالِح فِي أَيَّام حَيَاتكُمْ فَتُقَدِّمُوهُ قَبْل وَفَاتكُمْ ذُخْرًا لِأَنْفُسِكُمْ فِي مُعَادكُمْ , تَجِدُوا ثَوَابه عِنْد رَبّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة , فَيُجَازِيكُمْ بِهِ ، وفي الوسيط لطنطاوي ، قال : لقد أمرهم- سبحانه- في هذه الآية بالمواظبة على عمودي الإسلام وهما العبادة البدنية التي تؤكد حسن صلة العبد يخالقه وهي الصلاة والعبادة المالية التي تؤلف بين قلوب الموسرين والمعسرين وهي الزكاة. وجاءت جملة : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ) بعد ذلك، لترغبهم في فعل الخير على وجه عام، ولتحثهم على التزود من الأعمال الصالحة سواء أكانت فرضا أم نفلا. وقال (لِأَنْفُسِكُمْ) للإشعار بأن ما يقدمه المؤمن من خير إنما يعود نفعه إليه، وأنه سيجد عند الله نظير ذلك الثواب الجزيل، والأجر العظيم، وفي قوله، عند الله، إشارة إلى ضخامة الثواب، لأنه صادر من الغنى الحميد. إذن فلابد أن يطمئن المؤمن لأن حركة حياته هي ثواب وأجر عند الله تبارك وتعالى.. فإذا صلى فله أجر ،وإذا زكى فله أجر، وإذا تصدق فله أجر، وإذا صام فله أجر، وإذا حج فله أجر، وكل ما يفعله من منهج الله له أجر، وليس أجرا بقدر العمل، بل أضعاف العمل.. واقرأ قوله تعالى:{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 261] ، ويقول الشيخ الشعراوي: فالمؤمن وحده له عطاء الآخرة أضعافا مضاعفة.. وهو عطاء ليس زائلا كعطاء الدنيا ولكنه باق وخالد. والخير الذي تفعله لن تدخره عندك أو عند من قد ينكره.. ويقول لا شيء لك عندي ولكن الله سيدخره لك.. فانظر إلى الاطمئنان والعمل في يد الله الأمينة، وفي مشيئته التي لا يغفل عنها شيء، وفي قدرته التي تضاعف أضعافا مضاعفة.. وتجده في الوقت الذي تكون في أحوج اللحظات إليه وهو وقت الحساب.
أيها المسلمون
والعمل الصالح ينميه الله – تبارك وتعالى – لصاحبه، ويجده العبد موفورًا عنده الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ ، وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلاَّ الطَّيِّبُ ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ » ، فإذا استشعر العبد مثل هذا في نفقاته على الأهل والقرابات والمحتاجين فإنه لا يمكن أن يندم على نفقة في هذا السبيل. روي عن عائشة رضي الله عنها – جاءتها سائلة فأعطتها عنبة، وقالت: “كم في العنبة من مثقال ذرة؟” ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ : قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : « لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ». فالخير لا يضيع عند الله تعالى ولو كان قليلاً، وبهذا يكون العبد مسارعًا في الخيرات ،باذلاً في سبيل الله – تبارك وتعالى – ثابتًا على هذا البذل والإحسان ،لا ينقطع بسبب أن هؤلاء الخلق الذين أحسن إليهم لم يقابلوا هذا الإحسان بالإحسان ، وفي قوله تعالى -: (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ) [البقرة: 110] فإن هذه الجملة تدل على معنىً كبير ، (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ) فحينما يقول لك الكبير من الناس: عملك أجرك ،ثوابك إحسانك عندي أنا، معناها أنك تطمئن كل الاطمئنان، وتثق كل الثقة ،أن ذلك سيأتي ويكون في غاية الوفرة، فأنت تسرح الذهن فيه هذه الحال متصورًا أعظم ما يكون من الجزاء، جزاؤك عندي، عندي أنا (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ) الذي هو أكرم الأكرمين ،وهو الغني ،وبيده خزائن السماوات والأرض، وهو لا يخلف الميعاد، فإذا كان الأمر كذلك ،فما حاجة العبد لتعريف الآخرين بعمله وإفضاله وإحسانه، أو ما حاجة العبد حينما يحزن قلبه إذا لم يُقدر جهده وعمله وسعيه.
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى: (… وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ )، فيه إشارة إلى عظيم الأجر والثواب الذي يحصل عليه الإنسان من ربه جل وعلا عندما يفعل الخيرات، أو يدل على الخير ، ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ يَسْتَحْمِلُهُ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ مَا يَتَحَمَّلُهُ فَدَلَّهُ عَلَى آخَرَ فَحَمَلَهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ « إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ ». وفي هذا دليل على عدم اقتصار فعل الخير على فاعل الخير فقط، بل يستطيع الإنسان أن يدل غيره ،وأن يحصل هو أيضاً على الأجر والحسنات، ولذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على عمل الخير في وجوه كثيرة، ومنها الصدقة على الفقير والمسكين، وتعاهد الأرامل واليتامى وتفقدهم، وحسن التعامل مع الجار، وإماطة الأذى عن الطريق، والإصلاح بين المتشاحنين. وقد عدّ الله تعالى عمل الخير والمسارعة فيه من صفات الأتقياء، قال سبحانه: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) المؤمنون: 61
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالمسلم المتقي لربه حريص على اغتنام فرص عمل الخير في الحياة ، لما يعلم من فوائدها الجمة الكثيرة على الفرد والمجتمع. فعلى العبد المسلم أن يقدم لنفسه ما ينفعه عند ربه إذا لقيه ، ولا سيما إن كان ممن أفاء الله عليه بالمال ، وأغدق عليه بالنعم ، فلا يسرف في هذه الحياة الدنيا ، ولا يقتر ، بل يتخذ بين ذلك سبيلاً ، وعليه أن يعلم أن المال مال الله تعالى ، وأن الله ممتحنه بذلك المال ، وتلك النعم ، فعليه أن يسعى جاهداً لصرفه في وجوه الخير ، وأعمال البر ، التي يعود نفعها أولاً وأخيراً له في الدارين ، دار الدنيا ، ودار الآخرة ، وقال سبحانه : ” {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد 7] ، وقال سبحانه : ” {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون 10] ،فالعبد يوم القيامة تحت ظل صدقته ، تظلله من شدة حر وبؤس ذلك اليوم الرهيب الشديد ، قال صلى الله عليه وسلم : « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ)، وذكر منهم : (وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ) [متفق عليه] ،فعلى قدر ما تستطيع أفعل الخير ، ولا تنتظر جميلا من أحد، فمن الممكن أن تجد من قدمت لهم الخير هم أكثر الناس إساءة لك ،ونكرانا للجميل ،وفى هذا اختبار من الله لك، لأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يكون العمل خلاصاً لوجهه ،فإن علم الله صدق نيتك في العمل، لرده إليك أضعافا مضاعفة في الدنيا والآخرة (أعظم أجرا ) وسوف تجد جبال من الحسنات يوم القيامة، فقدم لنفسك أيها المسلم وأيتها المسلمة ما يقربك من ربك زلفى ، قدم لنفسك ما يرفعك عند الله تعالى ، قدم لنفسك ما يُنجيك من عذاب الله ، فاليوم عمل بلا حساب ، ويوم القيامة حساب ولا عمل ، فالسعيد من اتعظ بغيره ، والشقي من وُعظ به غيره ، فكن من السعداء في الدنيا والآخرة ، ابن لك بيوتاً وقصوراً ، وأجْرِ لك أنهاراً ، وازرع لك أشجاراً في جنة الخلد ، قبل أن تموت وتندم ، وحيث لا ينفعك الندم .
الدعاء