خطبة عن قوله تعالى (آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ)
أبريل 20, 2024خطبة عن الاتحاد وحديث (إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْفُرْقَةُ)
أبريل 20, 2024الخطبة الأولى ( سَيَكُونُ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ كَمَا تَأْكُلُ الْبَقَرَةُ مِنَ الأَرْضِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام أحمد في مسنده بسند حسن لغيره ،وذكره الألباني في صحيح الجامع : (كَانَ لِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ إِلَى أَبِيهِ حَاجَةٌ فَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَىْ حَاجَتِهِ كَلاَماً مِمَّا يُحَدِّثُ النَّاسُ يُوصِلُونَ لَمْ يَكُنْ يَسْمَعُهُ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ يَا بُنَىَّ قَدْ فَرَغْتَ مِنْ كَلاَمِكَ قَالَ نَعَمْ. قَالَ مَا كُنْتَ مِنْ حَاجَتِكَ أَبَعْدَ وَلاَ كُنْتُ فِيكَ أَزْهَدَ مِنِّى مُنْذُ سَمِعْتُ كَلاَمَكَ هَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « سَيَكُونُ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ كَمَا تَأْكُلُ الْبَقَرَةُ مِنَ الأَرْضِ »، وفي رواية : « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ كَمَا يَأْكُلُ الْبَقَرُ بِأَلْسِنَتِهَا »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم – إن شاء الله تعالى- مع هذا الأدب النبوي الكريم ،والذي يحذرنا ويرشدنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمور عدة ،فقوله صلى الله عليه وسلم : (قَوْمٌ يَأْكُلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ كَمَا تَأْكُلُ الْبَقَرَةُ مِنَ الأَرْضِ) أو (قَوْمٌ يَأْكُلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ كَمَا يَأْكُلُ الْبَقَرُ بِأَلْسِنَتِهَا) فهو يحمل بين طياته معان كثيرة ،وفوائد جليلة قال البرزنجي: معناه: “يمدحون الناس ،ويظهرون محبتهم نفاقا ويطرونهم، ويمدحون أنفسهم حتى يتوصلوا إلى أخذ الأموال منهم”، وقال التوربشتي : (ضرب للمعنى مثل يشاهده الراءون من حال البقر ،ليكون أثبت في الضمائر ،ذلك أن سائر الدواب تأخذ من نبات الأرض بأسنانها ، فضرب بها المثل لمعنيين، أحدهما : أنهم لا يهتدون من المآكل إلا إلى ذلك سبيلا ، كما أن البقرة لا تتمكن من الاحتشاش إلا بلسانها ،والآخر : أنهم في مغزاهم ذلك كالبقرة التي لا تستطيع أن تميز في رعيها بين الرطب والشوكة ،وبين الحلو والمر ،بل تلف الكل بلسانها لفا ،فكذلك هؤلاء الذين يتخذون ألسنتهم ذريعة إلى مآكلهم ،لا يميزون بين الحق والباطل ،ولا بين الحلال والحرام ،سماعون للكذب أكالون للسحت) ،وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْبَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا يَتَخَلَّلُ الْبَاقِرَةُ بِلِسَانِهَا» . رَوَاهُ أحمد والتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.- (يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ) أَيْ: يَأْكُلُ بِلِسَانِهِ، أَوْ يُدِيرُ لِسَانَهُ حَوْلَ أَسْنَانِهِ مُبَالَغَةً فِي إِظْهَارِ بَلاغَتِهِ وَبَيَانِهِ.
أيها المسلمون
لقد اهتم الإسلام اهتماما كبيرا بالأخلاق ،وبما يقوله الإنسان وما يفعله، وبأهمية تطابق أقواله مع أفعاله، فقال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) الصف (2) (3)، وذم الاسلام أولئك الذين يكذبون في حديثهم ،ولا يبالون بم يتكلمون ،فقال الله تعالى : (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) (116) النحل،
وفي زماننا هذا ظهر أقوام وجماعات كثيرة من الطغام والعوام ،نراهم يتفاصحون بنقل الأخبار الصادقة والكاذبة ،ويتكلمون في تحليلها، مُدَّعِينَ أنهم أهلُ فَهْمٍ وبيانٍ وفصاحةٍ، وهم لا يدركون بواطن الأمور، ولا يعرفون حقائقها، يريدون بذلك الظهور بين الناس، أو التجارةَ وكسبَ الأموال ، لذا فيعتبر هذا الحديث الذي بين أيدينا اليوم هو من دلائل النبوّة، إذ يتحدث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن واقع ما تعيشه الأمة اليوم، فنحن نرى بأعيننا من نصّب نفسه ناطقا باسم المسلمين ، ليعقد مع الأعداء صلحا ،أو يبرم معهم عهدا، فهو يأكل بلسانه كما تأكل البقر، ونرى من نصّب نفسه محاميا للشيطان ،يدافع ويرافع عن الديمقراطية وكأنها وحي من الله، فهو يأكل بلسانه كما تأكل البقر، ونرى من يدافع ويرافع عن العلمانية والحداثة وكأنهما دين الله، فهو يأكل بلسانه كما تأكل البقر، وقل مثل ذلك في كل من يدافع وينافح عن أنظمة الجور والظلم، من علماء ومفكرين وكتّاب ومذيعين وأدباء وغيرهم، فهؤلاء لا يميزون بين حق وباطل ،وبين رطب ويابس ،وبين حلال وحرام، فأكلوا بألسنتهم كما تأكل البقر دون تمييز.
أيها المسلمون
ولقد انتشر في هذا الزمان ذلك الخطيب الذي يحاول ان يوصل للناس كلامه من خلال الاسلوب الخطابي فقط ،بالتلاعب بالألفاظ وطريقة الالقاء ،فيضخم الكلام او يمده ،او ينطق به بصورة خاصة مميزة بحسب مقصده الذي يريده منه، فيحرك لسانه بالكلام كما تحرك البقرة لسانها عندما تأكل، فان مثل هذا الشخص يكون بغيضا عند الله، لأن جوهر حديثه خالي من القيم والمفاهيم الصالحة ،ويشغل الناس بأسلوبه وكلامه الذي لا جدوى منه، وفي سنن أبي داود : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبْغِضُ الْبَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِى يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ تَخَلُّلَ الْبَاقِرَةِ بِلِسَانِهَا ».،قال ابن الأَثير معلقا: (الذي يتخلّل الكلام بلسانه هو الذي يتشدَّق في الكلام ويُفَخِّم به لسانه ويَلُفُّه كما تَلُفُّ البقرة الكلأَ بلسانها لَفًّا) ،نعم لقد ظهرت طوائف عديدة كسبها من اللسان مثل المجترئين على الفتاوى، وفي سنن الدارمي : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ ».،وظهر من يمدح الناس بما ليس فيهم نفاقا وكذبا ،وكذا المهرجون الذين يتحدثون بالكلام الساقط ،وهؤلاء بأفعالهم يريدون أموال الناس ،وكذا خطباء الفتنة الذين يقلبون الحقائق، ويبررون الأباطيل ،ويسعون لمطامع ومغانم دنيوية ،كالشهرة وجمع الأموال وغير ذلك ،وكذا ظهر دعاة التخريب ،وتعطيل مصالح الناس ، والساعين بمعسول كلامهم لإهلاك الحرث والنسل ،وهؤلاء ومن يماثلهم ومن يناظرهم صرعى الألسنة، فما أكثرهم اليوم ،فهم يعيشون بين ظهرانينا ،يتشابهون في إجادة القرع على الطبول ،ويخرجون علينا بهيئات مختلفة ،ومسميات متعددة :{داعية، كاتب، إعلامي، متحدث رسمي، محلل اقتصادي أو سياسي..}.، وصدق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : « تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِذَا عَلِمْتُمُوهُ فَلاَ تَغْلُوا فِيهِ ولاَ تَجْفُوا عَنْهُ ولاَ تَأْكُلُوا بِهِ ولاَ تَسْتَكْثِرُوا بِهِ » رواه احمد ،
أيها المسلمون
تُرَى كم من الكنوز العظيمة، والمعجزات الكثيرة التي جاءت على لسان الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – وكم من مفاجآت يجدها المرء عندما يُطالِع الأحاديث النبوية، ويتمعَّن في دراسة القرآن الكريم! ، ومع هذا، يُعرِض كثيرٌ من الناس عن هذا الهدي، ويشطح عن التأمُّل فيه، وقد يبلغ ببعضهم الجهلُ وسوء التقدير أن يظن أن القرآن والسنة لا يوصلان المقتدي بهما إلى غايته في الحضارة والرقي، وأنهما إن صلحا للماضي، فلا يناسبان عصر الذرة وسفن الفضاء ،وهذا التصور الخاطئ سببُه الابتعادُ عن الدين، والجهل بما جاء به الرسول من سعادة البشر، وحثِّهم على أن يكونوا الأعزاء الأقوياء، أهل العلم والمجد وأولى العزم والمضاء، والتأمل والمتدبر لهذا الحديث ،يتبيَّن له أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد أخبر عن هذه الامور وانتشارها قبل أن توجد بمئات السنين، وكيف يكون اللسان أشدَّ من وقْع السيف، ولولا وجودُ الصحف والإذاعة، وانتشار ما يقال بواسطتهما، ومدى أهميتهما وخطورتهما؟!
وليس الغرض تَعدادَ ما تؤدِّيه هذه الوسائل من حسنات وسيئات، وما تثير من حروبٍ، أو تسبِّب من فتن، وما تقوم به من خدمات جليلة، وأعمال نافعة، إذا ما أُحْسِن الاستفادة منها، فذلك يطول الحديث عنه؛ وإنما الهدف الإشارة إلى ما جاءت به الأحاديث من إخبارٍ عن هذه الأمور قبل أن تقع، وذلك من المعجزات الدالَّة على صدْق الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – وكمالِ الشريعة، وأنه لا ينطق عن الهوى، وذلك جليٌّ، ولن يضيره إنكارُ جاحد، أو هوى معاند.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( سَيَكُونُ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ كَمَا تَأْكُلُ الْبَقَرَةُ مِنَ الأَرْضِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فينبغي أن يكون المسلم في كلامه بعيداً عن الثرثرة والتشدق وتكلف الفصاحة، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الترمذي: (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَىَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ قَالَ « الْمُتَكَبِّرُونَ »، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ { سَيَكُونُ رِجَالٌ مِنْ أُمَّتِي يَأْكُلُونَ أَلْوَانَ الطَّعَامِ وَيَشْرَبُونَ أَلْوَانَ الشَّرَابِ وَيَلْبَسُونَ أَلْوَانَ الثِّيَابِ وَيَتَشَدَّقُونَ فِي الْكَلَامِ فَأُولَئِكَ شِرَارُ أُمَّتِي } ، فإذاً لا بد من ترك التكلف وأخذ الأمور بالطبيعة والسجية مع انتقاء الكلمات وجودة المعنى.
الدعاء