خطبة حول ( لماذا نقرأ القرآن ؟ ) مختصرة
أبريل 10, 2021خطبة عن (وداعا رمضان)
مايو 7, 2021الخطبة الأولى ( كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَأُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في صحيح أبي داود وصححه الألباني : (عَنْ جَابِرٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- – يَعْنِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ – فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَحَلَفَ أَنْ لاَ أَنْتَهِى حَتَّى أُهَرِيقَ دَمًا فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَنَزَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَنْزِلاً فَقَالَ مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ « كُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ ». قَالَ فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلاَنِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ اضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ وَقَامَ الأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي وَأَتَى الرَّجُلُ فَلَمَّا رَأَى شَخْصَهُ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةٌ لِلْقَوْمِ فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَنَزَعَهُ حَتَّى رَمَاهُ بِثَلاَثَةِ أَسْهُمٍ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ ثُمَّ انْتَبَهَ صَاحِبُهُ فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا بِهِ هَرَبَ وَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالأَنْصَارِيِّ مِنَ الدَّمِ قَالَ سَبْحَانَ اللَّهِ أَلاَ أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَى قَالَ كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَأُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا).
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : هو حبل الله المتين ،وهو الذكر الحكيم ،والصراط المستقيم ،من عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم ،القرآن الكريم : لا تشبع منه العلماء ،ولا تلتبس به الألسن ،ولا تزيغ به الأهواء ،ومن تركه واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً ،القرآن الكريم : هو كتاب الله ،فيه نبأ ما قبلكم ،وخبر ما بعدكم ،وحكم ما بينكم ،هو الفصل ليس بالهزل ،من تركه من جبار قصمه الله ،ومن ابتغى الهدى في غيره أذله الله ،وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ،ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه ،القرآن الكريم: أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزغ عنها إلا هالك، هَذَا الْكِتَابِ الْعَظِيمِ الَّذِي نَزَلَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، مِنْ عِظَمِهِ قَالَ الله تَعَالَى في شأنه: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} الحشر (21)، فَعِظَمُ الْقُرْآنِ يَعْرِفُهُ مَنْ كَانَ حَيَّ الْقَلْبِ، فَالْجَبَلُ عَلَى ثَبَاتِهِ وَقُوَّتِهِ لَوْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ لَتَصَدَّعَ وَتَفَتَّتَ، حَتَّى تَقُومَ كُلُّ ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّاتِهِ فَتَنْقَادُ لِرَبِّهَا.
وهذا الحديث الذي بين أيدينا اليوم يذكر لنا موقفا من مواقف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القرآن ،وقِصَّةٌ لَوْ لَمْ تَثْبُتْ لَظَنَّهَا مَنْ لَا يَعِي قِيمَةَ الْقُرْآنِ أَنَّهَا صَعْبَةُ الْحُصُولِ, وَلَكِنَّهَا قِصَّةٌ ثَبَتَتْ، وَمُلَخَّصُهَا: أَنَّ صَحَابِيًّا كُلِّفَ بِحِرَاسَةِ جَيْشٍ كَانَ يَقُودُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَثْمِرَ وَقْتَهُ, وَأَنْ يَغْتَنِمَ اللَّيْلَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَاحَظَ أَحَدُ الْأَعْدَاءِ هَذَا الصَّحَابِيَّ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ ،فَنَزَعَهُ الصَّحَابِيُّ, وَاسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ, وَلَكَ أَنْ تَتَخَيَّلَ سَهْمًا يُطْلَقُ, وَلَوْ وَقَعَ عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ مِنْ جَسَدِهِ لَكَانَ مُؤْلِمًا, ثُمَّ رَمَاهُ بِسَهْمٍ آخَرَ ،فَمَا كَانَ مِنَ الصَّحَابِيِّ إِلَّا أَنْ نَزَعَهُ, وَاسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ, ثُمَّ رَمَاهُ بِسَهْمٍ ثَالِثٍ فَنَزَعَهُ ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ وَأَنْهَى صَلَاتَهُ, وَأَيْقَظَ مَنْ كُلِّفَ مَعَهُ بِالْحِرَاسَةِ، الَّذِي ذُهِلَ مِنْ هَذِهِ الدِّمَاءِ الَّتِي يَرَاهَا, فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ!! هَلَّا أَهْبَبْتَنِي ، فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الصَّحَابِيِّ إِلَّا أَنْ قَالَ: (كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَأُهَا، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا حَتَّى أُنْفِذَهَا, فَلَمَّا تَابَعَ عَلَيَّ الرَّمْيَ رَكَعْتُ فَأَرَيْتُكَ, وَايْمُ اللَّهِ لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ أُضَيِّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِحِفْظِهِ لَقَطَعَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أُنْفِذَهَا).
هكذا كَادَ هَذَا الصَّحَابِيُّ أَنْ يَنْقَطِعَ نَفْسُهُ، وَيَهْلَكَ مِنَ السِّهَامِ الْمُتَوَالِيَةِ عَلَى جَسَدِهِ، وَلَمْ يَأْبَهْ بِهَا, وَذَلِكَ مِنْ عِظَمِ الْقُرْآنِ فِي قَلْبِهِ، فَلَمْ يُوقِفِ التِّلَاوَةَ, وَاسْتَمَرَّ يَتَلَقَّى السِّهَامَ, وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَقْطَعِ الصَّلَاةَ وَالتِّلَاوَةَ؛ تَعْظِيمًا وَتَأَدُّبًا مَعَ كَلَامِ اللَّهِ، وَاحْتِرَامًا لَهُ, فما تَزالُ سيرةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ معَ أصحابِه مَثارَ العجَبِ والإعجابِ، ومَضرِبَ المثلِ في قوَّةِ الإيمانِ وحُبِّ اللهِ ورسولِه، ولنا في رسولِ اللهِ وأصحابِه القُدوةُ الحسَنةُ في أفعالِهم وحياتِهم.
أيها المسلمون
أَتَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا الصَّحَابِيَّ رضي الله عنه لَا يَتَأَلَّمُ؟ فقطعاً إنه يتألم ،فَالْبَشَرُ طَبِيعَتَهُمْ وَاحِدَةٌ، ولَكِنْ تَوْقِيرُ الْقُرْآنِ دَفَعَهُ لِهَذَا التحمل ،وتلك التضحية, لقد فضَّل أن يُتِمَّ ما يَقرَأُ مِن القُرآنِ على أن يَنجُوَ بنفسِه ممَّا أصابَه، وهذا مِن شدَّةِ خُشوعِه ،وحُبِّه للصَّلاةِ والقُرآنِ ، ونحن لَا نَطْلُبُ مِنْ أَنْفُسِنَا أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ, وَلَكِنْ لَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ نُعَظِّمَ الْقُرْآنَ ،ولا نقطع التلاوة عند أدنى عارض ,فَعَلَيْنَا أَنْ نُعِيدَ تَرْبِيَتَنَا مِنْ جَدِيدٍ, وَنَجْعَلَ هَذَا الصَّحَابِيَّ لَنَا قُدْوَةً, فَمَنْ عَظَّمَ اللَّهِ عَظَّمَ كِتَابَهُ ، فَعَجَبًا وَاللَّهِ مِنْ حَالِنَا مُقَارَنَةً مَعَ هَذَا الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ الَّذِي لَمْ يَأْبَهْ بِسِهَامٍ صُوِّبَتْ نَحْوَ جَسَدِهِ مَعَ شِدَّةِ آلَامِهَا, فَكَيْفَ تَحَمَّلَهَا؟ ،إن قوة الإيمان واليقين تفعل بصاحبها الأفاعيل، وإِنَّ تَوْقِيرِ الْقُرْآنِ من علامات الإيمان ،وَلِذَا كَرِهَ السَّلَفُ الصالح- عَلَيْهِمْ رِضْوَانُ اللَّهِ- قَطْعَ التِّلَاوَةِ بِدُونِ عُذْرٍ مُعْتَبَرٍ؛ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ تَعْظِيمِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَلَامُ اللَّهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَثِّرَ عَلَيْهِ كَلَامُ غَيْرِهِ ، وقد رَوَى الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، عَنِ التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ نَافِعٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ – حَيْثُ قَالَ: (كَانَ ابنُ عُمَرَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْهُ, فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَكَانٍ، قَالَ: تَدْرِي فِيمَ أُنْزِلَتْ؟ قُلْتُ: لَا, قَالَ: أُنْزِلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا ثُمَّ مَضَى). فَهَذِهِ عَادَةُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ إِلَّا لِأَمْرٍ جَلِيلٍ, وَمَصْلَحَةٍ كَنَشْرِ عِلْمٍ وَنَحْوِهِ
أيها المسلمون
وهَذِهِ الْقَصَصِ وَالْأَخْبَارِ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَخْيَارِ الْمَقْصُودُ منهَا الِاقْتِدَاءُ وَالِاتِّبَاعُ, وَهُمْ لَنَا قُدْوَةٌ وَأُسْوَةٌ, قَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) الانعام (90) , فَعَلَيْنَا وَإِنْ وَقَعْنَا فِي أَخْطَاءٍ فِي الْمَاضِي أَنْ نُعَدِّلَ مِنْ وَضْعِنَا، وَأَنْ نُعِيدَ حِسَابَاتِنَا مِنْ جَدِيدٍ, وَعَلَيْنَا أَنْ نُرَبِّيَ الْأَنْفُسَ وَالْأَوْلَادَ أَلَا يَقْطَعُنَا عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ حتى نهاية ما قررنه من مقدار التلاوة أَيُّ عَارِضٍ غَيْرِ ضَرُورِيٍّ ، قالَ النوويُ: ومما يُعْتَنَى به ويَتأكدُ الأمْرُ بِه: احترامُ القرآنِ مِن أمورٍ قَدْ يَتساهَلُ فيها بعضُ الغافلينَ القارئينَ مُجْتَمِعينَ؛ فَمِنْ ذلك: اجتنابُ الضحكِ واللغَطِ والحَديثِ في خلالِ القراءةِ إلاَّ كلامًا يُضْطَرُّ إليه، ولْيِمْتَثِلْ قول الله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الاعراف (204).، ومِنْ ذلكَ العبثُ بِاليَدِ وغيرِها، فإنَّه يُناجِي ربَّه سُبحانَهُ وتعالى، فلا يَعبثُ بِيديهِ، ومِنْ ذلكَ النَّظَرُ إلى ما يُلْهِي ويُبَدِّدُ الذِّهْنَ.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَأُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد ذكرت كتب السير أن هذا الصحابي صاحب هذه القصة العجيبة هو (عباد بن بشر) قالت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها -: «ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً كلهم من بني عبد الأشهل سعد بن معاذ وعباد بن بشر وأسيد بن حضير»، وفي مسند احمد وصحيح ابن حبان : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَعَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ كَانَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ حِنْدِسٍ – قَالَ – فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ أَضَاءَتْ عَصَا أَحَدِهِمَا فَكَانَا يَمْشِيَانِ فِي ضَوْئِهَا فَلَمَّا تَفَرَّقَا أَضَاءَتْ عَصَا هَذَا وَعَصَا هَذَا).، وفي حروب الردة، بعد وفاة الرسول – عليه الصلاة والسلام – حمل عباد مسؤولياته في استبسال منقطع النظير، وفي موقعة اليمامة التي واجه المسلمون فيها جيشاً من أقسى وأمهر الجيوش تحت قيادة مسيلمة الكذاب ،أحسّ عبّاد بالخطر الذي يتهدد الإسلام، وقبل أن تبدأ معركة اليمامة بيوم، رأى في منامه رؤيا. وقص أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – الرؤيا التي رآها عبّاد قائلاً: قال لي عباد بن بشر يا أبا سعيد رأيت الليلة، كأن السماء قد فرجت لي، ثم أطبقت عليّ، وإني لأراها إن شاء الله الشهادة. فقلت له: خيرا والله رأيت. وانني لأنظر اليه يوم اليمامة، وانه ليصيح بالأنصار: احطموا جفون السيوف، وتميزوا من الناس. فسارع إليه أربعمئة رجل، كلهم من الأنصار، حتى انتهوا إلى باب الحديقة، فقاتلوا أشد القتال، واستشهد عباد بن بشر رحمه الله، ورأيت في وجهه ضرباً كثيراً، وما عرفته إلا بعلامة كانت في جسده. وكان عباد – رضي الله عنه – حينها في الخامسة والأربعين من عمره، وكان – رضي الله عنه – شديد الولاء والحب لله، ولرسوله ولدينه، ومنذ سمع النبي – عليه الصلاة والسلام – يقول مخاطباً الأنصار وهو منهم: «يا معشر الأنصار أنتم الشعار، والناس الدثار فلا أوتيّن من قبلكم»، ظل يبذل روحه وماله وحياته في سبيل الله وفي سبيل رسوله، ففي مواطن التضحية والموت، يجيء دوماً أولاً، وفي مواطن الغنيمة والأخذ، يبحث عنه أصحابه في جهد ومشقة حتى يجدوه. وهو دائماً: عابد، تستغرقه العبادة، بطل ،تستغرقه البطولة ،جواد، يستغرقه الجود، مؤمن قوي ،نذر حياته للدفاع عن الإسلام.
الدعاء