خطبة عن حديث (هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ)
سبتمبر 5, 2020خطبة عن حديث (إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِي مِنْهَا)
سبتمبر 12, 2020الخطبة الأولى ( يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسنه : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ».
إخوة الاسلام
لقد حرص الاسلام على وحدة المسلمين واجتماعهم ، وحرص على أن يلتقي المسلمون وينضم بعضهم إلى بعض ولا يتفرقوا، كما بين أن الأمر الذي يجتمعون حوله هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فقال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران :103] ، قال القرطبي رحمه الله في تفسيرها : “إن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفُرقَةَ، لأن الفُرقَةَ هَلَكَةٌ، والجماعة نجاةٌ،وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: “وأول مقصد للإسلام، ثم أَجَلُّهُ وأخطره : توحيد كلمة المسلمين، وجمع قلوبهم على غايةٍ واحدة؛ هي إعلاء كلمة الله، وتوحيد صفوفهم في العمل لهذه الغاية، والمعنى الروحي في هذا : اجتماعهم على الصلاة ،وتسوية صفوفهم فيها أولًا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ » متفق عليه وهذا شيءٌ لا يدركه إلا من أنار الله بصيرته للفقه في الدين، والغوص على دُرره، والسمو إلى مداركه ” فالأمر بالجماعة والائتلاف هو أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين، وأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأمته، والأمر للوجوب كما هو معلوم ومقرر في علم الأصول، وعلى قدر امتثال المؤمنين لهذا الأمر تكون سعادتهم في الدنيا، وحسن العاقبة في الآخرة. وقد ضرب الله عز وجل مثالاً لذلك من واقع المسلمين، فقال مبينًا لهم سبب ما أصابهم يوم أحد ،حين انقلب النصر في أول المعركة إلى هزيمة، فقال الله تعالى : {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152]. وجواب “حتى”: أي لما حصل ذلك منكم امتحنتم وأصابكم ما أصابكم من القتل وغيره . فإذا حصل هذا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرهم، وهم مِن هم في الفضل والمكانة، فكيف بمن هم دونهم في الفضل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ،وإن من شؤم الاختلاف أن أثره قد لا ينحصر في أطرافه، بل ربما تعداها إلى مدى بعيد لا يخطر ببال. ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وقال: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَإِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِهَا فَجَاءَ رَجُلاَنِ يَحْتَقَّانِ مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ فَنُسِّيتُهَا..) ،قال النووي رحمه الله: “وفيه أن المخاصمة والمنازعة مذمومة، وأنها سبب للعقوبة المعنوية” فانظر كيف أثّر خلاف هذين الرجلين وتنازعهما على الأمة كلها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فكيف لو كان الخلاف بين قبيلتين أو جماعتين أو دولتين؟! ،فلا بد للأمة من الاجتماع على العقيدة والتوحيد؛ لأنه العامل الوحيد القادر على تجميع الأمة ، فقد جرّبت الأمة الاجتماع على العروبة حينًا من الدهر فلم تجنِ شيئًا، وها هي جامعة الدول العربية بعد مرور أكثر من ستين عامًا تعجز عن تحقيق الحد الأدنى من التوافق -الحقيقي لا الصوري- بين أعضائها، فالاجتماع على التوحيد أمر حتمي لا مجال للتجربة فيه، بل لا بد من الإقدام عليه بيقين أنه الحق الذي لا محيص عنه، وهذه النتيجة واضحة جلية لمن تدبر قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 62، 63]. فيفهم من الآيتين أن المسلمين لا يمكن أن يجتمعوا إلا على الله وشرعه ودينه، ومن طلب جمعهم على غير ذلك لم يمكنه ولو أنفق ما في الأرض جميعًا. وقد سئل الشيخ (الفوزان) حفظه الله: عن معنى قول النبي – صلى الله عليه وسلم – : « يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ». فقال : الجماعة هي التي على الحق ، وليس معناه الكثرة ، الجماعة ولو كانوا قليلين على الحق هم الجماعة ، ولو كانوا اثنين أو ثلاثة ، حتى لو كان واحد على الحق يقال له الجماعة فيُتبع ، فهذا معنى قوله – صلى الله عليه وسلم – ” يد الله على الجماعة” ، وأما من كانوا على الباطل فليسوا هم الجماعة ولو كانوا كثيرين ، فينبغي أن يُعرف هذا ، الضابط هو الحق ، وأما الإجماع فالأمة لا تُجمع على ضلالة والحمد لله ، لا تُجمع أمتي على ضلالة ، هذا جاء فيه حديث : « إِنَّ أُمَّتِى لَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلاَلَةٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُ اخْتِلاَفًا فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الأَعْظَمِ » رواه ابن ماجة. وهذا يعني أن أمة الإسلام ، أمة الحق ، ماهي الأمة العشوائية والأمة المتخبطة ، وأن أهل الحق لا يجتمعون على ضلالة ، أما أهل الباطل فيجتمعون على الضلال ،
أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : « يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ » ، دعوة إلى التعاون على البر والتقوى ، فإن الإنسان مهما كان له من القدرات فهي ضعيفة ، لذلك فهو بطبعه في حاجة إلى طلب المساعدة والائتلاف بأبناء جنسه المشاركين له في همه ، وتفكيره . فالمرء بلغ ما بلغ من الحذق والقوة فهو قليل بنفسه ،كثير بإخوانه ،وليس من شك أن إجماع الأمة آية رضاء الله ، قال معاذ رضي الله تعالى عنه: يد الله فوق الجماعة ومن شذ لم يبال الله بشذوذه. وكما قيل: اليد الواحدة لا تصفق، والمرء قليل بنفسه، كثير بإخوانه، ضعيف بمفرده، قوي بمساعده ومعينه في أي عمل وميدان.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف، وقد ضمن الله لهم (أي للمسلمين) العصمة من الخطأ عند اتفاقهم ،واجتماعهم، وخيف عليهم الخطأ عند الافتراق والاختلاف ،ففي المسند عن زَكَرِيَّا بْنَ سَلَّامٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: (أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ)، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ». وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يخطب ويقول: “يا أيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة، فإنهما حبل الله الذي أمر به”.
أيها المسلمون
ومن المعلوم أن مبدأ التعاون على الخير والصلاح، وتحقيق النفع العام للبلاد والعباد، مبدأ إسلامي أصيل، ومسلك ديني قويم، ونهج اجتماعي سليم، تفرضه سنة الله في الحياة الإنسانية ، وتحتمه ضرورات الحاجيات البشرية، وتستوجبه متطلباتها اليومية، فلا يكاد بلد ومجتمع إنساني كبير أو صغير ، يستغني أفراده عن الأخذ بهذا المبدأ في تسيير حياتهم وتدبير شؤونهم، ونجاحهم في بلوغ الأهداف المتوخاة، إذ الإنسان اجتماعي بفطرته، ومدني بطبعه كما قال مفكرو الإسلام وعلماء الاجتماع،
والإسلام كان سباقا في دعوته لهذا المبدأ وتوجيه النظر إليه والحث عليه، ومرغبا في ذلك بنظرة شمولية، ومفهوم واسع، فبين نوعه وأوضح هدفه، ووسع مجاله في التعاون الإيجابي المثمر، الذي يخدم الفرد والمجتمع في آن واحد، ويجلب له الخير والنفع العميم، ويحقق المصلحة العليا للعباد والبلاد، ويمكن من التقدم والرخاء، ويوفر المزيد من الرقي والازدهار، والسعادة والاستقرار، ويرفع من قدر الأمة ويعلي من شأنها، ويقوي من جانبها، ويزيدها تماسكا وترابطا، وتضامنا وتكافلا بين جميع شرائحها، سواء في المجالات الدينية الخيرة، من التعاون على بناء المساجد والمعاهد العليمة الإسلامية، والمؤسسات الخيرية، أو في المجالات الدنيوية الاجتماعية من ميادين فلاحية وصناعية وتجارية وإدارية وغيرها من الميادين الحيوية للإنسان، وبنائها على أسس متينة سليمة، وقد قال الله تعالى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة (2) ، وروى مسلم في صحيحه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ) ، فالمسلم جدير أكثر من غيره بأن يعي هذه الحقيقة ويتفتح عليها، ويدرك هذا الواقع المتنامي في سرعة مذهلة، ويسعى للنهوض بحياته الفردية والتعاونية والاجتماعية لوطنه ولأمته المسلمة، والدفع بها خطوات إلى الأمام من خلال ما يقوم به من علم وتثقيف وتوجيه، وعطاء وإنتاج وعمل، انطلاقا من مبادئ دينه القويم، واستنارة بشرعه الحكيم، وسعيا في تحقيق الخير والصلاح والنفع العميم لبلده ولكافة المسلمين.
الدعاء