خطبة عن حديث (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ)
نوفمبر 2, 2019خطبة عن: الشفاعة وقوله (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا)
نوفمبر 9, 2019الخطبة الأولى ( كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – :« كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ »
إخوة الإسلام
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (30) :(32) الروم ، هكذا فطَر الله الناس جميعًا على معرفته وتوحيده ودينه الحق، وأعدَّهم لقَبُوله، فما يولَد مولود إلا وهو مُستعِدٌّ لهذا الدين الحنيف؛ حتى لو تُرِك وشأنه، لما ابتغى غير الاسلام دينًا؛ وذلك لأنه مُجاوِبٌ للعقل السليم، ومساوقٌ للنظر المستقيم، ومُشاكِل للطبائع النقية ،والنفوس الزكية، التي كُتِب لها أن ترقى في مراقي الكمال، وهي الفطرة التي فطر الله الناس عليها حين قال الله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا } [الأعراف: 172 ] ، وجليٌّ أنه ليس المراد بولادة الطفل على الفطرة، أنه حين يخرج من بطن أمه يعلم هذا الدينَ الحق، إنما المراد أن كلَّ مولود، يُولَد على محبَّته لفاطره، وإقراره له بالربوبية، حتى إذا خُلِّي ونفسه، لم يَعدِل عن الإسلام إلى غيره؛ وذلك كما يولد على محبته ، لما يلائمه من الأغذية والأشربة، وعلى اهتدائه إلى ما ينفعه ، ودفْع ما يضره. ولا يزال الطفل نزَّاعًا إلى الخير، سائرًا في طريق الهدى، حتى يصِل إلى الكمال المقدَّرِ له، ما لم تُصِبه القوارع، وتَصرِفه عن الحق الصوارفُ؛ من وليٍّ يُضلِّه، أو بيئةٍ تُفسِده، أو شيطان من شياطين الإنس والجن يستهويه فيُهلِكه، وإنما اقتصر الرسول (صلى الله عليه وسلم) على الأبوين في إضلال الطفلِ ،وإفساد فطرته ،بالتهويد ،والتنصير ، والتمجيس؛ لأنهما أسبقُ الناس إلى رعايته ، والقيام عليه. قال النووي : أن كل مولود يولد متهيئاً للإسلام، فمن كان أبواه أو أحدهما مسلماً ،استمر على الإسلام في أحكام الآخرة والدنيا، وإن كان أبواه كافرين ،جرى عليه حكمهما في أحكام الدنيا. ونقل ابن حجر عن الطيبي قال: والمراد تمكُّن الناس من الهدى في أصل الجبلة ، والتهيؤ لقبول الدين، فلو ترك المرء عليها ، لاستمر على لزومها ، ولم يفارقها إلى غيرها، لأن حسن هذا الدين ثابت في النفوس، وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية كالتقليد.
ومن هذا يتبين أن الذي يولد لأبوين مسلمين ،فهو ليس مقلداً لهما ،بل هو باق على أصل فطرته، وإنما يحصل التقليد ممن يتهود أو يتنصر أو يتمجس وغير ذلك من الملل. فالتهود أو التنصر أو التمجس أمر طارئ على أصل الفطرة، قال ابن حجر في فتح الباري: الكفر ليس من ذات المولود ومقتضى طبعه بل إنما حصل بسبب خارجي، فإن سلم من ذلك السبب استمر على الحق. وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« أَلاَ إِنَّ رَبِّى أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا.. (وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا ) ، فبين سبحانه في هذا الحديث القدسي : أنه خلق عباده حنفاء موحدين ،ولكن طرأ الشرك عليهم بعد ذلك ،بسبب المضللين من آبائهم وأمهاتهم وغيرهم، والشياطين تشمل شياطين الإنس والجن، وما يفعله الإنس هو من تزيين الشياطين، .. فشياطين الإنس تدعو إلى الشرك وهكذا شياطين الجن،
أيها المسلمون
ومثل الفطرة مع الحق، مثل ضوء العين مع الشمس، وكل ذي عين لو ترك بغير حجاب لرأى الشمس، والاعتقادات الباطلة العارضة من تهود وتنصر وتمجس، مثل حجاب يحول بين البصر ورؤية الشمس، وكذلك أيضًا كل ذي حس سليم يحب الحلو، إلا أن يعرض في الطبيعة فساد يحرفه حتى يجعل الحلو في فمه مرًا. ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالفعل، فإن اللّه أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا، ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته للحق، الذي هو الإسلام، بحيث لو ترك من غير مغير، لما كان إلا مسلمًا. وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع، هي فطرة اللّه التي فطر الناس عليها.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد التي يمكن لنا أن نستنبطها من هذا الحديث النبوي الكريم : « كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ » ، أولا : أنه في الحديث تقديرا للأسباب، وأنها لا تنافي قضاء الله وقَدَره، وكل ميسَّرٌ لما خُلِق له . ثانيا : أنه في الحديث إشارة إلى وجوب العناية بأمر الأطفال منذ الولادة إلى أن يبلُغوا الحُلُم ، ثالثا : وفي الحديث رمزٌ إلى يُسْر هذا الدين وسماحته، وأن الأنبياء وورثة الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم – إذ يدْعون عباد الله إلى الله، ويُخرجونهم من الظلمات إلى النور، فإنما يُعيدون الفِطَر سيرتَها الأولى، ويرفعون النفوس إلى محلها الأرفع ، فالفطرة هي الحالة التي خلق عليها النوع الإنساني، وهي صالحة لتقبل الحق والخير، وهي صالحة لصدور الفضائل الإنسانية، وإنما بعثت الرسل مُذكِّرين ومعلمين لأصحاب الفطر السليمة، ومنذرين ومقيمين للحجة على الذين فسدت فطرتهم بسبب الأهواء والجهل والبيئة المنحرفة التي تحيط بهم ، قال الله تعالى في محكم آياته : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ) (69) (70) يس، فلما كانت معرفة الخالق هي المطلب الأعظم، فقد يسر اللَّـه ذلك على الإنسان بما أودع في فطرته من الإقرار بوجوده ووحدانيته، ولذلك قالت الرسل لأقوامهم : (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) ابراهيم 10 ، رابعا : أن من مقاصد الشريعة الحفاظ على الفطرة وإحياء ما اندرس منها أو اختلط بها، «فالزواج وإرضاع الطفل من الفطرة، وحفظ الأنفس والأنساب من الفطرة، وأنواع المعارف الصالحة من الفطرة، والنفور من الشدة والإعنات من الفطرة، وعلى العلماء أن يسايروا هذا الوصف الجامع، ويجعلوه رائدهم في إجراء الأحكام، » ، خامسا : بما أن الإسلام هو آخر الرسالات، وأنه دين عام لسائر البشر، فقد جعله اللَّـه سبحانه مساوقًا للفطرة، فلا يمكن جمع البشر، وهم المختلفون في العوائد والمشارب، جمعًا عمليًّا، ما لم يرتكز هذا الاجتماع على شيء موجود في سائر النفوس، وهذا مما يسهل الدعوة إلى اللَّـه ونشر الإسلام بين الناس،
الدعاء