خطبة حول الحديث القدسي (يَقُولُ اللَّهُ: أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا أَنْ لاَ تُشْرِكَ فَأَبَيْتَ إِلاَّ الشِّرْكَ)
فبراير 9, 2019خطبة حول حديث (مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ)
فبراير 9, 2019الخطبة الأولى ( يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْر)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ ».
إخوة الإسلام
إن سلعة الله غالية، إن سلعة الله هي الجنة، ولا يدخل الجنة إلا من أخلص قلبه لله ،وسار على منهج الله ، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسلك طريقه ، وسار على هديه .والجنة هي دار النعيم المقيم ، وهي دار الخلود ، فمن رزق الجنة ،فقد رزق كل شيء، ومن حُرم الجنة ،فهو المحروم ، والذي حُرم من كل شيء، واليوم إن شاء الله موعدنا مع هذا الحديث النبوي الشريف ، والذي يصف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجنة وطلابها ، فيقول صلى الله عليه وسلم : « يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ ». وفي هذا القول ، وذاك التشبيه ، معنيان : المعنى الأول : (أفئدتهم مثل أفئدة الطير) ، أي: في التوكل على الله -جل جلاله-، وهذا يدل على منزلة التوكل . والمقصود : أن أصحاب الجنة في توكُّلهم على الله مثل الطير التي هي أعظم المخلوقات توكلاً على الله، تجدها يخرج في الصحراء لا تدري هل تَلقى حَبًّا أم لا، فيملأ الله بطنها طعامًا بدون حيلة، وأما المعنى الثاني الذي يحتمله الحديث: فهو أن أصحاب الجنة قلوبهم رقيقة، فذلك يضرب للقلب الرقيق، فلان قلبه كقلب الطائر، يعني: أن قلبه قلب رقيق لا قساوة فيه، ولا صلابة. ويقول النووي معلقًا على هذا الحديث: المعنى: أنها ذات خشية واستكانة، سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير، سالمة من الشدة والقسوة والغلظة ، ويشير إلى حديث أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ ، أَضْعَفُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً ، الْفِقْهُ يَمَانٍ ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ » رواه البخاري. فهناك علاقة بين الرقة والإيمان والحكمة والفقه، ولهذه الرقة النابعة من الإيمان سمات كثيرة، وهي تشمل كل المؤمنين – رجالاً ونساءً، وشبابًا وأطفالاً – وهي: سرعة التأثر وسَرعان ما تذرف العين ، وسرعة الاستجابة للحق ، وسرعة الاتعاظ والتذكير، وكُره الظلم بشدة، وكذا التفاعل مع مَن حوله، والاهتمام بمشاعرهم فرحًا وحزنًا. والتفكير في الآخرين، فإذا عجز عن مدِّ يد العون، فلا أقل من أن يحمل همَّهم في قلبه وعقله. وهذه الصفات العامة التي يتَّسم بها أصحاب القلوب الرقيقة – والتي هي كأفئدة الطير – لها ضوابط، ومن أبرزها: لِين من غير ضَعف، وقوة من غير عنف؛ كذلك من أعظم المعاني في هذا الحديث أن صفة التوكل من أعظم ما نتعلَّمه من الطير؛ فالطير تحقق التوكل الكامل والصادق، فلا أسباب لها تعتمد عليها إلا السعي، والتوكل على الله ، والثقة في موعوده .
أيها المسلمون
وهذا التشبيه النبوي الكريم يرشدنا إلى أن نتجاوز الكثير من المعايير التي نقيم بها الأشياء أحياناً، فهذا الطير على صغر حجمه وسرعة خوفه وفزعه ،إلا أن فيه من الصفات ما ينبغي علينا أن نكون مثله ،إن أردنا أن نكون من أهل الجنان، بل إن نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام أوصانا بهذه الطيور صاحبة الفؤاد اليقظ، فقال صلى الله عليه وسلم كما في سنن البيهقي : «أَقَرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكَانَاتِهَا»، أي: أبقوها على مواضع بيضها، وقال عليه الصلاة والسلام: «ما من إنسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها، إلا سأله الله عنها يوم القيامة ،قيل: يا رسول الله! وما حقها؟ قال: حقها أن يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها فيرمي به» رواه الحاكم في المستدرك .فلنكن طيوراً تحلق في سماء الخشية والخوف من الله عز وجل، ولتكن قلوبنا سليمة طاهرة نقية، ولنكن كالطير في التوكل على الله عز وجل.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْر)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أهل الجنة (أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ) لا اختلاف بينهم، ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيًا، فعلى من أراد أن يكون من أهل الجنة فعليه بسلامة القلب والصدر، وطهارته من الغل والحقد ،فإن سلامة صدر المسلم لأخيه من أعظم الأسباب لتحقيق ذلك، وهذه مسألة صعبة ولا شك، فإن الإنسان قد يحسن مكابدة الليل، وقيام ساعاته، ولكنه قد لا يستطيع أن يزيل من قلبه كل شيء فيه على إخوانه، وقد وصف العلماء -رحمهم الله- أخلاق أهل الجنة فقالوا : لا مداهن، ولا مشاحن، ولا مختال، ولا حسود، ولا حقود، ولا سفيه، ولا جاف، ولا فظ، ولا غليظ، ولا طعان، ولا لعان، ولا مغتاب، ولا سباب، يخالط من الإخوان من عاونه على طاعة ربه، ونهاه عما يكره مولاه، ويخالط بالجميل من لا يأمن شره؛ إبقاء على دينه، سليم القلب للعباد من الغل والحسد، يغلب على قلبه حسن الظن بالمؤمنين، في كل ما أمكن فيه العذر، لا يحب زوال النعم عن أحد من العباد، قال الله عز وجل: ( وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا) الحشر:9 ، وأصحاب الجنة : قلوبهم تقية وجلة خائفة مشفقة ، ومطمئنة صابرة مرابطة ، ورقيقة لينة رحيمة ، ونقية سليمة طاهرة ، ومتآلفة متحابة متآخية ، ومهدية واعية يقظة حية . يعيش أصحاب هذه القلوب بين الخوف من الله ، والرجاء في عفوه ومغفرته ، فهو كثير الذكر والدعاء والاستغفار ، أواب تائب ، يحب لقاء الله لأنه أحب الله ، تُقْبَض روحه وهي راضية مرضية يطير إلى الله بجناحين : جناح الخوف ، وجناح الرجاء ،وصدقت سيدي يا رسول الله حين قلت ، وأنت الصادق المصدوق : « يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ ».
الدعاء