خطبة عن (الرحلة إلى الدار الآخرة)1 (البعث والحشر والشفاعة)
ديسمبر 12, 2025الخطبة الأولى ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :
( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) (39) :(44) الحجر
إخوة الإسلام
القرآن الكريم: هو أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزغ عنها إلا هالك
ولقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى :
{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]،
وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى :
{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]،
واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى :
(إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) الحجر (42)
فقد جاء في تفسير القرطبي : قال ابن عيينة : أي في أن يلقيهم في ذنب يمنعهم عفوي ويضيقه عليهم . وهؤلاء الذين هداهم الله واجتباهم واختارهم واصطفاهم .
فإبليس ليس له سلطان على قلوبهم ، ولا موضع إيمانهم ، ولا يلقيهم في ذنب يؤول إلى عدم القبول ، بل تزيله التوبة وتمحوه الأوبة
وقوله سبحانه : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) : يحتمل أن يكون خاصا فيمن حفظه الله ، ويحتمل أن يكون في أكثر الأوقات والأحوال ، وقد يكون في تسلطه تفريج كربة
وإزالة غمة ،وقوله سبحانه : (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ) أي الضالين المشركين . أي سلطانه على هؤلاء ; دليله إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون .
وفي التفسير الميسر،قال : إن عبادي المؤمنين المخلصين الذين أطاعوني ليس لك قدرة على إغوائهم، وكفى بربك -أيها النبي- عاصمًا وحافظًا للمؤمنين مِن كيد الشيطان وغروره.
وقال السعدى : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } أي: تسلط وإغواء بل الله يدفع عنهم -بقيامهم بعبوديته- كل شر ويحفظهم من الشيطان الرجيم ويقوم بكفايتهم.
{ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا } لمن توكل عليه وأدى ما أمر به.
وفي الوسيط لطنطاوي قال : ختم- سبحانه- الآيات بغرس الطمأنينة في قلوب المؤمنين الصادقين، فقال- تعالى-: (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ، وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) .
أي: إن عبادي الصالحين الذين أخلصوا دينهم لي، ليس لك- يا إبليس- تسلط واقتدار على إغوائهم وإضلالهم، وصرفهم عن السبيل الحق إلى السبيل الباطل.
أيها المسلمون
هكذا يتبين لنا من خلال أقوال العلماء ،أن المقصود بسلطان الشيطان : هو سلطان الغواية ، والإضلال بحجة أو دليل أو برهان فقط ، وهو سلطان مقيد وغير مطلق ، فعِبَاد الله الْمُخْلَصِينَ ، لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ، لأن الله تعالى وضع سنّة في نفوس البشر، أن الشيطان لا يتسلّط إلا على من كان غاوياً ، أي مائلاً للغواية ، ومكتسباً لها ، دون مَن كبحَ نفسه عن الشر .
فالعاقل إذا تعلق به وسواس الشيطان ،عَلم ما فيه من إضلال ،وعلم أن الهدى في خلافه، فإذا توفّق وحمل نفسه على اختيار الهُدى ،وصرف إليه عزمه ،قوي على الشيطان ،فلم يكن له عليه سلطان ، وإذا مَال إلى الضلال ،واستحسنه واختار إرضاء شهوته ،صار متهيئاً إلى الغواية ،فأغواه الشيطان فغوَى ، ونحن كمسلمين نرجو رحمة الله ،ونخشى عذابه ،يجب علينا أن ندرك حقيقة وجود إبليس وما هي أهدافه ،، فالشيطان يريد منّا أن نلج نار جهنم ،وأن يكون مصيرنا كمصيره والعياذ بالله ، قال الله تعالى :
( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فاطر6،
فالشيطان قد كرّس كل جهده ووقته للصد عن طاعة الله وإفساد حياة المسلمين وإفساد عقائدهم وأخلاقهم في كلِّ كبيرة وصغيرة ، وقد سُئل الحسن البصري رحمه الله :
أينام إبليس ؟ قال : لو ينام لوجدنا راحة !
فالشيطان يريدُ أن تكون الذنوب والمعاصي هي الخبز اليومي للمؤمنين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أَلا إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي بِلادِكُمْ ، وَلَكِنْ سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تُحَقِّرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ ، فَيَرْضَى بِهِ ” رواه الترمذي .
أيها المسلمون
فواجب على المسلمين أن لا يجعلوا للشيطان عليهم سبيلا ،وذلك بردِّ كيده إلى نحره ، والتغلب عليه بكل قوة ،والفوز برضى الله تعالى ومغفرته ورحمته وجنته ،وذلك بتحصين أنفسهم منه ،بكثرة ذكر الله ،والاستغفار ،وتلاوة القرآن الكريم ، وحضور حلقات العلم، واجتناب الهوى ،واجتناب الشبهات ،والبعد عن المحرمات ،والتزود من النوافل والطاعات، ولزوم جماعة المسلمين ،والدعوة إلى الله بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ،حتى نكون من عباد الله ،الذين ليس للشيطان عليهم سلطان ،بحول الله وقوته ، ونفوز برضاه وجنته .
أيها المسلمون
وبعض الناس يتصورون ،أن للشيطان تلك القدرة ،التي يستطيع بها أن يجبر الإنسان على ترك الطاعات ،وفعل المعاصي، ومن ثم ،فلا ذنب على الإنسان إذا قصر في طاعة الله ،أو فعل معصية من المعاصي،
وهذا التصور إنما سببه الجهل بالقرآن ،الذي بين حقيقة الشيطان ،وأنه ليس له سلطان بقهر الإنسان على فعل المعصية ،أو يثبطه عن القيام بالطاعة، لأنه في هذا التصور يكون مشاركاً لله في القدرة على قهر العباد ،وجبرهم على ما يشاء, وهذا هو عين الشرك في الربوبية، ولو كان للشيطان مثل هذه السلطة لكان في ذلك مناقضة لتكليف الله للبشر, وفي ذلك مناقضة صريحة لما في القرآن الكريم, لأن التكليف مبني على قدرة الإنسان في اختيار الخير أو الشر, وإذا انتفى الاختيار عند الإنسان – بسبب إجبار الشيطان له على فعل المعاصي وترك الواجبات – لكان في ذلك بطلان التكليف من قبل الله للإنسان، وهذا الكلام لا يقول به إلا كافر أو جاهل، لأن بعث الله للرسل على مدار التاريخ ،إنما جاء لاختبار هذه الإرادة عند الإنسان، فإما أن يستجيب هذا الإنسان لداعي الله، وإما أن يستجيب لداعي الشيطان ،الذي يوسوس للإنسان ،ويزين له المعاصي، وعلى أساس هذه الاستجابة ، أو عدمها ،يكون جزاء الإنسان بالجنة أو النار.
ولقد نفى القرآن أن يكون للشيطان سلطان على الكافرين ،فضلا عن المؤمنين ،يقهرهم أو بالحجة لما يدعوهم إليه، وبين القرآن حدود سلطان الشيطان على الكافرين، وأنه مجرد دعوة للكفر والمعاصي، واستجابة منهم له في ذلك.
يقول الله عز وجل في هذا الشأن حاكياً عن الشيطان:
(وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [إبراهيم: 22].
وهذا يدل على انتفاء السلطان من قبل الشيطان على أتباعه في الدنيا، وأن وظيفته كانت منحصرة في الدعوة إلى الغواية والضلال، وهذه الدعوة البراقة معراة عن الحجة والبرهان من جهة، وبعيدة عن القهر والسلطان من جهة أخرى، وإذا انتفى الأمران انتفت معهما دواعي الاستجابة لهذه الدعوة من قبل الشيطان، وبناء على ذلك فلا لوم ولا عتاب.
قال الشوكاني: (فَلاَ تَلُومُونِي بما وقعتم فيه بسبب وعدي لكم بالباطل ،وإخلافي لهذا الموعد. وَلُومُواْ أَنفُسَكُم باستجابتكم لي ،بمجرد الدعوة التي لا سلطان عليها ولا حجة، فإن من قبل المواعيد الباطلة ،والدعاوى الزائفة ،عن طريق الحق ،فعلى نفسه جنى ،ولمآربه قطع، ولا سيما ودعوتي هذه الباطلة ،وموعدي الفاسد ،وقعا معارضين لوعد الله لكم وعد الحق, ودعوته لكم إلى دار السلام، مع قيام الحجة التي لا تخفى على عاقل ،ولا تلتبس إلا على مخذول.
وبهذا يتبين أن الله لم يجعل للشيطان سلطاناً على بني آدم، لتكون إرادة الناس حرة في اختيارها طريق الخير أو الشر، ومن ثم ،فليس له سلطان على الإنس في عقائدهم ،وتوجيه إرادتهم للأعمال السيئة، فإن ذلك مما لا سبيل له إليه.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن دعوة الشيطان للضلال والفساد ،إنما تثمر مع الذين يعرضون عن ذكر الله, ويتركون السلاح الذي أمر الله بالتسلح به ضد وساوس الشيطان ومراوغاته التي لا تهدأ لجر هذا الإنسان إلى الهاوية،
أما المؤمنون فقد عرفوا السلاح الذي به يقاومون هذا التسلط، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [ الأعراف: 201].
وقال تعالى : (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [ الأعراف: 200].
قال محمد رشيد رضا: (والنفس الزكية الفطرة، المستقيمة لله تعالى بهداية الكتاب والسنة ، لا يكاد الشيطان يصلها، وإذا طاف بها طائف من وسوسته ،في حال الغفلة ،كان هو المذكر لها ، فإذا هي مبصرة قائمة ،بما يجب عليها، فمثلها في عدم تأثير الوسوسة فيها ،أو عدم إفسادها لها ،كمثل البدن القوي ،في عدم استعداده لفتك جراثيم الأمراض به، كما أن النفس الفاسدة الفطرة ،بالشرك أو النفاق والمعاصي وسوء الأخلاق ،تكون مستعدة لطاعة الشيطان ، كاستعداد البدن الضعيف والمزاج الفاسد لتأثير ميكروبات الأمراض،
ومن الأرواح والأبدان ما ليس في منتهى القوة ولا غاية الضعف، فكل منها يتأثر بقدر استعداده، وتكون عاقبة السلامة إن كان أقرب إلى الصحة والقوة، والهلاك إن كان بضد ذلك)
فكلما قوي الإيمان ،كلما ازداد الشيطان بعداً، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في صحيح البخاري : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِيهًا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ »
وفي مسند أحمد : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُنْضِي شَيَاطِينَهُ كَمَا يُنْضِى أَحَدُكُمْ بَعِيرَهُ فِي السَّفَرِ »
فالذنوب التي تحصل من المؤمنين قد لا تحدث بسبب أن للشيطان سلطاناً عليهم، لأنها ذنوب يتبعها التوبة والاستغفار، فيعودون أقوى مما كانوا عليه من الإيمان،
وسلطان الشيطان على الكافرين إنما يكون بسب استمرارهم على فعل المعاصي، حيث قد جعلوا للشيطان سبيلاً إلى قلوبهم، فلا يقلعون من معصية إلا عادوا لها، أو أشد، قال تعالى:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) [مريم: 83].
وقال الله تعالى : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المجادلة: 19].
وقال الله تعالى : (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف: 36].
وقال الله تعالى : (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ) [فصلت: 25].
فهذه الآيات قد دلت على أن الشياطين إنما تتسلط على الكافرين ،بسبب متابعتهم لها ،فيما تزين لهم من المعاصي، لأنهم لم يلجأوا إلى الله في دفعها عنهم، فخلى الله بينهم وبينها، فأزعجتهم إزعاجاً من الطاعة إلى المعصية، وأغرتهم إغراء بالشر، فلا يفترون قائلين لهم: امضوا في هذه المعاصي، حتى توقعهم في النار،
أيها المسلمون
وهكذا يتبين لنا أنه لا سلطان للشيطان على المؤمنين، وإنما استجاب له الغاوون، بمجرد دعوته إياهم، جرياً وراء أهوائهم وأغراضهم وشهواتهم، فهم الذين أعانوه على أنفسهم، ومكنوا عدوهم من سلطانه عليهم ،بموافقته ومتابعته، فلما أعطوا ما بأيديهم ،واستأسروا له، سُلط عليهم عقوبة لهم،
ولكن قد يظن البعض أن هناك تناقضا واختلافا بين قول الله تعالى :
( وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ ) سبأ 21،
وقوله تعالى : (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) (15) القصص
فنقول : إن السلطان الذي أثبته الله تعالى للشيطان 🙁 إنما هو سلطان الضلالة والاغواء وتزيين الباطل والوسوسة بالشر ،فإذا غوى الانسان أو ضل ، فلا يلومن إلا نفسه)
أما السلطان المنفي عن الشيطان : فهو سلطان الحجة والدليل والبرهان ، فليس للشيطان حجة على دعواه الكاذبة ، وغوايته الباطلة ، يقول ابن عاشور في تفسيره للآية :
(الله وضع سنّة في نفوس البشر أن الشيطان لا يتسلّط إلا على من كان غاوياً ، أي مائلاً للغواية مكتسباً لها دون مَن كبحَ نفسه عن الشر .
فإن العاقل إذا تعلق به وسواس الشيطان عَلم ما فيه من إضلال وعلم أن الهدى في خلافه فإذا توفّق وحمل نفسه على اختيار الهُدى وصرف إليه عزمه قوي على الشيطان فلم يكن له عليه سلطان ، وإذا مَال إلى الضلال واستحسنه واختار إرضاء شهوته صار متهيئاً إلى الغواية فأغواه الشيطان فغوَى ) .
الدعاء
