خطبة عن حديث (لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ)
مارس 23, 2019خطبة عن قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)
مارس 30, 2019الخطبة الأولى ( لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين واللفظ للبخاري : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ » ، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري :(عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ لَعَنَ عَبْدُ اللَّهِ الْوَاشِمَاتِ ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ . فَقَالَتْ أُمُّ يَعْقُوبَ مَا هَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَمَا لِيَ لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَفِى كِتَابِ اللَّهِ . قَالَتْ وَاللَّهِ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُهُ . قَالَ وَاللَّهِ لَئِنْ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )
إخوة الإسلام
الإسلام دين الفطرة واليسر، والإنسان مفطور على حب الزينة والجمال، وقد شرع الله لعباده التزين والعناية بالمظهر ،بل طلب منهم ذلك عند كل مسجد، قال الله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الاعراف 31، وعُني الإسلام بزينة المرأة مراعاةً لأنوثتها، وتلبيةً لنداء الفطرة فيها، فرخص لها ما لم يرخص للرجل، فأبيح لها الحرير ،والتحلي بالذهب، دون الرجال. ولكن من الضوابط الخاصة بزينة المرأة: ستر الزينة ،والبعد عن التبرج ،وتجنب إظهارها للرجال الأجانب، ومراعاة القصد والاعتدال ، والبعد عن الإسراف، ومراعاة حدود الزينة أمام النساء . ومن ضوابط زينة المرأة أيضا : ألا تكون مخالفة للشرع الحكيم ، فمن أنواع الزينة التي نهى عنها الله ورسوله ،ما تضمنته بعض الأحاديث الصحيحة ،والتي ذكرتكم ببعضها في بداية هذه الخطبة ، ومنها قله صلى الله عليه وسلم : « لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ » ،وقوله صلى الله عليه وسلم :(وَالْمُتَنَمِّصَاتِ ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ )، فهذه أربعة من أنواع الزينة ،نهى عنها رسوله الله صلى الله عليه وسلم وهي : ( وصل الشعر ، والوشم ، والنمص ، وتفليج الأسنان ) ،أما قوله صلى الله عليه وسلم (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ ) ، فاللعن هو الطرد من رحمة الله ، والأبعاد من الْخَيْر ، وقد جاء في كتاب شرح النووي على مسلم قوله : وأما الواصلة فهي التي تصل شعر المرأة بشعر آخر ، والمستوصلة التي تطلب من يفعل بها ذلك ، ويقال لها : موصولة . وهذه الأحاديث صريحة في تحريم الوصل ، ولعن الواصلة والمستوصلة مطلقا ، وهذا هو الظاهر المختار ، وقال الليث بن سعد : النهي مختص بالوصل بالشعر ، ولا بأس بوصله بصوف وخرق وغيرها . وقال القاضي : فأما ربط خيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهي عنه ؛ لأنه ليس بوصل ، ولا هو في معنى مقصود الوصل ، إنما هو للتجمل والتحسين .
أما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ ) : فالوشم: أن يُغرز الجلد بإبرة، ثم يحشى بكحل أو نيل، فيزرق أثره، أو يخضر ، وهو محرم ، ومما استحدث من أساليب الوشم: أن يحدد شكل العينين والشفتين ثم ينقش عليها بالإبر ويحشى الموضع باللون المطلوب، فتصبح العينان كحيلتين على الدوام، وتصبح الشفتان دائمتي الحمرة، وهذا الفعل ينطبق عليه حكم الوشم، وجميعها يدخل في الحرمة . أما استخدام المساحيق وأدوات التجميل إذا لم يكن فيها مضرة وحصل هذا بقصد واعتدال، علما بأن الأطباء ينصحون بعدم استخدام أدوات التجميل عموماً والمكياجات إلا في حالات قليلة وعدم المواظبة على استخدامها لأن فيها مواد كيميائية تؤثر على نضارة البشرة وحيويتها في المستقبل، وغالباً ما تؤدي إلى ظهور التجاعيد مبكراً في البشرة.
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم : (وَالْمُتَنَمِّصَاتِ ) : فالنامصة: هي التي تنتف الشعر من وجهها، والمتنمصة: التي تأمر من يفعل بها ذلك ، والنمص والنتف سواء، ولا يختص النمص بالحاجبين بل يشمل أخذ الشعر من الوجه، ويستثنى من تحريم النمص، إزالة ما نبت في وجه المرأة، من لحية، وشارب، فلا يحرم إزالتهما، بل يستحب، لأن النهي إنما هو لما في الحواجب، وما في أطراف الوجه. قال ابن الأثير: لكن إذا نبت للمرأة شعر في شاربها أو لحيتها أو خدها فلا بأس بإزالته لأنه خلاف المعتاد وهو مشوه للمرأة. وكذلك إذا طال شعر الحاجب ونزل على العين فيزال ما يؤذي منه، ومن الأمور المحدثة في النمص أن تزيل المرأة كامل الحاجب وتضع خطاً مكانه، وكل هذا الأمور سواء الإزالة الكاملة أو التخفيف منهي عنها. والنمص من كبائر الذنوب، سواء أكان بنتف الحاجب، أو قص الحاجب، أو حلق الحاجب، أو بأي وسيلة حديثة، بالليزر، أو بغيره، فهو نمص، ومنهن من فقدت عقلها فهي تزيل شعر الحاجب بالكلية وترسم مكانه رسماً، وتجعل مكانه وشماً، فهذا حرام، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ ) : الفلج: هي فرجة ما بين الثنايا والرباعيات، والمتفلجات: النساء اللاتي يفعلن ذلك بأسنانهن رغبة في التحسين ، أما إذا احتيج إليه لعلاج، أو عيب في السن، فلا بأس به، لأن المحرّم إنما هو المفعول لطلب الحسن، والتجميل، والتغيير لخلق الله عزّ وجلّ. قال الفوزان: أما إذا كانت الأسنان فيها تشويه وتحتاج إلى عملية تعديل لإزالة هذا التشويه أو فيها تسوس واحتاجت إلى إصلاحها من أجل إزالة ذلك، فلا بأس لأن هذا من باب العلاج وإزالة التشويه ويكون ذلك على يد طبيبة مختصة.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ )، فمن ذلك التغيير بالوشم أو النمص أو تفليج الأسنان أو وصل الشعر؛ لما في ذلك من طاعة للشيطان؛ فقد توعد بذلك كما حكى الله تعالى بقوله تعالى : ﴿ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ﴾ (النساء 119). فمن سبل الشيطان إذن تغيير خلق الله بالإضافة إلى تغيير دين الله، فهو يحاول أن يبدل التوحيد إلى الشرك، والإيمان إلى الكفر، كما أنه يسعى في تغيير خلق الله بما يوحيه إلى هؤلاء البشر من أنواع التغييرات، تغيير الصورة، قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله: (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ) خصي الدواب، وقال آخرون من المفسرين: قطع آذان الدواب، وقال ابن مسعود في المراد بالتغيير في الآية: الوشم والنمص وما جرى مجراهما من التصنع للحسن. وهذا يتناول أيضاً تغيير الخلقة الباطنة، فإن الله خلق عباده مفطورون على قبول الحق ومعرفة التوحيد، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن هذا الخلق الجميل، وزينت لهم الشرك، والكفر، والفسوق، والعصيان ، قال الله تعالى : (وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا ) النساء 119.
أيها المسلمون
والسؤال الذي قد يرد على الخاطر : ما الحكمة في هذا التحريم ؟ . والاجابة : إذا نظرنا في جميع الأشياء الواردة في الشريعة فإنها تدور على أمور : أولاً : ما فيها من الغش والخداع، وقد يظهر بأقل من سنه فيخدع ويتشبع بما لم يعط. ثانياً : التسخط من خلقة الله، والقدح في حكمته، وعدم الرضا بتقديره وتدبيره، واعتقاد أن ما يصنعونه بأيديهم أحسن من خلقة الرحمن. ثالثاً : فتح الباب للنساء فيؤدي ذلك إلى ارتمائهن في أحضان الغرائز الشهوانية، وتقليد الكفار، وتتبع الموضات، والانغماس في قضاء الأوقات في هذه التراهات، وإنفاق الأموال التي سيحاسبهن الله عليها
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما ما تتزين به المرأة من أنواع الزينة مما لم ينه عنه الشرع ، وليس فيه تزوير ، فهو مباح لها ولو لم تكن ذات زوج ، إذا لم تتزين به لأجنبي، وإن كان الأفضل لها عدم المبالغة في ذلك. فإذا كانت ذات زوج، فإن طلب منها زوجها ذلك وجب عليها فعله لأن التزين حقه، وإن منعها من الزينة حرمت عليها، لما في ذلك من عصيان أمره، وإن سكت فلم يطلب ولم يمنع كان الأمر على الإباحة الأصلية، كغير ذات الزوج. وقد أباح الإسلام للمرأة أن تتزين لزوجها بكل ما تستطيعه من أنواع الزينة المباحة التي لم يرد نص بمنعها وتحريمها، ومن ذلك: – الخضاب بالحناء، روى الإمام أحمد في المسند (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ تَخْتَضِبُ وَتَطَيَّبُ فَتَرَكَتْهُ فَدَخَلَتْ عَلَىَّ فَقُلْتُ لَهَا أَمُشْهِدٌ أَمْ مُغِيبٌ فَقَالَتْ مُشْهِدٌ كَمُغِيبٍ. قُلْتُ لَهَا مَا لَكِ قَالَتْ عُثْمَانُ لاَ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَلاَ يُرِيدُ النِّسَاءَ. قَالَتْ عَائِشَةُ فَدَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَلَقِىَ عُثْمَانَ فَقَالَ « يَا عُثْمَانُ أَتُؤْمِنُ بِمَا نُؤْمِنُ بِهِ ». قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَأُسْوَةٌ مَا لَكَ بِنَا » ، وروى أحمد في مسنده : (حَدَّثَتْنِي كَرِيمَةُ ابْنَةُ هَمَّامٍ قَالَتْ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَأَخْلَوْهُ لِعَائِشَةَ فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ مَا تَقُولِي يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحِنَّاءِ فَقَالَتْ كَانَ حَبِيبِي -صلى الله عليه وسلم- يُعْجِبُهُ لَوْنُهُ وَيَكْرَهُ رِيحَهُ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَيْكُنَّ بَيْنَ كُلِّ حَيْضَتَيْنِ أَوْ عِنْدَ كُلِّ حَيْضَةٍ ) . ومن الزينة المباحة : الكحل وكذلك البودرة والحمرة، وضابط ذلك كما قال بعض العلماء: أن ما يزول ولا يثبت ولا يستديم يجوز استعماله لكونه ظاهرًا في أنه ليس من طبيعة بشرة المرأة. ومن الزينة المباحة : استعمال الشريط الملون، وعلى ذلك فليس فيه غش ولا تدليس وأمثاله على ضفائر البنات الصغيرات، وذلك لظهوره، ومعرفة أنه ليس من الشعر. ومن الزينة المباحة : وضع أنواع الزينة على اختلافها على رؤوس النساء، فيما يبدو أنه ليس من الشعر في شيء، ولا يراد به الغش والخداع، كالورود الصناعية والأشرطة الملونة والفصوص ونحوها ، مما تضعه النساء على شعورهن. ومن الزينة المباحة : الطيب : فيباح للمرأة أن تتطيب بما شاءت من أنواع العطور، سواء في بدنها أو لباسها، وهي مأجورة على حسن تجملها وطيبها لزوجها. ولكن يحرم على المرأة مس الطيب إذا أرادت الخروج من بيتها لأماكن الرجال كالمساجد والأسواق؛ لأن ذلك يحرك شهوة الرجال، ويلفت أنظارهم. فعَنْ زَيْنَبَ امْرَأةِ عَبْدِالله رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: قال لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ المَسْجِدَ فَلا تَمَسَّ طِيباً». أخرجه مسلم. ومن الزينة المباحة : تسريح شعر الرأس وتنظيفه والعناية به تجملاً للزوج. أما صبغ شعر الرأس بالسواد تجملاً للزوج فلا مانع منه، وأما صبغه بالسواد للتدليس والتغرير من أجل الزواج فهو محرم، وأما صبغ المرأة الشعر الأسود لتحويله إلى لون آخر كالذهبي والأصفر والأحمر، فهذا عبث بالشعر، ولا ينبغي لعاقلة أن تفعله، لما فيه من التشويه، والتشبه بالكافرات.
الدعاء