خطبة عن (نجاتك في صلاتك)
أبريل 30, 2025الخطبة الأولى ( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) (15) الاسراء
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله العزيز ،نتلوها ،ونتفهم معانيها ،ونسبح في بحار مراميها ،ونرتشف من رحيقها المختوم ،وقد جاء في تفسيرها في (التفسير الميسر) أن المعنى : (من اهتدى فاتبع طريق الحق فإنما يعود ثواب ذلك عليه وحده، ومن حاد واتبع طريق الباطل فإنما يعود عقاب ذلك عليه وحده، ولا تحمل نفس مذنبة إثم نفس مذنبة أخرى. ولا يعذب الله أحدًا إلا بعد إقامة الحجة عليه بإرسال الرسل وإنزال الكتب) .. فهدايتك هي لنفسك ،ولن تنفع الله بها ،ولن تزيد في ملك الله شيئاً ،وستجدها يوم تكون في أشد الحاجة إليها .وضلالك هو أيضاً لنفسك ,ولن يؤثر ضلال ضال ،ولا جبروت متكبر ،ولا ظلم ظالم في ملك الله شيئاً ,وسيرى مغبة صنائعه في يوم هو في أشد الحاجة لعمل صالح ولن يجد . ولن يؤاخذ الله أحداً بذنب غيره ،وإنما كل مخلوق مؤاخذ بجريرته هو ,والله تعالى هو الملك العدل ،فلا يعذب أحداً إلا بعد بلوغ الحجة الرسالية ،ووصول الحق إليه ,فإن أذعن وانقاد ،فله الخير كل الخير ،وإن أعرض ونأى بجانبه ،فسيرى مغبة ابتعاده .
أيها المسلمون
والمتأمل والمتدبر لقوله تعالى : (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) (15) الاسراء ، يتبين له أن هذا البيان المعجز والصريح يشير بوضوح إلى حرية العقيدة، وأنه لا إكراه في الدين، كما قال الله تعالى : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة (256) ،وكما في قوله تعالى 🙁وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف (29)، كما تبين الآية الكريمة أن الإنسان لن يحاسب إلا بعد أن يبلغه البيان، وهذا يقتضي أنه لن يصدر في حقه حكم، ولن تنزل به عقوبة حتى يعطى كامل الحرية مع العلم، فلكل أمة نذير، ولكل أمة رسول ،يقدم بين يديه الحجج والبراهين على صدق دعواه، وأنه رسول من رب العالمين يحمل إلى الناس الشريعة والمنهاج ، قال الله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) (24) فاطر ، وقال الله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ) النحل (36) ، وأما لم تبلغهم الدعوة ،فقد قيل أنهم يمتحنون ويختبرون يوم القيامة ،ففي صحيح ابن حبان ومسند أحمد 🙁عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَصَمُّ لاَ يَسْمَعُ شَيْئاً وَرَجُلٌ أَحْمَقُ وَرَجُلٌ هَرَمٌ وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ فَأَمَّا الأَصَمُّ فَيَقُولُ َبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلاَمُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئاً وَأَمَّا الأَحْمَقُ فَيَقُولُ َبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلاَمُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ رَبِّى لَقَدْ جَاءَ الإِسْلاَمُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئاً وَأَمَّا الَّذِى مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ َبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ. فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ – قَالَ – فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْداً وَسَلاَماً ».
أيها المسلمون
لقد حرم الله سبحانه وتعالى الظلم على نفسه، وجعله بين الناس محرما، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ « يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا)، إنه إعلان صريح، وبيان واضح، وعهد وثيق، ومن أوفى بعهده من الله تعالى، وهو تحريم مغلظ للظلم وما يمت إليه بسبب، فإن الظالمين- كما تكرر كثيراً في القرآن- لهم عذاب شديد، ولهم عذاب غليظ، وأليم، قال سبحانه وتعالى: « إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » (إبراهيم: 22)، وهذا يعني أن الحق سبحانه وتعالى لن ينزل بعباده العاصين هذه العقوبات إلا بعد أن تبلغهم الحجة، ويبعث فيهم من يدلهم على الصراط المستقيم، والقرآن العظيم يزخر بالآيات والنذر حول هذه القضية المهمة، يقول سبحانه وتعالى: (يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) (130) الأنعام ،وقال الله تعالى : (يَابَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (35) ،(36) الاعراف ، وقال الله تعالى : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (71) الزمر ،نعم إنها حرية كاملة، وبيان واضح وصريح، ولم يبق إلا تحديد المواقف، وإعلان الإرادات، فللإنسان بعد العلم والبيان الحرية في أن يؤمن أو أن يكفر، وسيحاسب على اختياره .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وليكن الإنسان على ثقة تامة بأنه لن يحاسب ولن يجازى أو يعاقب إلا على فعل كان يستطيع أن يفعله ولم يفعله، أو على معصية كان يستطيع أن يمتنع عنها فلم يفعل، وذلك لأن الله تعالى ليس بظلَّام للعبيد، وأنه سبحانه رغم علمه بما يجترحه عبده من معاصٍ، بل حتى ما ينتوي عمله من هذه المعاصي، إلا أنه سبحانه لعدله المطلق، وللعهد الذي أخذه على نفسه بتحريم الظلم على نفسه، فإنه لا يحكم بعلمه بل بالدليل والبرهان، وهذا من مقتضى العدل الإلهي الذي قامت عليه السماوات والأرض، وصلح عليه أمر الوجود كله. وروى الامام احمد في مسنده : (عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِى آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ) الآيَةَ قَالَ جَمَعَهُمْ فَجَعَلَهُمْ أَرْوَاحاً ثُمَّ صُوَّرَهُمْ فَاسْتَنْطَقَهُمْ فَتَكَلَّمُوا ثُمَّ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالَ فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالأَرَضِينَ السَّبْعَ وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ نَعْلَمْ بِهَذَا اعْلَمُوا أَنَّهُ لاَ إِلَهَ غَيْرِى وَلاَ رَبَّ غَيْرِى فَلاَ تُشْرِكُوا بِي شَيْئاً إِنِّي سَأُرْسِلُ إِلَيْكُمْ رُسُلِي يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي. قَالُوا شَهِدْنَا بِأَنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا لاَ رَبَّ لَنَا غَيْرُكَ وَلاَ إِلَهَ لَنَا غَيْرُكَ فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ وَرَفَعَ عَلَيْهِمْ آدَمَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فَرَأَى الْغَنِىَّ وَالْفَقِيرَ وَحَسَنَ الصُّورَةِ وَدُونَ ذَلِكَ فَقَالَ رَبِّ لَوْلاَ سَوَّيْتَ بَيْنَ عِبَادِكَ. قَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُشْكَرَ وَرَأَى الأَنْبِيَاءَ فِيهِمْ مِثْلَ السُّرُجِ عَلَيْهِمُ النُّورُ خُصُّوا بِمِيثَاقٍ آخَرَ فِي الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ) إِلَى قَوْلِهِ ( عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)، الأحزاب (7)
أيها المسلمون
ومما يستفاد من هذه الآية الكريمة : طلب الهداية واجب على كل مسلم. والبحث عن طريق الهداية يجب أن يكون غاية وهدف كل مسلم. وأن عواقب السيئات يتحملها فاعلها وحده. وأنه لا تتم محاسبة أحد على ذنوب ومعاصي ارتكبها غيره .
الدعاء