خطبة عن (تأملات في قصة موسى والخضر)
أبريل 20, 2024خطبة عن قوله تعالى ( آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ… أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ …قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
أبريل 20, 2024الخطبة الأولى ( سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاَثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ ،حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ ،وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلاً ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا ،فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم- :« سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاَثًا ،فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً ،سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا ،وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا ،وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا ».وفي سنن الترمذي : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلاَةً فَأَطَالَهَا ،قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْتَ صَلاَةً لَمْ تَكُنْ تُصَلِّيهَا قَالَ « أَجَلْ إِنَّهَا صَلاَةُ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ ،إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ فِيهَا ثَلاَثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً ،سَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ فَأَعْطَانِيهَا ،وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا ،وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَمَنَعَنِيهَا ».، وفي رواية للنسائي : (سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا ثَلاَثَ خِصَالٍ فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً ،سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُهْلِكَنَا بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الأُمَمَ قَبْلَنَا فَأَعْطَانِيهَا ،وَسَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُظْهِرَ عَلَيْنَا عَدُوًّا مِنْ غَيْرِنَا فَأَعْطَانِيهَا ،وَسَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لاَ يَلْبِسَنَا شِيَعًا فَمَنَعَنِيهَا ».
إخوة الإسلام
لقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُحبًّا لأُمَّتِه ،وكان بهم رؤوفًا رحيمًا، وكان صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يَدْعو لأمته، بل دعا اللهَ عز وجل أنْ يجعلَ دُعاءَه على أيِّ أحدٍ من أُمَّتِه رَحمةً له، ففي سنن البيهقي : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:« اللَّهُمَّ مَنْ كُنْتُ دَعَوْتُ عَلَيْهِ فَاجْعَلْهُ لَهُ كَفَّارَةً وَطَهُورًا ».، ومِن كَمالِ شَفقتِه صلى الله عليه وسلم أنَّه دعا اللهَ وسألَه ألَّا يُهلِكَ أُمَّتَه بالقَحطِ والجَدبِ، وألَّا يُهلكَهم عَدوٌّ من غَيرِهم كما في هذا الحديثِ الذي تصدرت به الخطبة، فقال صلى الله عليه وسلم : (إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ فِيهَا ثَلاَثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً ،سَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ فَأَعْطَانِيهَا ،وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا ،وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَمَنَعَنِيهَا ».، فرسول الله صلى الله عليه وسلم من رحمته بأمته سأل الله ودعاه ألا يهلك أمته بالقحط والجدب ،وألا يهلكهم بما أهلك به الأمم من الغرق ،والريح ،والرجفة ،وإلقاء الحجارة من السماء ،وغير ذلك من أنواع عذاب الاستِئصالِ، كما أهلَك قومَ نوحٍ، وقومَ هودٍ، وقومَ صالحٍ، وقومَ لوطٍ، وغيرَهُم من الَّذين عَصَوُا اللهَ عزَّ وجلَّ، وعصوْا رُسلَه، “فأعطانيها”، أي: أجابَه اللهُ عزَّ وجلَّ فيها، “وسألتُ ربِّي عزَّ وجلَّ: ألَّا يُظهِرَ علينا عَدوًّا من غيرِنا”، أي: ألَّا يجعلَ على المسلِمين سبيلًا من اليهودِ والنَّصارى، والمُشركينَ، وغيرِهِم ،وألَّا يَظهَروا ويَنتصِروا عليهم بحَرْبٍ، “فأعطانيها” والمرادُ بذلك ألَّا يَغلِبوا المسلمينَ غَلبةً تَستبيحُ بيضَةَ الإسلامِ، وتَستأصلُ المسلِمينَ جميعًا، ولكن قد يَحصُلُ في بعضِ الأحيانِ من غلبةِ بعضِ أعداءِ الإسلامِ على بعضِ المسلمين، ولكن الله تعالى وعد نبيه ﷺ ألا يجعل فناء الأمة بالكامل على يد أعدائها، فمهما قتل أعداؤها منها، فإنها باقية
،وإسلامها باق، ودينها باق،
وأما قوله صلى الله عليه وسلم 🙁وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ) وفي رواية (أَنْ لاَ يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) وفي رواية (أَنْ لاَ يَلْبِسَنَا شِيَعًا ) (فَمَنَعَنِيهَا) ،فلذلك صار القتل في الأمة ،يقتل بعضهم بعضاً، فهذا من الأمور التي أذن الله بها، وشاءها سبحانه وتعالى لحكم يعلمها هو سبحانه وتعالى؛ ولذلك جاء في صحيح مسلم : (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا ،وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ ،وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي أَنْ لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ ،وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ ،فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ ،وَإِنَّ رَبِّي قَالَ يَا مُحَمَّدُ :إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ ،وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ ،وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا – أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا – حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا ،وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا ».، وقد قال الله تعالى في محكم آياته : {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } [الأنعام: 65]؛ فقدِ استَعاذ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من مَعانيها لَمَّا نَزلتْ كما رواه البُخاريُّ في صَحيحِه. فعن جابر رضي الله عنه؛ قال: لما نزلت هذه الآية: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أعوذ بوجهك”، قال: أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ؛ قال: ” أعوذ بوجهك”، أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هذا أهون (أو: هذا أيسر) .وفي سنن أبي داود : (عَنْ أَبِى مَالِكٍ – يَعْنِى الأَشْعَرِيَّ – قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ أَجَارَكُمْ مِنْ ثَلاَثِ خِلاَلٍ: أَنْ لاَ يَدْعُوَ عَلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ فَتَهْلِكُوا جَمِيعًا ،وَأَنْ لاَ يَظْهَرَ أَهْلُ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ ،وَأَنْ لاَ تَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلاَلَةٍ ».
أيها المسلمون
يقول الدكتور القرضاوي : والأحاديث المذكورة ـ وما في معناها ـ واضحة الدلالة على المراد، وهو أن الله تعالى ضمن لنبيه صلى الله عليه وسلم في أمته أمرين كرامة له عليه الصلاة والسلام، وأجاب دعوته فيهما: الأول: أن لا يهلكها بما أهلك به الأمم السابقة ،بمثل الغرق الذي أهلك الله به قوم نوح، أو فرعون وجنوده، أو بالسنين أي المجاعات الماحقة التي تهلك بها الأمة كافة، أو بغير ذلك من الرجم من فوقهم ،أو الخسف من تحت أرجلهم. الثاني: أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم، بحيث يستبيح بيضتهم ،ويستأصل شأفتهم، ويقضي على وجودهم. ولكن أمرا آخر طلبه النبي صلى الله عليه وسلم من ربه، فلم يجب إليه ولم يضمنه له، وهو: أن لا يلبس هذه الأمة شيعا، ولا يجعل بأسها بينها، فلم يجب الله سبحانه لرسوله الكريم هذا السؤال، وتركه للسنن الكونية والاجتماعية، والأسباب والمسببات ، فالأمة في هذا الشأن هي مالكة أمر نفسها، ولم يجبرها الله على شيء، ولم يخصها ـ في هذا المجال ـ بشيء، فإذا هي استجابت لأمر ربها، وتوجيه نبيها، ودعوة كتابها، ووحدت كلمتها، وجمعت صفها، عزت وسادت وانتصرت على عدو الله وعدوها، وحققت ما يرجوه الإسلام منها، وإن هي استجابت لدعوات الشياطين، وأهواء الأنفس ،تفرقت بها السبل، وسُلط عليها أعداؤها، من خلال تفرقها، وتمزق صفوفها، كما أشار إلى ذلك الحديث : (وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا – أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا – حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا ». رواه مسلم
وهذا لا يعني بحال أن يكون تفرق الأمة ،وتسلط بعضها على بعض أمرا لازما، ودائما وعاما، يشمل كل الأزمنة، وكل الأمكنة، وكل الأحوال إلى يوم القيامة، وإلا لم يكن هناك معنى لقوله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) (آل عمران: 103). ولا لقوله عز وجل: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران: 105). ولا لقوله سبحانه: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال: 46). ولا لقوله جل شأنه: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (الصف: 4). ولا لقوله عز من قائل: (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (الروم: 31-32). ولا لقوله تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنين: 52). ولا لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري:( وَلاَ تَخْتَلِفُوا ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا » .ولا لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: « إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا » وقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ». وقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: « لاَ تَبَاغَضُوا ،وَلاَ تَحَاسَدُوا ،وَلاَ تَدَابَرُوا ،وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ) ،إلى غير ذلك من نصوص القرآن والحديث التي أمرت بالاتحاد والائتلاف، ونهت عن التفرق والاختلاف والتي أوجبت على المسلمين أن يكون لهم إمام واحد، وأن لا يبايعوا لخليفتين في وقت واحد، وأن يقاوموا من يريد أن يفرق كلمتهم وأمرهم جميع.. الخ.، ولو كان التفرق قدرا مفروضا على الأمة بصورة عامة ودائمة ،لكانت هذه الأوامر والنواهي عبثا، لأنها تأمر بما لا يمكن وقوعه، وتنهى عما يستحيل اجتنابه،
والأحاديث التي أخبرت بأن الله لم يسلط على الأمة عدوا من غيرها يقوض بنيانها، ويأتي عليه من القواعد، وإنما تركها لأنفسها، وجعل بأسها بينها ـ لم تخبر بأن هذا أمر واقع في كل بقعة من أرض الإسلام، وفي كل عصر من العصور. إنما هو داء وبيل تصاب به الأمة كلما تهيأت أسبابه، ولم تتحصن منه بما ينبغي، كما يصاب الفرد بالمرض إذا أهمل الوقاية، أو قصر في العلاج. وقد يقع في مكان دون مكان، وفي زمان دون زمان، وبين قوم معينين دون غيرهم، ويكفي مثل هذا ليصدق الخبر النبوي. وقد جاء في بعض الأحاديث، أن جعل بأس الأمة بينها يكون عقوبة من الله لها على انحرافها عن شرعه وكتابه، ولا سيما أئمتها ورؤساؤها. كما جاء في حديث ابن عمر مرفوعا: وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ » رواه ابن ماجه.، على أن ما أنذرت به الأحاديث المذكورة من جعل بأس الأمة بينها يمكن أن يفسر بما وقع بالفعل في بعض الأزمنة السابقة، كما وقع في عهد الصحابة أنفسهم من الفتن، وما وقع في عهود من بعدهم، في العصر الأموي ثم في العصر العباسي، مما مهد لدخول الصليبيين من الغرب، والتتار من الشرق، إلى دار الإسلام، والسيطرة على أجزاء منها مدة من الزمان.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاَثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد بشرت أحاديث أخرى بأن الإسلام ستعلو كلمته، وأنه سيدخل أوروبا مرة أخرى، بعد أن طرد منها مرتين، وأنه سيفتح (رومية) كما فتح من قبل (القسطنطينية) ، ففي مسند أحمد : (عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى وَقد سُئِلَ أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بِصُنْدُوقٍ لَهُ حِلَقٌ. قَالَ فَأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَاباً . قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَكْتُبُ إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً ». يَعْنِى قُسْطَنْطِينِيَّةَ. وفيه أيضا 🙁عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ ».، ومعلوم أن هذا كله لا يمكن أن يتم والأمة ممزقة يضرب بعضها رقاب بعض، إنما يتم ذلك حين تتوحد الكلمة على الإسلام، وتمضي الأمة تحت راية الإيمان.
أيها المسلمون
وما نراه اليوم من فرقة واختلاف بين المسلمين إنما هو بسبب بعدهم عن دينهم ، فانظروا في أمركم ،وتوبوا إلى ربكم ،وصححوا إليه مسيرتكم ،واعلموا أن هذه العقوبات التي تنزل بكم ، وهذه الفتن التي تحل بكم ،إنما هي من أنفسكم وبذنوبكم ،فأحدثوا لكل عقوبة توبة ورجوعا إلى الله ،واستعيذوا بالله تعالى من الفتن ،الفتن المادية التي تكون في النفوس والأموال بالجرح والقتل والتشريد وبالأموال بالنقص والدمار ،والفتن الدينية التي تكون في القلوب بالشبهات والشهوات التي تصد الأمة عن دين الله ،وتبعدها عن نهج سلفها ،وتعصف بها إلى الهاوية ،فان فتن الدين أعظم وأشد وأسوأ عاقبة من فتن الدنيا ،لأن فتن الدنيا إذا وقعت لم يكن فيها الا خسارة الدنيا ،والدنيا سوف تزول إن عاجلا وإن آجلا ،أما فتن الدين فإن بها خسارة الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (15) الزمر
الدعاء