خطبة عن قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)
مارس 30, 2019خطبة عن التصوير والمصورين وحديث (مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا)
مارس 30, 2019الخطبة الأولى ( مَنْ يَلِى مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين واللفظ للبخاري : ( أن عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – حَدَّثَتْهُ قَالَتْ : جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَأَعْطَيْتُهَا ،فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ :« مَنْ يَلِى مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ » ، وفي رواية في الصحيحين : (قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « مَنِ ابْتُلِىَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ ».
إخوة الإسلام
البنات نعمة من نعم الله ـ عز وجل ـ علينا، متى ما قمنا بما افترضه الله علينا من الإحسان إليهن، ومن المعلوم أن العرب في الجاهلية كانوا لا يحبون البنات، ويترقبون الأولاد، للوقوف إلى جانبهم ومساندتهم في حياتهم وحروبهم، أما البنت فكانوا لا يحبونها، وكان عدم حبهم لها والخوف من عارها يحمل بعضهم على كراهتها بل وعلى قتلها ووأْدِها، كما قال الله تعالى في محكم آياته : {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (النحل 58: 59)، فلما بعث الله نبينا محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فجرَّم وحرم هذه الفِعلة الشنعاء وهي وأد البنات، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَمَنْعًا وَهَاتِ وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ». قال ابن حجر في ” فتح الباري”: قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «ووَأدَ البنات» هو دفن البنات بالحياة، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهة فيهن. وفي مسند أحمد : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ وُلِدَتْ لَهُ ابْنَةٌ فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا – يَعْنِى الذَّكَرَ – أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ »
أيها المسلمون
وفي هذا الحديث الذي بين أيدينا اليوم إن شاء الله ، يرغب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته بالإحسان إلى البنات ، ويعد من أحسن إليهن بالنجاة من النار ودخول الجنة فيقول صلى الله عليه وسلم : « مَنْ يَلِى مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ » ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (مَنِ ابْتُلِىَ ) قال النووي : إنما سماه ابتلاء لأن الناس يكرهون البنات ، فجاء الشرع بزجرهم عن ذلك ، ورغب في إبقائهن وترك قتلهن بما ذكر من الثواب الموعود به من أحسن إليهن وجاهد نفسه في الصبر عليهن . ويحتمل أن يكون معنى الابتلاء هنا (الاختبار) ، أي من اختبر بشيء من البنات لينظر ما يفعل أيحسن إليهن أو يسيء ، ولهذا قيده في حديث أبي سعيد بالتقوى فقال :( فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن ) ، فإن من لا يتقي الله لا يأمن أن يتضجر بمن وكله الله إليه ، أو يقصر عما أمر بفعله ، أو لا يقصد بفعله امتثال أمر الله وتحصيل ثوابه
أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ يَلِى مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ ) ، قال المباركفوري: ” واختُلِفَ في المراد بالإحسان هل يقتصر به على قدر الواجب، أو بما زاد عليه؟، والظاهر الثاني، وشرط الإحسان أن يوافق الشرع لا ما خالفه، والظاهر أن الثواب المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمر إلى أن يحصل استغناؤهن بزوج أو غيره “. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن الإحسان المذكور في الحديث فقال: الإحسان للبنات ونحوهن يكون بتربيتهن التربية الإسلامية، وتعليمهن، وتنشئتهن على الحق، والحرص على عفتهن، وبعدهن عما حرم الله من التبرج وغيره. وبذلك يعلم أنه ليس المقصود مجرد الإحسان بالأكل، والشرب، والكسوة فقط، بل المراد ما هو أعم من ذلك من الإحسان إليهن في عمل الدين والدنيا. واعلموا أن الإحسان إليهن يكون بأمور أخرى كثيرة ، ومنها : 1- حسن اختيار الأم وهذا أول صور الإحسان إلى الذرية لأن صلاح الأم من أسباب صلاح أبنائها إن شاء الله وكم حفظ الله من ذرية بصلا آبائها. 2- حسن اختيار الاسم إذ الاسم له أثر على صاحبه والأسماء مختلفة منها المستحب ومنها المباح ومنها المكروه ومنها المحرم، 3- توفير حاجات البدن من غذاء ولباس ودواء، والسعي لأجل هذا الغرض من اسباب دخول الجنة، 4- إكرامهن والعطف عليهن ورحمتهن: كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا دخلت عليه فاطمة قال مرحباً بابنتي، 5- العدل بينها وبين إخوتها من الذكور والإناث فإن الشعور بالظلم والانحياز إلى غيرها أكثر منها يزرع في نفسها الكره على أبويها والحقد على من فضل عليها من إخوتها أو أخواتها، 6- تربيتها تربية إسلامية وتعاهدها منذ مدارج العمر الأولى، تربيتها على آداب الاستئذان آداب الطعام والشراب، آداب اللباس، تلقينها ما تيسر من القرآن والأذكار الشرعية تعليمها الوضوء والصلاة وأمرها بها إذا كانت سبع وإلزامها بها إذا صارت بنت عشر، فإنها إذا نشئت على الخير ألفته وأحبته، وسهل عليها الالتزام به والثبات عليه. 7- تعليمها وتدريبها على ما تحتاج إليه بعد انتقالها إلى عش الزوجية من آداب التعامل مع الزوج، والقيام بشؤون البيت من طبخ وتنظيف ونحوه. 8- المبادرة إلى تزويجها إذا بلغت مبلغ النساء وتقدم لها من يرضى دينه وأمانته وخلقه ورضيت به فإن هذا من أعظم الإحسان لأن تأخر الفتاة عن التزويج من أعظم أسباب الانحراف عن الطريق السوية، لاسيما في هذا العصر. 9- تعاهدها بالصلة والزيارة بعد تزويجها وتلمس حاجاتها وعلاج ما يعترضها من المشكلات ومشاركتها في أفراحها وأتراحها، ولتحذر الأسرة ولا سيما الأم من التدخل المباشر في حياة ابنتها فإن كثرة دخولها فيما لا يعنيها قد يودي بحياة ابنتها الزوجية
أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ ) ، أي حاجزا يحول بينه وبينها، وهذا تغيير لمفاهيم أهل الجاهلية الذين كانوا يئدون البنات ، وهكذا رفع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيمة ومنزلة البنات، وجعل لمن رزقه الله بنات بل بنتاً واحدة من الفضائل والمِنح، ما تمتدُّ نحوَها الأعناق، وتهفو إليها القلوب .. فيا عائلاً للبنات، أبشِر بحِجاب من النار، وأبشر بالجَنَّة بصُحْبة النبي المختار ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد روى الامام احمد في مسنده : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَ بَنَاتٍ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَ أَخَوَاتٍ حَتَّى يَمُتْنَ أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ ». وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.
أيها المسلمون
فمما لا شك فيه أن البنت أكثر مئونة من الولد، البنت يُحمل همها وهي صغيرة لأنها ضعيفة، ويُحمل همها وهي كبيرة، إن لم تتزوج فأبوها يؤرقه شأنها، هل ستبقى هذه البنت بعده، متى تتزوج؟ متى ترتفع؟ متى يرى عندها الأولاد؟ متى يراها مستقرة في حياتها؟ متى يراها سعيدة ، فهو دائماً يفكر في هؤلاء البنات، وإذا تزوجت لربما يزداد العناء معها إذا لم توفق بمن يخاف الله -عز وجل- فيها، فتجد والدها يحوطها ويرعاها حتى بعد الزواج، فإذا وقعت في يد من لا يخاف الله -عز وجل- صارت همًّا غلّاباً يسيطر ويستحوذ على قلب هذا الوالد المسكين المنكسر، الذي ابتُلي بهذا الرجل الذي صار يهينها ويذلها ويصادر حقوقها، ولا ينفق عليها، وفي كل يوم يجد ابنته لا ترقأ لها دموع، وفي حال من الحزن والكآبة والحسرة بسبب هذا الزواج، أو هذا الزوج البائس، فتزداد هموم هذا الأب، هذا واقع، وإذا رزقت بالأولاد فإنهم بمنزلة أولاده، يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، وما إلى ذلك. فالبنت مما لا شك فيه أن الأب يحمل همها أعظم بكثير من حمل هم الأبناء الذكور، وهذا شيء لا ينكر، فهي تحتاج من الرعاية ما لا يحتاجه الولد، وهي عورة، فكل شيء يؤثر عليها، وقد تكون من أحسن الناس، ومن أفضل الناس، ومن أتقى الناس، ومع ذلك قد لا توفق بالزواج أصلاً، وتبلغ الأربعين والخمسين، ولم تتزوج لا لعيب فيها ،إلا أن الله لم يقدر لها ذلك، فتبقى همًّا لأبيها ولأمها وهكذا، فلذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- « مَنِ ابْتُلِىَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ ».
ومما يرشد إليه هذا الحديث النبوي الشريف : قال ابن حجر -رحمه الله في الفتح: في الحديث تأكيد حق البنات لما فيهن من الضعف غالبا عن القيام بمصالح أنفسهن ، بخلاف الذكور لما فيهم من قوة البدن وجزالة الرأي وإمكان التصرف في الأمور المحتاج إليها في أكثر الأحوال . وقال ابن بطال: وفيه جواز سؤال المحتاج ، وسخاء عائشة لكونها لم تجد إلا تمرة فآثرت بها ، وأن القليل لا يمتنع التصدق به لحقارته ، بل ينبغي للمتصدق أن يتصدق بما تيسر له قل أو كثر . وفيه جواز ذكر المعروف إن لم يكن على وجه الفخر ولا المنة .
الدعاء