خطبة عن (لماذا أسلموا لله رب العالمين)
يوليو 13, 2019خطبة عن (لماذا أسلم هؤلاء لله رب العالمين)
يوليو 13, 2019الخطبة الأولى ( اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه وحسنه ( أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ اهْتَدَى وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ فَلِذَلِكَ أَقُولُ جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ »
إخوة الإسلام
هذا الحديث النبوي الشريف ، يبين لنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله – عز وجل – خلق الخلق في ظلمة، وألقى عليهم شيئاً من نوره، فمن أصابه شيء من ذلك النور اهتدى إلى طريق الجنة، ومن أخطأه ذلك النور ، وجاوزه ، ولم يصل إليه ، ضل ، وخرج عن طريق الحق؛ لأن الاهتداء والضلال قد جرى على علم الله ، وحكم الله به في الأزل ، فهو لا يتغير ، ولا يتبدل، وقوله صلى الله عليه وسلم (فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ اهْتَدَى ) ، فحين يقذف الله نوره في قلب عبده المؤمن يتبين له نور التوحيد، وظلمات الشرك، ونور الإخلاص ، وظلمات إرادة الدنيا بعمل الآخرة، ونور الإسلام، وظلمات الكفر، ونور الإيمان، وظلمات النفاق، ونور السنة، وظلمات البدعة، ونور التقوى، وظلمات المعاصي. وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (فَلِذَلِكَ أَقُولُ جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ ) فجفاف القلم فيه بيان عدم تغير ما جرى في الأزل تقديره: من الإيمان، والطاعة، والكفر، والمعصية، وغيرها ، ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله : ” (جَفَّ الْقَلَمُ) أي : فرغت الكتابة ، وفي ذلك إشارة إلى أن الذي كتب في اللوح المحفوظ لا يتغير حكمه . وقوله صلى الله عليه وسلم : (عَلَى عِلْمِ اللَّهِ) أي : على حكمه ؛ لأن معلومه لا بد أن يقع ، فعلمه بمعلوم يستلزم الحكم بوقوعه ”
وليكن معلوما لدينا ، أنه ليس المقصود من الحديث : أن سبب دخول الناس الجنة ،أو النار، هو (الصدفة ) وليس الخُلُقُ والعمل ، فالسعيد مَن أصابه مِن نور الله عز وجل بمحض المصادفة في ذلك الموقف الذي خلق الله فيه الخلق ، والشقي مَن حُرِمَ ذلك النور ،ولكن المقصود من الحديث : أن مَن أصابه مِن نور الله الذي ألقاه – كما في الحديث– لم يصبه على سبيل المصادفة ، وإنما أصابه لأن الله عز وجل كان يعلم – بعلمه الأزلي – أن هذه النسمة ستكون صالحة تقية ، عابدة لله عز وجل في الدنيا ، فقدر لها أن يصيبها من نور الله في ذلك الموقف . وأما من علم الله عز وجل – بعلمه الأزلي – أنه سيعمل سيئا في حياته ، وسيكون مع الأشقياء الفاسقين ، ولن يؤمن بالله رب العالمين : فهذا يحرمه سبحانه وتعالى من ذلك النور في بداية الخلق ، وهذا هو المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث : (جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ) ، وقال البيهقي رحمه الله : فمن علم الله إيمانه ، أمر الله القلم فجرى به ، وكتب من السعداء ، فأصابه من ذلك النور فاهتدى . ومن علم الله كفره ، وأمر القلم فجرى به وكتب من الأشقياء : أخطأه ذلك النور فضل .قال الله عز وجل : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ) الأنعام: 122. وقال الله عز وجل : ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) البقرة: 257. وقال الله تعالى : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ) الجاثية :23 ،وقال آخرون : قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : ” خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ ” أَيْ : جُهَّالا عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَعَبَّرَ عَنِ الْجَهْلِ بِالظُّلْمَةِ ، أَيْ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَهْتَدُونَ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ هُمْ ، لأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ لا تُدْرِكُ الرُّبُوبِيَّةَ ، لأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنَ الأَشْيَاءِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَوَاسِّ ، أَوْ يُدْرِكُهُ الأَوْهَامُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا ، إِذًا فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَعْرِفَ اللَّهَ مِنْ حَيْثُ الْعَبْدُ ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُهُ بِإِحْدَاثِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِهِ وَيَتَعَرَّفُ إِلَيْهِ فَيَعْرِفُهُ حِينَئِذٍ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : ” ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ ” أَيْ :هَدَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ ، فَعَبَّرَ عَنِ الْهِدَايَةِ بِالنُّورِ ، أَلا تَرَاهُ يَقُولُ : ” فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ نُورِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَدِ اهْتَدَى ” ، أَخْبَرَ أَنَّهُ لا يَهْتَدِي إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِلا بِاللَّهِ تَعَالَى ،
إخوة الإسلام
الله سبحانه وتعالى نور السماوات والأرض؛ ومن صفاته تعالى النور، وهو منور السماوات والأرض، وهادي أهل السموات والأرض؛ فبنوره اهتدى أهل السماء والأرض، فيهدي الله لنوره من يشاء ، فالإيمان كله نور ،ومآله إلى نور ،ومستقره في القلب المضيء المستنير ،وقد من الله الذي مد جميع المخلوقات بالأنوار الحسية والمعنوية ،بأن أشرقت أرضنا بشمس نبوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فبعثه الله نورا ورحمة للعالمين. والله سبحانه وتعالى لما خلق الخلق خلقهم في ظلمة ،شاء أن يهتدي منهم عدد معين يعلمه سبحانه ، وهم قليل ، وضل عدد معين منهم ، وهم كثير ، خلق خلقه الثقلين من الجن والإنس في الظلمة، ظلمة النفس الأمارة بالسوء ، وظلمة الشهوات المردية ، وظلمة الأهواء المضلة ، فألقى من نوره، فرش من نوره (كما في رواية) ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى الحق ، ثم إلى طريق الجنة ، ومن أخطأه، جاوزه النور ، ولم يصل إليه ، ضل عن الحق ،قال الله تعالى :(فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ) الأنعام125. ولكن العبد لا بد أن يبذل السبب ، أما من لا يبذل سبباً ثم يقول: إذا شاء الله هداني ، وإذا شاء نور قلبي ،وإذا شاء طمس بصيرتي ،وأظلم قلبي. فنقول له: هذه دعوى الكسالى ، وحجج القاعدين ، الذين لا يريدون الهداية، ولو أرادوها ، لعملوا بالأسباب ، ولجاهدوا في سبيل تحقيقها ، لأن الله تعالى قال: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) العنكبوت69. فالقلب الميت المظلم لا يعقل عن الله، ولا يفهم مراد الله، ولا ينقاد لأمر الله، ولا يميز الحق من الباطل، أما إذا كان العبد مريداً للحق، مبتغياً له، عاملاً لتحصيله، يجاهد نفسه ، فإن الله سيجعل مدخله من نور ، ومخرجه من نور ، وقوله من نور ، وعمله من نور ، وهكذا، فنور لا إله إلا الله ، التي قامت عليها السماوات والأرض ، تنور قلب المؤمن ، وليكن معلوما لدينا : أن لنور الله في قلب المؤمن أنواعا عدة ، وأن من ألمع الأنوار توهجاً قناديل العلم؛ فالعلم نور ،والجهل موت وظلمة ، قال الله تعالى :(أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ) الأنعام 122. وكذلك نور الإيمان ، الذي يحيي الله به القلوب ،فإذا أنار الله قلب عبده في الدنيا ، وأنار قلبه عند الموت ، وفي القبر ، ، فلا بد أن ينير قلبه يوم القيامة ، ولذلك قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ) الحديد 28. يمشون به في الدنيا ويعبرون عليه الصراط فوق جهنم يوم القيامة. وإذا كان المؤمن مستنيراً بنور الله من نور كتاب الله ،يجعل الله له نوراً يمشي به ،ويرى الحق ، ويميز الحق من الباطل ويهتدي ، قال الله تعالى : ( اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ) البقرة 257. والتمسك بالكتاب العزيز يورث نوراً بل إن الله وصف كتابه بأنه نور فقال الله تعالى : ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا ) الشورى 52. وقال الله تعالى : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (15) ،(16) المائدة فبنور القرآن يخرجهم من ظلمة المعصية إلى نور الطاعة، ومن ظلمة الشرك إلى نور التوحيد، ومن ظلمة الكفر إلى نور الإسلام ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) النساء 174. وفي مسند أحمد وغيره (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِتْرَتِي كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا بِمَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فما أحوجنا إلى نور الطاعة والإيمان ،وما أحوجنا إلى النور يوم الزحام ، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يسأل ربه أن يجعل له نورا ، ففي الصحيحين : (وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي دُعَائِهِ « اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا ، وَفِى بَصَرِى نُورًا ، وَفِى سَمْعِي نُورًا ، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا ، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا ، وَفَوْقِي نُورًا ، وَتَحْتِي نُورًا ، وَأَمَامِي نُورًا ، وَخَلْفِي نُورًا ، وَاجْعَلْ لِي نُورًا » ،وفي رواية للطبراني : (واجعل لي يوم القيامة نورا ، وأعظم لي نورا ). فإذا نور الله سمع الإنسان ، فلا يسمع إلا ما يحبه الله ، وإذا نور الله بصر الإنسان ، فلا يبصر ، ولا ينظر ، إلا إلى ما يرضي الله ، وإذا نور الله قلبه اهتدى إلى الحق ، وإذا نور الله جوارحه عمل بها الطاعات ، وهكذا. فإننا بحاجة إلى نور الفطرة ، فلا نطمس نور الفطرة الذي أنعم الله به علينا، وبحاجة إلى نور القرآن ، فلنقبل على كتاب الله ، وبحاجة إلى نور العبادات ، كالصلاة وغيرها ، فلنأت بها كما أرد الله، وإننا نحتاج إلى أن نسأل الله هذا النور ، الذي نفرق به بين الحق والباطل، ليجعل الله لنا نورا عند الموت، ونورا في القبر، ونورا يوم الدين، قال الله تعالى: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) الحديد12.
الدعاء