خطبة عن قوله تعالى (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)
مارس 7, 2020خطبة عن حكم الاستعانة بالمشركين والكفار في القتال وحديث (فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ)
مارس 7, 2020الخطبة الأولى ( مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في البخاري ومسلم : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: « مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا »
إخوة الإسلام
مما تُجرّمه الشرائع السماوية ، وتأباه النفوس السوية ،العمل على إهلاك الحرث والنسل ، وترويع الآمنين ، كما أنّه من أجَلَّ الأعمال أن تحفظ للناس حياتهم ومعايشهم فتتحقق لهم إقامة العبادات وحفظ الأنفس ، وفي هذا الحديث النبوي الكريم يحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من حمل السلاح على المسلمين ، وترويع الآمنين ، فحمل السلاح على المسلم من كبائر الذنوب ؛لأنه رتب عليه الانتفاء منه ،وكل ذنب رُتب عليه الانتفاء من فاعله ، فإنه من كبائر الذنوب . وقوله صلى الله عليه وسلم : (فَلَيْسَ مِنَّا) أي : فليس على طريقتنا ، وليس متبعا لسنتنا ومنهجنا ؛ لأن من حق المسلم على المسلم أن ينصره، وأن يقاتل دونه ، لا أن يرعبه بحمل السلاح عليه ، لإرادة قتاله أو قتله، فدل الحديث على النهي الشديد عن حمل السلاح ضد جماعة المسلمين ، وإنما نهى الشارع عن هذا لأنه يفضي إلى استباحة دماء المسلمين ،وتفرق كلمتهم وخلخلة صفهم ،وزوال هيبة جماعة المسلمين ،وطمع العدو في الاستيلاء على بلاد المسلمين. ، كما يحرم حمل السلاح في مجامع الناس ، مثل مساجدهم وأسواقهم وغيرها ، وعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ ) رواه البخاري. فقوله صلى الله عليه وسلم : (فَلَيْسَ مِنَّا) أسلوب يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم في الزجر والنهي عن ارتكاب فعلة معينة ،والمراد ليس على طريقتنا وهدينا ، وكان بعض السلف (كسفيان بن عيينة وغيره) يمر هذا اللفظ على سبيل الزجر ،ولا يتعرض لمعناه ، حتى يكون أبلغ في النفس وأوقع. وليس المراد مطلقا أنه خارج عن الملة ،فإن هذا الفهم لم يفهمه أحد من أئمة السلف ،وهو جار على أصول الخوارج ، الذين يكفرون بالكبائر، فالمؤمن لا يكفر بقتال المسلمين لشبهة أو فسوق أو ظلم ،وإنما يكفر فقط إذا استحل ذلك ، وعن علم وبصيرة.
أيها المسلمون
ومن الخطإ أن يسارع البعض بالحكم بتكفير كل من حمل السلاح ، مستشهدا بهذا الحديث النبوي على ظاهره ، فمن المعلوم أن الحكم بالكفر على مسلم مُعَيَّن يستتبعه مجموعةٌ من الآثار شديدةُ الخطر؛ منها: أنه قد يحكم القضاء بقتله، وأنه لا يجوز له أن يتزوج بمسلمة ،أو يستبقيها زوجة له، بل يجب التفريق بينهما، وأنه لا ولاية له على مسلم، وأنه إذا مات لم يُغّسَّل ولم يُصلَّ عليه ولم يُدْفَن في مقابر المسلمين، وأنه لا يجري التوارث بينه وبين أقاربه المسلمين، وأنه مستحق لغضب الله تعالى ولعنته والخلود أبدًا في نار جهنم. ولما كان الحكم بالكفر على المُعَيَّن بهذه الخطورة الشديدة، فقد حَذَّرَ الشرع الشريف مِن التورط فيه مِن غير دليل أو مستند؛ لأن التكفير حكم شرعي، فلا يجوز الإقدام عليه إلا بدلالة الشريعة؛ يقول الله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.. [الأعراف : 33]؛ وقال الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}.. [النساء : 94]؛ وروى الشيخان – عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ . فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا » ،وروى البخاري عَنْ أَبِى ذَرٍّ – رضى الله عنه – أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ :« لاَ يَرْمِى رَجُلٌ رَجُلاً بِالْفُسُوقِ ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ ، إِلاَّ ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ » ، قال الإمام النووي في شرح حديث مسلم : “في تأويل الحديث أوجه: أحدها: أنه محمول على المستحل لذلك، وهذا يَكْفُر، فعلى هذا معنى باء بها؛ أي: بكلمة الكفر…أي: رجع عليه الكفر…والوجه الثاني: معناه: رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره. فلا يكون وَصْفُ الكفر لاحقًا بالمعين ( أي لشخص بعينه ، أو مجموعة من الناس بعينها ) إلا بعد وجود الشروط وانتفاء الموانع، فالشيء قد يكون كفرًا في ذاته، لكنه لا يمكن تكفير من تلبس به؛ لفقد شرط -كالتكليف مثلا- أو وجود مانع معتبر، كالجهل والتأويل في بعض المواطن. وفي ذلك يقول الشيخ ابن تيمية في “مجموع الفتاوى : (ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة…كمن جحد وجوب الصلاة والزكاة واستحل الخمر والزنا وتأول. فإن ظهور تلك الأحكام بين المسلمين أعظم من ظهور هذه فإذا كان المتأول المخطئ في تلك لا يحكم بكفره إلا بعد البيان له واستتابته؛ كما فعل الصحابة في الطائفة الذين استحلوا الخمر، ففي غير ذلك أولى وأحرى” وقال أيضا :”الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله تعالى بها، فمن كان من المؤمنين مجتهدًا في طلب الحق وأخطأ، فإن الله عز وجل يغفر له خطأه كائنًا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجماهير أئمة الإسلام”، وقال الإمام أبو حامد الغزالي في “الاقتصاد في الاعتقاد” : “والذي ينبغي أن يميل المُحَصِّل إليه: الاحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلا؛ فإن استباحة الدماء والأموال من المُصَلِّين إلى القبلة المُصَرِّحين بقول: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم” ،
والمستقر في عقائد أهل السنة والجماعة أن مرتكب المعصية لا يكفر بمجرد ارتكابها؛ قال الإمام الطحاوي في عقيدته التي تلقتها الأمة بالقبول : “ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله” ، وقد كثرت الأدلة الواردة في أن العبد المؤمن لا يكفر بمجرد ارتكابه الذنب، ولو كان ذلك الذنب من الكبائر؛ منها: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}.. [التحريم : 8]؛ فقد سَمَّى المذنبين مؤمنين، فَدَلَّ ذلك على أن مجرد ارتكاب الذنب لا يُخْرِج عن الإيمان. ، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.. [البقرة : 178]؛ فالقتل معصية من الكبائر، ومع ذلك فقد سمى الله تعالى القاتل أخًا، والمتبادر من وصف الأخوة تقييده بالإيمانية، كما ورد في صدر الآية. وروى الشيخان واللفظ للبخاري : ( عن أبي ذر رضي الله عنه، قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ نَائِمٌ عَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ « مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ». قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ « وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ». قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ « وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ». ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ « عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِى ذَرٍّ » فهذا الحديث صريح في أن ارتكاب الإنسان الكبائر لا يحول بينه وبين دخول الجنة ، ما دام قد مات على التوحيد ، وروى الترمذي : (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى ،يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً » ، فهذا الحديث يدل على أن الذنوب التي هي دون الشرك ،ليست حائلة بين الإنسان التي وقعت منه وبين مغفرة الله تعالى، والمغفرة لا تكون للكافرين. وروى أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « شَفَاعَتِى لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِى » فأثبت لهم الإسلام مع وقوع الكبائر منهم. وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : ( أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ – رضى الله عنه – وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا ، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ « بَايِعُونِى عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلاَ تَسْرِقُوا ، وَلاَ تَزْنُوا ، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ » . فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما ما جاء في بعض النصوص الشرعية من نفي الإيمان عن مرتكب بعض الذنوب، أو وصفه بالكفر، أو بأنه: “ليس منا”، فهو مؤول بحمله على الزجر والتنفير عن المعصية، لا على الكفر الحقيقي الموجب لمفارقة صاحبه للإسلام؛ وذلك جمعًا بين الأدلة. ومثال ذلك: ما رواه الشيخان عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ يَزْنِى الزَّانِي حِينَ يَزْنِى وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ » ، قال الإمام النووي في “شرح صحيح مسلم”: “هذا الحديث مما اختلف العلماء في معناه؛ فالقول الصحيح الذي قاله المحققون : أن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله ومختاره؛ كما يقال : لا عِلمَ إلا ما نفع، ولا مالَ إلا الإبل، ولا عيشَ إلا عيشُ الآخرة. وقال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء : 48]، مع إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل -وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك- لا يَكْفُرون بذلك، بل هم مؤمنون ناقصو الإيمان، إن تابوا سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مُصِرّين على الكبائر كانوا في المشيئة؛ فإن شاء الله تعالى عفا عنهم وأدخلهم الجنة أَوَّلًا، وإن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة، فكل هذه الأدلة تضطرنا إلى تأويل هذا الحديث وشِبهه، ثم إن هذا التأويل ظاهر، سائغ في اللغة، مستعمل فيها كثير، وإذا ورد حديثان مختلفان ظاهرًا وجب الجمع بينهما، وقد وردا هنا، فيجب الجمع، وقد جمعنا.
الدعاء