خطبة عن الخوف والرجاء (لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ)
سبتمبر 7, 2019خطبة عن قوله تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ)
سبتمبر 7, 2019الخطبة الأولى ( لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ،: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – :« لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ ، وَآخَرُ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا » ، وفي رواية أخرى : (عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهْوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ » ، وفي رواية للبخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ فُلاَنٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهْوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ فَقَالَ رَجُلٌ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ فُلاَنٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ » .
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الأدب النبوي ، والذي يحذرنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسد ، وتمني زوال النعم من الغير ، ويرخص لنا في حسد الغبطة ، وهو تمني النعمة ورجاؤها ، ولكن دون أن تزول من الآخرين ، وبين لنا صلى الله عليه وسلم أن ما يستحق أن يتمناه المسلم : هو العلم النافع ، والعمل به ، وتعليمه للناس ، وكذلك المال الصالح للعبد الصالح ، الذي ينفقه في وجوه الخير والبر. فالمؤمن بطبيعته لا يحسد ،ولا يتمنى زوال نعمة الغير ،بل هو الذي يتمنى الخير للناس جميعا ، لأن قلبه طاهر من أدران المعاصي والنفاق والشقاق، وكلامه طيب يرضي الله عز وجل، ونفسه هادئة راضية مرضية ،صابرة محتسبة قانعة بما قسمه الله ، قال الله تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (32) النساء ،فالمسلم الحكيم هو الذي يتجنب الحسد على الأحوال كلها ولا يستسلم لوساوس النفس، لأن أهون خصال الحسد ترك الرضا بالقضاء وانطواء الضمير على إرادة زوال النعم عن المسلم، وقد جاء في الأثر عن الفضيل بن عياض أنه قال :( إن المؤمن يغبط ، والمنافق يحسد ) ، فلا حرج في الغبطة، أي من يغبط غيره في نعمة ويشتهي لنفسه مثلها ،وأيضاً لا حرج في المنافسة الشريفة، فقد قال الله تعالى : (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (26) المطففين ، فالإنسان العاقل هو الذي لا يحصل منه تمني زوال النعمة عن صاحبها ، سواء أكانت نعمة دين ،أو دنيا، فلا يضمر سوءاً لأحد ، أو يرجو اندحار خصمه ، أو إزالة خيراته ، ولكن إذا تمنى مثل هذه النعمة ،أو العز، أو الجاه ،فلا حرج عليه ،لأن هذا يسمى الغبطة. ومن سمات المسلم العاقل صفاء النفس من الغش والحسد ،ومن الغدر والضغينة ،وإن هذا الصفاء ليدخل صاحبه الجنة بإذن الله تعالى.
أيها المسلمون
ومما تقدم يتبين لنا أن الحسد نوعان: نوع محرم مذموم على كل حال، وهو أن يتمنى زوال نعمة الله عن العبد – دينية أو دنيوية – وسواء أحب ذلك محبة استقرت في قلبه، ولم يجاهد نفسه عنها، أو سعى مع ذلك في إزالتها وإخفائها، وهذا أقبح، فإنه ظلم متكرر، وهذا النوع هو الذي يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ، كما في سنن أبي داود وغيره :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ ». أَوْ قَالَ « الْعُشْبَ » ، وأما النوع الثاني : أن لا يتمنى المرء زوال نعمة الله عن الغير، ولكن يتمنى حصول مثلها له، أو فوقها أو دونها، وهو محمود ، ومأذون به ، ولا حرج أن يتمنى المسلم النعمة دون أن تزول من الآخرين ، وهذا هو المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم :« لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ ، وَآخَرُ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا » ، فالحسد المحمود : أن يرى نعمة الله على عبده، فيتمنى أن يكون له مثلها، فهذا من باب تمني الخير، فإن سعي وعمل لتحصيل ذلك، فهو مأجور ، غير مأزور . ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يبين لنا أن أعظم من يغبط: من كان عنده مال قد حصل له من حلة، ثم سلط ووفق على إنفاقه في الحق، في الحقوق الواجبة والمستحبة، فإن هذا من أعظم البرهان على الإيمان، ومن أعظم أنواع الإحسان ، ومما يُرجى أن يكون قد بلغ تلك المنزلة العالية أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود في سننه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟» قُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟» قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللهِ وَرَسُولَهُ، فَقُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا ) ، وأيضا : من كان عنده علم وحكمة ،علمه الله إياها، فوفق لبذلها في التعليم ،والحكم بين الناس، فهذان النوعان من الإحسان لا يعادلهما شيء. فالأول: ينفع الخلق بماله، ويدفع حاجاتهم، وينفق في المشاريع الخيرية، فتقوم ويتسلسل نفعها، ويعظم وقعها. والثاني: ينفع الناس بعلمه، وينشر بينهم الدين والعلم الذي يهتدي به العباد في جميع أمورهم، من عبادات ومعاملات وغيرها.
ومما جاء في فضل العلم وتعلمه وتعليمه لمن جهله ما رواه أبو داود في سننه من حديث أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا، سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وإنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ ليَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ، وَمَنْ فِي الأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» ، أما من أُوتي علما، ولم يعمل به، ولم يعلمه للناس، أو أُوتي مالا، ولم ينفقه في سُبُل الحق، فهذا لا يُتمنى مثلُ حاله، إذ الجاهل أفضل منه؛ لأنه قد يتعلم ويعمل، بخلاف من أُعطي العلم، أو المال، فاستخدمه في الباطل، أو عطله عن مقصوده، فلم ينفع به نفسه، ولا من حوله. من هنا كان النبي، صلّى الله عليه وسلم، يسأل ربه: “الهدى”، وهو العلم النافع. و”التقى”، وهو العمل الصالح. و”العفاف والغنى”، أي: العفاف عن الخلق، وعدم تعلق القلب بهم، مع الغنى بالله تعالى، وبرزقه. فعن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، أن النبي، صلّى الله عليه وسلم، كان يدعو، فيقول: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى، وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ، وَالْغِنَى”. (رواه مسلم). ثم بعد هذين الاثنين: تكون الغبطة على الخير، بحسب حاله ودرجاته عند الله. ولهذا أمر الله تعالى بالفرح والاستبشار بحصول هذا الخير، وإنه لا يوفق لذلك إلا أهل الحظوظ العظيمة العالية. قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] ،وقال الله تعالى : {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ – وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34 – 35] ،بل قد يكون من تمنى شيئا من هذه الخيرات، له مثل أجر الفاعل إذا صدقت نيته، وصمم من عزيمته أن لو قدر على ذلك العمل، لعمل مثله، ففي سنن الترمذي بسند صحيح : (جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : (وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ :« إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد والعبر التي يمكن أن نستخلصها من هذا الحديث النبوي : أولا : فضل تعلم العلم الشرعي ،ووسائله المعينة على فهمه ، وتعليمه للناس ابتغاء وجه الله تعالى ، فلفضله استحق أن يغبط صاحبه عليه. ثانيا : فضل الإنفاق من الكسب الطيب الحلال في وجوه الخير، مثل التصدق على الفقراء والمحتاجين ، و كبناء المساجد والمدارس وطباعة كتب العلم، ونحو ذلك من وجوه الخير. ثالثا : في قوله صلى الله عليه وسلم (آتاه الله مالاً) التنبيه على أن المال من عند الله ، يهبه لمن يشاء من عباده ، ويمنعه ممن يشاء ، فمن أعطاه الله شيئاً منه ، فليشكر الله وليؤد حق الله تعالى فيه ، ولا يستعن بنعمة الله تعالى على معصيته، ومن قدر عليه رزقه ، فليصبر وليحتسب ،وليطرق أبواب الرزق التي أحلها الله لعباده ، ولا يحمله فقره إلى طلب المال من حيث حرم الله تعالى ، ففي مسند البزار : (عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ :(قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا النَّاسَ ، فَقَالَ : هَلُمُّوا إِلَيَّ ، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ فَجَلَسُوا ، فَقَالَ : هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ جِبْرِيلُ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّهُ لاَ تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا ،وَإِنْ أَبْطَأَ عَلَيْهَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَأْخُذُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ ). رابعا : في قوله صلى الله عليه وسلم (ورجل آتاه الله الحكمة) تنبيه على أن العلم نور من الله تعالى ، يهبه لمن يشاء، ولكن العلم إنما ينال بطلبه وتحصيله ،والجد في حفظه وفهمه ومذاكرته وتبليغه، مع صدق الالتجاء إلى الله تعالى وسؤاله كما قال عز وجل :(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) طه (114)، وفي صحيح البخاري :(قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – :«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ » خامسا :أن الدنيا مهما عظمت ،فليست مما يستحق أن يغبط عليها ، ففي الحديث الذي رواه الترمذي وصححه: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :«لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ » . وقد عكس الكثير من الناس الأمر ، فصار كثير منهم يغبطون أهل الدنيا على دنياهم، ولا يأبه بما أوتي أهل العلم من العلم والإيمان ، وما ينفقه أهل الجود والكرم والاحسان ، سادسا : العلم الذي ينفع صاحبه هو ما عمل به، وعلمه غيره، أما من علم ولم يعمل، فإن علمه وبال عليه ، والمال الذي ينفع صاحبه : هو الذي ينفق منه ابتغاء مرضاة الله ، وفي حديث أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ، والذي رواه مسام في صحيحه : (وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ فِي النَّارِ ».
الدعاء