خطبة عن القرآن (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ)
مارس 12, 2022خطبة حول (الدين أم الوطن- الدين أصل والوطن خادم)
مارس 17, 2022الخطبة الأولى ( لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ » وهناك زيادة في بعض الروايات : « وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ »
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث النبوي الكريم ، والذي يحذر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوقوع في الكبائر ، وفي نفس الوقت ، فهو يفتح أمام من وقع في المعاصي باب التوبة والأوبة والرجوع إلى الله تعالى ، فالمسلِمُ قد يرتكِبُ كبيرةً مِن الكبائرِ ثمَّ يتوبُ منها، واللهُ سبحانه وتعالى يغفِرُ الذُّنوبَ جميعًا، بما في ذلك الكبائرُ، إلَّا الشِّركَ، فلو ارتكَب المسلِمُ معصيةً، مهما بلَغَت، فإنَّ اللهَ تعالى يتوبُ عليه، ويمُنُّ عليه بالغُفرانِ، وهذا الحديثُ المتقدم يُبيِّن لنا أنَّ المؤمنَ قد تقعُ منه كبيرةٌ مِن الكبائرِ، ولكنَّه حالَ إتيانِ هذه الكبيرةِ وارتكابِها لا يتَّصِفُ بصفةِ الإيمانِ، بل إنَّ الإيمانَ يُنزَعُ منه وهو يرتكِبُ هذه الكبائرَ، فمَن يزني لا يزني وهو متَّصِفٌ بالإيمانِ، وكذا مَن يشرَبُ الخمرَ لا يشرَبُه وهو متَّصِفٌ بالإيمانِ، ومَن ينتهِبُ- أي: يأخُذُ مِن الغنيمةِ قبل قِسمتها- لا يفعَلُ ذلك وهو متَّصِفٌ بالإيمان، ومعنى: يرفَعُ النَّاسُ إليه فيها أبصارَهم، أي: إنَّها كبيرةُ المقدارِ، بحيث تتبعُها أنظارُ النَّاس، ويتطلَّعون إليها؛ لقيمتِها الكبيرةِ، وقيل: إنَّ معنى: وهو مؤمنٌ، أي: كاملُ الإيمانِ؛، فيكونُ مَن يأتي هذه الكبائرَ غيرَ كاملِ الإيمان وهو يرتكِبُها. قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله… كما يقال: (لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة) ، وإنما تأولناه على هذا المعنى لحديث أبي ذر وغيره : ( أَنَّ أَبَا ذَرٍّ – رضى الله عنه – قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهْوَ نَائِمٌ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ « مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ ، إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ » . قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ « وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ » . قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ « وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ » . قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ « وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِى ذَرٍّ » متفق عليه ، مع إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أهل الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك، بل هم مؤمنون ناقصو الإيمان، إن تابوا سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرين على الكبيرة كانوا في المشيئة، إن شاء الله عفا عنهم وأدخلهم الجنة أولاً، وإن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة. فالمتفق عليه عند أهل السنة والجماعة أن العبد المسلم لا يكفر بإتيان الكبائر ، وأن الإيمان يزيد وينقص ، وأن إيمان العبد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، ولذا فقد اختلفوا في تأويل هذا الحديث ، فمنهم من حمله على الاستحلال ، أي من زنى أو شرب الخمر أو سرق مستحلا للفعل ، فقد خرج من الإيمان إلى الكفر ، وهذا مروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، وقال آخرون : معنى ذلك أنه ينزع عنه اسم المدح الذي يسمى به أولياء الله وهو الإيمان ، ويستحق بهذه الأفعال اسم الذم فيقال له : فاسق ، ومنهم من حمله على النهي ، بمعنى لا ينبغي للمؤمن أن يفعل ذلك ، ولكن أحسن الأقوال في ذلك : أن نفي الإيمان عن أصحاب الكبائر ، كالزنى وشرب الخمر : ليس نفيا لأصل الإيمان ، وإنما نفي لكمال الإيمان الواجب ، والنزاع سائغ بين أهل العلم في كونه هل يسمى مؤمنا ناقص الإيمان ، أم يسمى مسلما ؟ ، قال ابن رجب في “جامع العلوم والحكم ” :” ولا ريبَ أنَّه متى ضَعُفَ الإيمانُ الباطنُ ، لزمَ منه ضعفُ أعمالِ الجوارحِ الظاهرةِ أيضاً ، لكن اسم الإيمان يُنفى عمّن تركَ شيئاً مِنْ واجباتِه ، كما في قوله – صلى الله عليه وسلم – :” لا يزني الزاني حينَ يزني وهو مؤمنٌ ” .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في “الاستقامة” :” وَالْمُسلم إذا أتى الْفَاحِشَة لَا يكفر ، وإن كَانَ كَمَال الإيمان الْوَاجِب قد زَالَ عَنهُ ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنه قَالَ : ( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن ، وَلَا يسرق السَّارِق حِين يسرق وَهُوَ مُؤمن ، وَلَا يشرب الْخمر حِين يشْربهَا وَهُوَ مُؤمن ، وَلَا ينتهب نهبة ذَات شرف يرفع النَّاس إليه فِيهَا أبصارهم وَهُوَ مُؤمن ) . فَأصل الايمان مَعَه ، وَهُوَ قد يعود إلى الْمعْصِيَة ، وَلكنه يكون مُؤمنا إذا فَارق الدُّنْيَا ، كَمَا فِي الصَّحِيح عَن عمر : ( أن رجلا كَانَ يَدعِي حمارا وَكَانَ يشرب الْخمر وَكَانَ كلما أُتي بِهِ إلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمْر بجلده ، فَقَالَ رجل : لَعنه الله ؛ مَا أكثر مَا يُؤْتى بِهِ إلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم :” لَا تلعنه فَإِنَّهُ يحب الله وَرَسُوله ) . فَشهد لَهُ بِأَنَّهُ يحب الله وَرَسُوله ، وَنهى عَن لعنته كَمَا تقدم فِي الحَدِيث الآخر الصَّحِيح : ( وإن زنا وإن سرق ) . وَذَلِكَ أن مَعَه أصل الِاعْتِقَاد : أن الله حرم ذَلِك ، وَمَعَهُ خشيه عِقَاب الله ، ورجاء رَحْمَة الله ، وإيمانه بِأَن الله يغْفر الذَّنب ، وَيَأْخُذ بِهِ ، فَيغْفر الله لَهُ بِهِ “. والحاصل : أن النصوص الواردة بنفي الإيمان عن أصحاب الكبائر : ليس المراد منها أنه يخرج من الإيمان كله ، ولا نفي أصل الإيمان عنه ، بل المراد نفي كمال الإيمان الواجب عنه ، الذي يستحق به المدح ، وإن كان بقي معه من أصل الإيمان ما يمنع خروجه من الملة ، أو خلوده في النار . فالإيمان يكون كاملًا ويكون ناقصًا، وكماله بالطاعات وترك المعاصي والناس متفاوتون في ذلك، ونقصانه يكون بالمعاصي التي دون الشرك الأكبر والكفر الأكبر، والنفاق الاعتقادي، والإلحاد المخرج من الملة، ما كان دون ذلك من المعاصي فإن الإيمان ينقص به ولكنه لا يخرج صاحبه من دائرة الإيمان والإسلام، فيكون فيه من الإيمان وفيه من المعصية من كبائر الذنوب التي لا تكفرها إلا التوبة، ولكنه لا يخرج عن إسلامه وإيمانه
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لقد تعرضت أحاديث كثيرة لجانب الرجاء في الله، حتى كاد يطمع في دخول الجنة من لا عمل له، فروي من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا ومن قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق ، فكادت هذه الأحاديث أن تبعث الطمأنينة في نفوس العصاة، لولا أن قابلتها أحاديث الخوف التي تكاد تيئس مرتكب الكبيرة من دخول الجنة ، ومن ذلك الحديث المتقدم ذكره ، فهذا الحديث يحذر مرتكب الكبيرة، ويخوفه من عاقبة فعله، ويهدده بسحب الإيمان عنه حالة ارتكاب المنكر، فيضعف إيمانه، ولا يزال الإيمان يضعف ويتناقص بالمعاصي حتى يخشى على صاحبه من الكفر والعياذ بالله، فإن الاستهانة بارتكاب المعصية تؤدي إلى الاستهانة بالآمر الناهي، ولا تزال المعصية تترك نكتة سوداء في قلب صاحبها حتى يطبع الله عليه، ويختم على صدره، فيكون من أهل النار. وهكذا نجد أن الشرع الحكيم بنصوصه يضع المؤمن بين الرجاء والخوف، لئلا يقنط من رحمة الله، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ، ولئلا يغتر فيهمل شعب الإيمان وأموره،
أيها المسلمون
ومما يؤخذ من هذا الحديث من أحكام ، ومما يستخلص منه من عبر : أولا : أن من زنى دخل في هذا الوعيد، سواء كان بكرا أو محصنا، وسواء كان المزني بها أجنبية أو محرما، ولا شك أن الزنا بالمحرم أفحش ومن المتزوج أعظم ، وذكر بعض العلماء أن المقصود بالزنا التنبيه به على جميع الشهوات، قاله القاضي عياض. ثانيا : أن من سرق قليلا أو كثيرا يدخل في هذا الوعيد أيضا، قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر، فقد شرط بعض العلماء في كون السرقة كبيرة أن يكون المسروق نصابا، وإن كانت سرقة ما دون النصاب حراما. ثالثا : أن من شرب الخمر دخل في هذا الوعيد، سواء كان المشروب قليلا أم كثيرا لأن شرب القليل من الخمر معدود من الكبائر، وإن كان شرب الكثير الذي يخل العقل يترتب عليه من المحذور ما هو أفحش من شرب القليل ، وقال ابن بطال: هذا أشد ما ورد في شرب الخمر
الدعاء