خطبة حول (موقف الاسلام من الشذوذ الجنسي أو زواج المثلية أو عمل قوم لوط)
يوليو 4, 2020خطبة عن (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ)
يوليو 4, 2020الخطبة الأولى ( مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن 🙁عَنْ أَبِى صِرْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ ».
إخوة الإسلام
من الأمور المهمة ، والتي سعى الدين الإسلامي إلى تحقيقها ،وايجادها في مجتمعات المسلمين ،التآلف ،والتآخي ،والتراحم ،والترابط بين أفراد المجتمع المسلم، فقوة المجتمع ومكانته ، تأتي من خلال قوة أفراده وترابطهم ، وتوثيق الصلات بينهم
ولذلك فشرائع الإسلام حرمت كل وسيلة تفضي إلى التفرق، وعدم الاجتماع والاختلاف، وعدم الائتلاف ،حتى ما يكدر النفوس ويفضي إلى التنافر. وفي هذا الحديث النبوي الشريف المتقدم ينهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عن إلحاق الضرر بالآخرين ، وعن الشقاق والاختلاف فيما بينهم . ففي قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ ضَارَّ ) ، أي : أي من أوصل ضررا إلى مسلم (ضَارَّ اللَّهُ بِهِ ) أي أوقع به الضرر البالغ عليه ،وقوله صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ ) أي ، أدخل عليه ما يشق عليه وألحق المشقة بمسلم بغير حق، فشق الله عليه، بمعنى أدخل عليه ما يشق عليه. وقد قيل إن الضرر والمشقة متقاربان ، ولكن الضرر يستعمل في إتلاف المال ، والمشقة في إيصال الأذية إلى البدن كتكليف عمل شاق . والضرر: هو الألم ،سواء على النفس ،أو على القلب ،أو على البدن؛ بأن يصل الضرر إلى مسلم يتأثر به، ويتضرر في دينه ،أو في دنياه ،أو في بدنه ،أو في أهله، أو في غير ذلك، فهذا الذي أرسل الضرر إلى أخيه المسلم، أو إلى إخوانه ،يعتبر قد تجرأ على ما حرمه الله، فالله تعالى حرم الضرر، وهذا استباح الضرر ،وعمل به ،وأوصله إلى من يتألم ويتضرر به. وقد ذكر الله تعالى النهي عن المضارة، ففي المطلقات ، قال الله تعالى: (وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) الطلاق 6، والمعنى أن المرأة إذا طلقها زوجها ،فلا يضارها ، ولا يخرجها مثلا من منزلها، ولا يضارها بقطع النفقة إذا كانت تستحق النفقة، ولا يسيء صحبتها ،ولا يسبها ولا غير ذلك؛ فإن هذا من الضرر الذي حرمه الله. وكذلك من أمثلة الضرر قول الله تعالى: ( لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) البقرة 233، والمضارة هاهنا: يدخل فيها التفريق بين الوالدة وولدها، أو منع الوالد عن أولاده ، فإذا كان الأمر كذلك فإن هذا يعتبر من المضارة؛ وقد ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: « مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » رواه الترمذي وحسنه ، ومعنى المضارة هنا : أن المرأة تتضرر إذا طلقها زوجها ،أو توفي عنها ؛ فانتُزع منها ولدها ذكر كان أم أنثى ، واحدا أو أكثر، فلا شك أن الأم تتألم وتحزن على فقد أولادها، فإذا منعها أبوه أو أخوه من أن تراه أو منعه من أن يخدمها فقد أضر بالولد، وقد أضر بالوالدة ،فيكون مستحقا لهذا العذاب (ضَارَّ اللَّهُ بِهِ ) . ومن صور الحاق الضرر بالآخرين : المضارة لبعض من عندهم منفعة، أو نحو ذلك ، كما في قوله تعالى : ( وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ) البقرة 282، فالكاتب لا يضر الناس بأن يمتنع من الكتابة ،أو بأن يكتب ما لا يملون عليه ،أو ما أشبه ذلك ، فيكون هذا من المضارة، والكاتب نفسه لا تضروه ،ولا تشددوا عليه ،ولا تحرجوه ،فإنه محسن كما علمه الله، والشهيد لا يضر بشهادته ،فلا يمنع شهادته ،كما قال تعالى: (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ) البقرة 282، أي: لا يمتنع من أداء الشهادة، وكذلك أيضا لا يضرونه أي لا يكلفونه فوق طاقته أو لا يكلفونه أمرا يصعب عليه فعله، فالمضارة يدخل فيها جميع أنواع الضرر الذي فيه إيصال شيء إلى المسلم ، فيدخل في ذلك الضرر في البدن، والمال ؛ كالسرقة أو الاختلاس أو الجحود أو نحو ذلك ،فهذا من الضرر، وكذلك إذا استدان وماطل في دينه ،وأخر وفاءه فهذا أيضا من الضرر. وكذلك أيضا إذا أساء إلى إنسان؛ بسباب ،أو هجاء أو تنقص أو سخرية ،أو عيب أو ثلب، أو إفك ،أو افتراء عليه ،أو ظلم له أو قذف، أو نحو ذلك مما يتضرر به فهذا من الضرر. فالضرر يرجع إلى أحد أمرين: إما تفويت مصلحة، أو حصول مضرة بوجه من الوجوه، ويدخل في ذلك: التدليس والغش في المعاملات وكتم العيوب فيها، والمكر والخداع والنجش، وتلقي الركبان، وبيع المسلم على بيع أخيه، والشراء على شرائه. وكذا الإجارات، وجميع المعاملات والخطبة على خطبة أخيه، وخطبة الوظائف التي فيها أهل لها قائم بها. فكل هذا من المضارة المنهي عنها. فكل معاملة من هذا النوع، فإن الله لا يبارك فيها، لأنه من ضار مسلما ضاره الله، ومن ضاره الله، ترحل عنه الخير، وتوجه إليه الشر وذلك بما كسبت يداه.ويدخل في ذلك: مضارة الشريك لشريكه، والجار لجاره، بقول أو فعل حتى إنه لا يحل له أن يحدث بملكه ما يضر بجاره، فضلا عن مباشرة الإضرار به.ويدخل في ذلك: مضارة الغريم لغريمه، وسعيه في المعاملات التي تضر بغريمه، حتى إنه لا يحل له أن يتصدق ويترك ما وجب عليه من الدين إلا بإذن غريمه، أو يرهن موجوداته أحد غرمائه دون الباقين، أو يقف، أو يعتق ما يضر بغريمه، أو ينفق أكثر من اللازم بغير إذنه. وكذلك الضرار في الوصايا: كما قال تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12] ، وذلك بأن يخص أحد ورثته بأكثر مما له، أو ينقص الوارث، أو يوصي لغير وارثه بقصد الإضرار بالورثة. وكذلك لا يحل إضرار الزوج بزوجته من وجوه كثيرة: إما أن يعضلها ظلما لتفتدي منه، أو يراجعها لقصد الإضرار، أو يميل إلى إحدى زوجتيه ميلا يضر بالأخرى، ويجعلها كالمعلقة. ومن ذلك: الحيف في الأحكام والشهادات والقسمة وغيرها على أحد الشخصين لنفع الآخر. فكل هذا داخل في المضارة، وفاعله مستحق للعقوبة، وأن يضار الله به. وأشد من ذلك: الوقيعة في الناس عند الولاة والأمراء، ليغريهم بعقوبته أو أخذ ماله، أو منعه من حق هو له، فإن من عمل هذا العمل فإنه باغ، فليتوقع العقوبة العاجلة والآجلة. ومن هذا: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يورد ممرض على مصح ، لما في ذلك من الضرر، ففي الصحيحين : (أَبَا هُرَيْرَةَ بَعْدُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – : « لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ » فهذا وغيره داخل في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}الأحزاب: 58 ،ونهى الاسلام عن ترويع المسلم، ولو على وجه المزح ،وكذا السخرية بالخلق، والاستهزاء بهم، والوقيعة في أعراضهم، والتحريش بينهم، فكله داخل في المضارة والمشاقة الموجب للعقوبة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الواضح أن هذا الحديث دل على أصلين من أصول الشريعة، وهما : أولا : أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر، وهذا من حكمة الله التي يحمد عليها، فكما أن من عمل ما يحبه الله أحبه الله، ومن عمل ما يبغضه أبغضه الله، ومن يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، وكذلك من ضار مسلما ضره الله، ومن مكر به مكر الله به، ومن شق عليه شق الله عليه، ثانيا : منع الضرر والمضارة، وأنه «لا ضرر ولا ضرار» وهذا يشمل أنواع الضرر كله. ومن أبرز الأحكام والفوائد التي يمكن أن نستنبطها من هذا الحديث : أولًا : دل هذا الحديث على تحريم الإضرار بالمسلمين، والإشقاق عليهم، وهذا من كبائر الذنوب، قد الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب:85]، ثانيًا : أنه يجب على المسلم الرفق بإخوانه المسلمين، لأنه إذا حرم الشيء وجب ضده، فتحريم الإضرار بالمسلمين والإشقاق بهم ،يوجب الرفق بهم، فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ » ، ثالثًا : أن الجزاء من جنس العمل، وأن من ضار إخوانه المسلمين ضار الله به، ولا يلزم أن يكون الاضرار به في نفس تلك القضية، بل قد يلحقه الضرر فيما بعد. رابعًا : أن الله يدافع عن المؤمنين لقوله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ ». وقال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا } [الحج :38]، وكلما كان المؤمن أقوى إيمانًا، كان دفاع الله عنه أعظم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: « مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ » رواه البخاري ، وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: « مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ » أرواه مسلم
الدعاء